بقلم: سلمى شعبان
المرض النفسي مثله كأي مرض، يهاجم الجسم بلا ضراوة ولا هوادة، يقتحم حياتك وحياة كل من حولك ليغيرها تمامًا، وقد يغيرها للأبد،وطبيعة التغيير تختلف باختلاف الأشخاص وباختلاف نظرتهم للمرض النفسي وطبيعته، كما أنها تختلف باختلاف تقدريهم للمريض وتعاطفهم معه وقدرتهم على فهم مرضه والتعاطف معه، وقبول فكرة العلاج النفسي.
اكتشفت في البداية أن أخي ليس الوحيد ممن أصيبوا بذلك المرض اللعين المسمى بالفصام، بل والأصعب من هذا أنني علمت أن هذا المرض يصيب الكثيرين حول العالم، وأنه أشد ضرواة في بعض حالاته من أعقد الأمراض العضوية على الإطلاق، حيث إنه يدمر حياة المريض في بعض درجاته ويحرمه من ممارسة حياته اليومية بشكل طبيعي وكالسابق.
أما اكتشافي الأسوأ على الإطلاق عندما علمت أنه مرض من الأمراض الوراثية، نعم! قد يندهش القارئ، معظم الأمراض النفسية العصبية كالفصام واضطراب ثنائي القطب وغيرها من الأمراض الوراثية، وتخيلت نفسي مكان أخي العزيز فأشفقت عليه أكثر وأكثر.
وتزايد حجم شفقتي عليهعندما بدأت أكبر وأفهم أن أصعب ما يكون في المرض النفسي ليس أعراضه من هلوسة واضطراب وعدم نوم، ولا أدويته التي تسبب النعاس وتشتت الذهن وسوء الهضم والرعشة على المدى البعيد، بل والعجز عن الدراسة وعدم القدرة على الزواج في بعض الأحيان، ولكن الشفقة تضاعفت عندما تذكرت نظرة المجتمع للمريض النفسي.
ففي مجتمعنا هذا نطلق على أي مريض نفسي لقب “مجنون”، لا يدرك المجتمع أبدًا الشيء البسيط عن المرض النفسي ولا أبسط أعراضه.
عندما كنت أستقل المترو ذهابًا وإيابًا إلى الجامعة، كنت أرى بعض الناس يتحدث لنفسه بصوت عالي، وكأنما ترى أشخاصًا ليسوا بموجودين، وكنت على علم شديد بأنهم مرضى ولكنهم لا يعلمون أو حتى لا يعلم ذويهم بذلك ولا يدركون ماهية العلاج، بل ويعتقد بعضهم أنهم ملبوسين ومبروكين.
وكنت أري العديد من الناس تتحاشهم وتبعد عنهم ويتحدثون في صمت بنظراتهم “يا ختي إيه الست المجنونة دي!”، وكنت أدعو في سري لهم ” يارباشفهم واشفِ كل مريض”، كانوا حتى يبخلون عليهم بمجرد الدعاء بالشفاء، وهم يجهلون أن بعض الأدوية البسيطة قد تجعل من هؤلاء أناس طبيعيون تمشي بينهم دون أن يعلم أحد بمرضهم، وأن المشكلة كلها تكمن في بعض الخلل في كيمياء المخ، والتي تسبب كل هذه الأعراض المميتة.
حتى هذه اللحظة تجتمع مؤسسات معالجة الإدمان مع مؤسسات العلاج النفسي، مع اختلاف طبيعتها من وجهة نظري، وأنا لست بطبيبة بالتأكيد وقد لا أفهم سر هذا الجمع، ولكنني أرى أن المرض النفسي ليس بوصمة عار على صاحبه، فهو مرض كأي مرض يحدث بسبب عضوي في الجسم، مثله مثل الصرع، وأتمنى بل أدعو كل القراء أن يقضوا ولو ربع ساعة للقراءة عن الأمراض النفسية لعلهم يصادفون مريضًا ويتمكنون من اكتشاف حالته ومساعدته. وأتمنى من مجتمعنا هذا أن ينسى كلمة مجنون لأنه حتى في الطب النفسي لا يوجد مرض نفسي اسمه “الجنون”.