بقلم/ دينا خالد
عزيزي القارئ.. تلك الفضفضة على وجه التحديد لأذكر نفسي دائمًا بأنني أستطيع.. مجرد مستند أواجه به نفسي في أوقات ضعفها.
1)
“إنتو لسة مصممين تتجوزوا قبل رمضان؟ ما تستنوا لبعد رمضان! أصل رمضان ده بيعوز حاجة حلوة تتعمل والأكل لازم يبقى مظبوط وإنتي مش هتعرفي تسدي خالص”.
كانت تلك النصيحة والرهان على عدم قدرتي على تحمل المسؤولية أكثر ما سمعت قبل زواجى، وكانت دائمًا من أحد أفراد أسرتي، فبدلاً من الدعم النفسي والمعنوي في فترة من أكثر الفترات إرهاقًا للفتيات خصوصًا، اختاروا الإقرار بعدم قدرتي. وكان قراري منذ اليوم الأول أنني لن ألجأ لأحد، وبالفعل يمكنني الجزم الآن وبعد مرور سبعة أشهر على زواجي استطعت التحكم بالأمور كلها -حتى وإن حدث خلل أحيانًا- ودون مساعدة من أحد. أبحث وحدي وأشترك في الصفحات الخاصة بترتيب أمور المنزل والمطبخ، وأرتب وأدبر الأمر بمفردي تمامًا. والآن أستطيع أن أخبرهم جميعًا “نعم أنا أستطيع”.
2)
كان التحاقي بكلية العلوم خطأ كبيرًا لا أغفره لنفسي. فعندما فشلت في الحصول على مجموع يؤهلني للالتحاق بكلية الصيدلة التي كنت أريدها ترسخ بداخلي إحساس بالفشل لم أنجُ منه بسهولة وكانت النتيجة الطبيعية هي ازدياد مرحلة الضياع والنجاح بالكاد، حتى وصل إلى الرسوب في إحدى السنوات.
كنت أنا الموقنة بعدم قدرتي وفشلي. كنت أمارس التنمر على نفسي. مررت بفترة نفسية عصيبة فابتعدت عن الجميع، حتى وصل الأمر إلى اقتناع داخلي بعدم قدرتي على التواصل مع البشر عمومًا.
حدث في تلك المرة عكس الشائع.. فأنا من يوقن بعدم قدرتي. وصديقتاي المقربتين “سارة” و”شروق” (حسب الترتيب الأبجدي) هما من راهنتا على قدرتي. كانت المهمة شاقة بعض الشيء عليهما، خصوصًا مع شخص عنيد مثلي. وبالفعل نجحتا في تغيير قناعاتي عن نفسي وبدلتاها تمامًا.
قد يبدو أن هذا خارج موضوع التنمر على القدرة، ولكني أجزم أن هذا أصعب، فأن تراهن أنت على فشلك وتدَّعي على نفسك عدم امتلاك القدرة على فعل شيء أقسى بكثير من أن يعتقد فيك غيرك ذلك.
3)
“بكرة هتقعدي ولو حملتي على طول لا هتروحي ولا هتيجي”
كان هذا الرهان من معظم الأصدقاء وبعض أفراد العائلة، عندما أعلنت لهم أنني في إجازة مؤقتة من عملي ستنتهي لاحقًا بعد إتمام إجراءات زواجي.
وجب التنويه عزيزى القارئ أنني من بلدة تقع في وسط دلتا النيل في مصر لها طابع ريفي. ما زال معظم أهلها يرون أن العمل الحكومي هو الأساس وأن العمل في المجال الخاص بالنسبة للفتيات -خصوصًا بعد زواجهن- يعتبر “قلته أحسن”.
بعد زواجي بشهر واحد كنت في المعمل أمارس عملي بشكل طبيعي. وعندما علم الجميع بخبر حملي كانت النصيحة الأولى “اقعدي من الشغل بقى وارتاحي”، لا أعلم أي حياة تلك التي يحيا فيها المرء ليبحث فقط على عدم إنجاز شيء. قد يتغير الوضع قليلاً عندما أضع ابنتي، وقد أحتاج إلى إجازة مؤقتة للاهتمام بشؤون الصغيرة، وقد أبحث عن عمل أقوم به من منزلي ولا يمنعني عن مباشرة مسؤوليتي الجديدة، لكني أردد لهم الآن “نعم أنا أستطيع”.
4)
وقت الكتابة هو أكثر الأوقات بهجة بالنسبة لي، والإنجاز فيها يعطيني إحساسًا بالأمان. طوال الوقت وأنا أحكي القصص بداخلي، وعندما اطَّلع بعض الأصدقاء على ما أدوِّنه في النوتة الخاصة بي دفعوني للنشر.
كنت أنا من يشك في قدراتي في تلك المرة أيضًا.. كان يلازمني شعور دائم بضعف ما أكتبه، فتوقفت لسنين رافقني فيها بعض الإحباط.
اتخذت قراري بالعودة للكتابة بدافع من زوجي.
“مش لازم أكون أحسن واحدة بتكتب حالاً، وجايز مبقاش أحسن واحدة، لكن كفاية إني بكتب عشان أتبسط وأحسس الناس اللي بتقرالي بالونس اللي بيقولوا إنهم بيحسوه في كتابتي”.. وبالفعل عدت للكتابة في “نون” وأسعى الآن في غيرها من المواقع الإلكترونية، ولاقى مقالي الأول استحسان الجميع، وعدت أردد “نعم أنا أستطيع”.
كنت أمارس التنمر على نفسي