مشهد 1
“الخفيف تقيل عليه.. ناقصه شيء أساسي.. مش مركز وناسي.. ناقصه شيء أساسي.. دايمًا بيعيا كتير ناقصه شيء أساسي”.
مع لحن جذاب وأطفال يؤدون حركات بسيطة، يقفون خلف طفل مرتبك ينظر للأرض في خجل ويشيرون إليه بتهكم، ثم يدخل صوت يخبر الأمهات الأعراض المذكورة بالأغنية ربما هي أعراض نقص الحديد في جسم طفلها، ولذلك لا بد أن يشرب اللبن.
***
مشهد 2
“بس إنت أسنانك صفرا”
يقف مجموعة أطفال على جانب المسرح، وتقف معلمة على الجانب الآخر، وفي المنتصف يقف طفل مبتسم يتحدث بفخر عن المعجون الذي يستخدمه لغسيل أسنانه، فيشيرون له أنه واهم وأن أسنانه صفراء، وينطفئ الضوء المُسلَّط عليه من الأعلى وهو مُنكِّس رأسه ويبتسم زملاؤه في تشفٍّ.
***
مشهد 3
“والناس لما شافوا شعر أميرة خافوا”
شخصيات كارتونية تجري وتلعب، تحكي عن فتاة ذات ملابس زاهية وشخصية محبوبة، شعرها طويل ومموج، تجري سعيدة ثم فجأة يخاف منها باقي الشخصيات بسبب شعرها المموج، رغم أنها أميرة في مملكة كارتونية، ثم تقول الأغنية إن الملكة استخدمت زيت شعر جعل شعر الأميرة الصغيرة منسدلاً وجميلاً، فكف الناس عن الخوف منها.
***
المشاهد السابقة هي مشاهد من إعلانات تُذاع كل يوم، بل كل ساعة تقريبًا على قنوات التليفزيون، في الغالب لأن الإعلانات تتحدث عن منتجات خاصة بالأطفال، فتلك الإعلانات تُذاع بشكل أساسي على القنوات التي تذيع الكارتون، مما يجعل فرصة ألا يراها الأطفال تقريبًا شبه معدومة.
يستخدمون في تلك الإعلانات أغاني ذات إيقاع بسيط يجذب الأذن، ورسومات جميلة بألوان زاهية، وأشياء لا بد أن تجذب عين وأذن الطفل. تخيل الموقف لو حكى لك طفلك أن هناك زميلاً له في الفصل “ناقصه شيء أساسي” ٬ أو جاءت طفلتك لتخبرك أن زملاءها خافوا من شعرها المموج الطويل٬ أو سمعت أحد أطفالك يدندن أيًّا من أغنيات تلك الإعلانات المنتشرة أو يقلدها٬ طفل لا يفقه شيئًا عن أي شيء٬ على فطرته تمامًا لا يقصد الإيذاء٬ فجأة ودون مقدمات يقدم له التشوه على طبق من فضة ودون أن يختار.
الأمر لم يعد يقتصر على حماية طفلك من التنمر٬ أو تعليمه كيف يرفض التقليل من نفسه أو الهزار الثقيل من زملائه٬ أو تعريفه بالدعابات التي لا يجب أن يقبلها٬ الأمر لم يعد يقتصر على غرس حب الذات وتقديرها في طفلك وتعويده على احترام نفسه وخصوصية شخصيته وشكله٬ المشكلة أصبحت أن طفلك نفسه يمكن أن يصبح طفلاً متنمرًا يعاير أقرانه ويقلل من شأنهم ويشير إليهم باستهانة، ويتعمد إهانتهم ظنًا منه أنه شيء عادي يراه يوميًا في التليفزيون ولا يقول أحد إنه سيئ.
يحدث هذا بسلاسة ونعومة، وينغرس في لا وعي طفلك عندما يجد أنه يشرب اللبن الذي يستخدم التنمر في الإعلان٬ وأن المنزل به المنتجات ذات الإعلانات الجذابة التي تهين الناس٬ بسلاسة يترسخ داخله أن لا شيء خاطئ يحدث هنا٬ فالإعلانات تذاع والمنتجات موجودة بالمنزل إذًا لا ضير من أن أشير لصديقتي وأهتف “منكوشة منكوشة” كما يحدث في أحد الإعلانات.
الأمر يتطلب تركيزًا كبيرًا جدًا من الأهل٬ تعليقات مستمرة لطفلك على ما يحدث أمامه على الشاشة٬ غرس كراهية التنمر في عقله وتأكيد أنه شيء مشين يقلل من قيمة من يتنمر كما يقلل من قيمة من يتنمرون عليه بنفس القدر.
وظيفتك الأساسية كوالد هو ألا تحمي ابنك من شرور العالم، بل تُعلِّمه كيف يتعامل معها، سوف تنفق الكثير من الوقت والجهد شارحًا لماذا هذا السلوك الذي يُعرض أمامهم على الشاشة سيئ، لا يشفع له كونه منغمًا أو مصحوبًا برسومات كارتون أو صوت جميل، ما دام يقلل من أي شخص أو يشير له بنعت سيئ إذًا هو تصرف خاطئ، حتى لو كان لامعًا.
بعد عرض أحد هذه الإعلانات اسأل طفلك عن مشاعره، ماذا شعر عندما رأى الأطفال يشيرون لزميلهم؟ ولو وجدته غير مدرك للموقف لأنه يحدث أمامه في إطار موسيقي اشرح له الموقف مجردًا من الإبهار المصاحب للإعلان، ثم اسأله مرة أخرى: ماذا سيكون موقفه إذا تعرض لهذا الموقف؟ ثم ماذا سيكون موقفه لو تعرض أحد زملائه لهذا الموقف؟ لا تلقنه شيئًا ولكن اجعل فطرته الحقيقية تتحدث، بعيدًا عن الغرس الذي يحدث من التليفزيون.. وثِق أن فطرته لا بد أن تكون نقية، لأنها صنيعة الله.
أنا شخصيًا ما أن يكبر طفلي قليلاً ويبدأ في استيعاب الأشياء٬ سوف أصطحبه للسوبر ماركت في أحد رحلاتنا الدورية وأشير لكل المنتجات التي تهين البشر وأعلمه أننا لن نشتريها لأنها منتجات مسيئة تستخدم طرقًا سيئة في الترويج لها، ولذلك لا يجب أن نشجعهم على الاستمرار في الخطأ. لن أكتفي بتعليم طفلي أن يرفض تقليل أحد من شأنه بأي شكل٬ ولا أن يرفض أن يسلك هذا السلوك السيئ ويسخر من أحد٬ بل سأهتم أكثر بتعليمه وجوب رفض أن يحدث هذا أصلاً أمامه، وأن يحاربه بالطريقة التي يستطيعها حسب إمكانياته.
سوف أخبره أن هناك أنواعًا كثيرة من اللبن لا يسخر أحد من أحد بسببها٬ وأنه لا يجب أن يشرب اللبن إذا كان هذا يهين أي شخص٬ فالأهم من حمايته من التعرض للإيذاء حمايته من ألا يكون هو مؤذيًا لأي شخص.