أيها الغاضب.. أفتقدك حقًا

561

“إنتي مستحملاه إزاي؟!” كانت هذه الجملة الأكثر تكرارًا، من صديقاتي وشقيقاتي وكل من يعرفني عن قرب، كانت تُقال بصدق شديد متبوعة بنصيحة من القلب “اتطلقي واخلصي منه”، لم يكن من الطبيعي في نظرهم أن أحتمل غضبك الشديد الذي ينفجر بوجهي لأتفه الأسباب، صوتك المرتفع، إصبعك الموجَّه إليَّ مع كثير من الأوصاف المؤذية، كان الجميع يتعجبون من صمتي، يضربون المثل بي في الصبر والاحتمال، لم أكن أملك مع كل مرة من تلك المرات إلا أن أكتم دموعي وأركض إلى غرفتي لأبكي، قبل أن أخرج وكأن شيئًا لم يكن.

 

لعل أحدًا سواي لم يكن ليحتمل ما احتملته أنا، في الواقع كانت إهاناتك موجعة، تأتيني بصوت فاضح أمام الجميع، كلما أردت تأنيبي أو نصحي أو تقريعي، لكني احتملت، لا أنكر أنني فكرت كثيرًا في الطلاق منك، لكن الكلمة لم تكن واردة بقاموس عائلتي أو قاموسي الشخصي، لذا احتملت، ليس لأنني أود احتمال الإهانة، ولكن لأنني أود احتمال قراري بالحفاظ على شكلنا العام كأسرة مستقرة.

 

لم أتخيل يومًا المجهول من بعدك، ولم أرغب، كنت كل ما أعرف، وهذا يكفيني، كان الجميع يرون تقريعك لكن أحدًا لم ير دموعك وأنت منفردًا بنفسك، صحيح أنك لم تعتذر لي قط، ولا أفلحت محاولاتي في تغيير طريقتك، لكنك في المقابل كنت تعطيني زمام كل شيء، كل القرارات، كل الطموحات، لم تكبتني يومًا ولم تقل “لا” دون سبب وجيه.

 

كانت علاقتنا معقدة حقًا، لم أكن أحبك بالقدر الكافي الذي يجعل إهانتك تقهرني، كانت أفعالك متوقعة، وكنت أُحسِن التعامل، لكني أيضًا لم أقوَ يومًا على الاستغناء عنك، يقول المثل الشعبي “لا بحبه ولا بقدر على بعده”، كان هذا هو الوصف الدقيق لحالتنا.

كنت أملك كل أسباب الرحيل، لكنني لم أرحل.

كنت أملك القرار أيضًا، لكنني لم أفعل.

 

خمسون عامًا قضيناها معًا، تكفَّل القدر من بعدها باتخاذ القرار نيابة عن كلينا، تركتني ورحلت، هكذا فجأة، لم أذرف دمعة واحدة، تخلصت من كل متعلقاتك، شعرت لوهلة أنني أنتقم منك عن كل الغضبات المؤجلة لنفسي ولكرامتي، لكنني في النهاية، حين انتهت مراسم العزاء وكف الصخب، وخلا البيت وجدتني أرتجف.

 

لم أكن أفتقد وجودك إلى جواري، فقرارنا بالافتراق في الفراش حدث قبل سنوات طويلة، مع ذلك، كان ارتجافي لأجلك وذلك الشوق بقلبي لأجلك، وجدتني أستعيد تلك القيمة التي دفعت ثمنها غاليًا والآن لم تعد موجودة، قيمة وجودك، وجودك وحسب، علمت يا رفيقي الراحل أن الحب رائع لكنه ليس كل شيء، أحيانًا يسدي لنا شركاؤنا معروفًا بوجودهم فقط، الحياة صعبة من دونك حقًا، كنت اختياري الذي دافعت عنه واحتملته، كان ثمنك غاليًا، وكان رحيلك مفجعًا جدًا أيضًا.

 

عزيزي الغاضب دومًا..

أفتقدك حقًا، وأعلم أنك لم تكف حتى أيامك الأخيرة عن انفجاراتك، التي لم تكن تزدني في أعين المحيطين بي سوى احترامًا وتقديرًا للسيدة التي كنتها لك، سيدة لم ترفع صوتها بوجه زوجها قط.

قالت لي صديقتي يومًا إن قُدِّر لكِ دخول الجنة، سيكون احتمالك لهذا الرجل هو السبب، ضحكت يومها وبدأت أبكي الآن.

 

أعلن جسدي العصيان أخيرًا، أصابتني أمراض عديدة فجأة، رغم أنني كنت مثالاً في قوة الجسد والشخصية خلال حياتك، أما الآن فأنا بلا حول ولا قوة، بصراحة أكثر، اعتدت أن تجعلني الطرف الأقوى والأكثر احتمالاً، كنت أقوى بك وإن لم تكن تؤازرني، كنت الأقوى باحتمالي وصبري عليك، أما الآن فلم يعد ثمة سبب للمقاومة، أو البقاء.. لذا وبكل صدق أقولها لك “أفتقدك حقًا يا شريكي الغاضب”.

المقالة السابقةفي بيتنا مريض نفسي
المقالة القادمةامرأة طبيعية
رحاب لؤي
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا