كن سعيداً

479

بقلم/ مريم سليم

فلتتوقف محاولاتك البائسة لرثاء نفسك وإظهار ندوبك للعالم.

ليس عليك أن تؤكد للعالم مدى ألمك.. ليس عليك أن تفتح صدرك بكل ما أوتيت من ضعف، صارخًا بوهن: انظروا عمق جرحي.

 

ما الفائدة؟! توقف، وانصت إلى ما ينقص من ضربات قلبك، فيضاف إلى تجاعيد وجهك تارة، وإلى مرات انعزالك وبكائك كل يوم تارة، أو إلى انحنائة ظهرك أكثر إلى الأمام تارة أخرى، تلك التي صارت ملازمة لخطواتك دائمًا، كأنك تبحث في الأرض كلما تحركت عن مخبأ ما لتلقي فيه بجسد كهل ذي العشرين، أو قلب شاب ذي ثوب مَن مضى به العمر طويلاً وثقيلاً، يزداد ثقله عن قدرة هيكلك الرقيق في احتوائه.

 

عليك أن تتوقف عن رثاء نفسك أو استجداء رفق الآخرين ومساعدتهم، وعن البحث عن خلاص من ثِقل قلبك، وتنتبه إلى أن الحياة الحقيقية تبدأ من داخله، فتوقف عن التأفف من ثقله وتركه فريسة لليأس، توقف واعتنِ به.

 

وإن مواصلة التفتيش في أرجاء روحك عن جذور الألم، لا تنتهِ بالكف عن محاولة الضغط عليها بأطراف أصابعك بوهن، فلا أنت قادر على أن تنتزعها بقوة، ولا أنت قادر على أن ترفع يديك عنها، تاركًا إياها تتغلغل بخفة حتى تخنقك، رغم أن أحدهما عليه أن يتم.

 

أعدك أن يحدث الأمر في الحالتين بخفة وسرعة، ولا بأس ببعض الألم في البداية أو في النهاية، ففي كل طرق التحرر لا بأس بما تفرضه الدنيا بخفه من القليل من الألم في البداية، تَحمّل قليلاً لتعيش سعيدًا.

 

أما إذا اخترت طريق الاستسلام فتحمّل عواقبه وحدك، ولا بأس إذن بما تتمادى به الدنيا من بعض الألم متركزًا في نهايته.

 

أرجوك لا تفعل.. فإن تركيز ألم الاستسلام في النهاية يشبه كثيرًا مرارة علقم متركزة في نهاية الحلق، لكن أكثر شدة. سترثي نفسك أنك تركتها أو أنها تركتك لتتذوق كل هذه المرارة، وستجبرك مرارة الاستسلام لآلامك على المزيد من الأسى.. أن لماذا لم أحارب؟ لماذا كان عليّ أن أترك نفسي أواجه كل تلك المرارة؟!

 

صدقني أنا، فقد قاربت النهاية من قبل، وسريعًا ما انتفضت حينما أدركت بآخر ما تبقى عالقًا داخلي من خيوط الرغبة والشغف والتماسك، أنه ما زال أمامي أن أتحرر أو أختنق، أن أنتزع ألمي أو أستسلم لجذوره. أما موقفي البين بين ذاك فهو أكثر إيلامًا من أي شيء. قد كان وصولي لنهاية طريق الاستسلام ليأسي أكثر لذوعة من الألم نفسه، وإن ذلك لا يزيد الجروح إلا التهابًا، ولا زاد الأمر إلا سوءًا.

 

أدركت قوتي فأنقذت روحي العطشى للغاية، لحماستي وانطلاقي. خلقنا لنحارب دائمًا، ونقاوم أبدًا ضعفنا أولاً.

على أي حال، قرر كما قررت أنا، إما أن تلقي بنفسك في النهر وتستسلم لأن يحملك تياره لنهاية ضعفك، وإما أن تسترشد بقلبك وباختيارك إلى بداية تحررك، لكن يكفي المزيد من رثاء النفس.

 

 

 

 

المقالة السابقةقرارك حصانك
المقالة القادمةوقوع البلا ولا انتظاره
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا