“البيوت أسرار”.. تبدو للوهلة الأولى جملة عادية، ولكن كقطعة بازل تائهة يبدو أنسب مكان لها هو وصف العلاقة الحميمة، يستخدمها كثير من الأزواج لإغلاق الحديث عن أي مشكلة تخص هذه العلاقة، حتى لو أدى ذلك إلى الانفصال، والأسباب دومًا هي الامتثال للعرف أو الجهل، الذي إما يكون نفسيًا وإما طبيًا.
ولأن المرأة في مجتمعنا غالبًا هي الطرف الأضعف في العلاقة، فهي تخشى دومًا التعبير عن مشاعرها، والخوف يكون مضاعفًا، مرة من الحديث عن الأمر، ومرة من انتقادات المحيطين بها واتهامها بسوء الخلق.
حاولنا الحديث مع “نون النسوة” لتفصح عما بصدرها، وتفضفض بمخاوفها ومشاعرها، فتقطع خيوطًا عنكبوتية متينة نسجتها حول تلك العلاقة، سواء كانت هذه الخيوط هي إحساس العيب أو التربية المنغلقة، أو الجهل، أو حتى كُره العلاقة نفسها.
..
أعرف أن هذا خطأ ولكني نشأت على ذلك
“م. س” في أوائل العشرينيات، جمالها يبدو لافتًا، تحدثت عن سعادتها خلال تجهيزات الزواج، وفرحتها التي اكتملت بليلة عُمر لا تُنسى، ولكن تغير كل شيء بعد ثالث يوم من الزواج: “زوجي يعمل قائد طائرات، وهو أمر يفرض عليه الاهتمام بصحته بشكل كبير، كما كان يخبرني في أول تعارفنا، فضلاً عن حبه الشديد للرياضة، وذلك جعل بنية جسده القوية مقابل نحافتي الشديدة أمرًا صعبًا جدًا في العلاقة الزوجية، خصوصًا في الأيام الأولى للزواج، لدرجة أنني كنت أتهرَّب من العلاقة بأي شكل”.
لا تملك “م” ثقافة كبيرة حول فكرة الجنس والعلاقة الحميمة، فقط ما كانت تسمعه من حكايات قريباتها: “في قعدات البنات كنا نتحدث حول أمور الجنس وما يحدث بين الزوجين بشكل فكاهي، وفي أيام الزواج الأولى اكتشفت أن تلك القعدات لا تفيدني بشيء. ظللت لفترة لا أعرف ما الذي أفعله، حتى قالت لي أمي نصيحة إحدى قريباتي بأن أضع له مهدئًا في الطعام كي أستريح قليلاً، وفعلت ذلك، ولكن ذلك لم يحل أي شيء سوى بشكل مؤقت”.
كان أمام “م” طريقان، إما أن تخبر زوجها بالأمر كي تجد حلاً معه أو تلجأ لاستشارة طبيب: “الحقيقة لم أجرؤ أبدًا أن أخبر زوجي، لخجلي وماذا سيقول عني إذا صارحته بمعاناتي، وماذا سيكون شكلي أمامه؟! وحتى اللجوء لطبيبة كان أمرًا مُربِكًا بالنسبة لي، فأنا لا أعرفها، والحديث عن الأمر بالنسبة لي من رابع المستحيلات، فأنا فقط كنت أستمع لأمي لأنها أمي. أعرف أن هذا خطأ أسميه خجلاً أو خوفًا أو جهلاً، لكنني فعلاً لم أستطع”.
الحل السحري بحسب “م” جاء وحده، عندما زارتها إحدى قريباتها وهي طبيبة أمراض نساء: “أمي فتحت الموضوع أمامها، فأخبرتها بالأمر، فشرحت لي أن هناك أوضاعًا مختلفة للعلاقة، وأن هناك أوضاعًا مناسبة لي ولزوجي، وفعلاً بشكل لطيف أخبرت زوجي بأنني أود تجربة شكل جديد في العلاقة من أجل التجديد.. فوافق”.
أمي وزوجي جعلاني أكره الجنس
رغم أن “ي. ح” في أواخر الأربعينيات، تحظى بحياة زوجية وأسرية مستقرة، يحسدها الأصدقاء والأقارب عليها، فإنها تؤكد أن تلك السعادة مجرد غلاف خارجي برَّاق جميل، يخفي وراءه حزنًا عميقًا ونفسًا مشوَّهة، بسبب التربية التي حظيت بها: “مشاجرات أبي وأمي كانت لا تنتهي، وفي أوقات فراغها كانت أمي لا تفعل شيئًا سوى أن تحكي لي عن مساوئ أبي وزلاته وشجاراتهما بسبب الجنس، فزرعت في وهي لا تدري الخوف من فكرة الزواج وكُره الجنس، وهذا جعلني أعاني في زواجي كثيرًا، فحتى الآن أمارس الجنس فقط حتى تسير مركب زواجنا”.
أزمة “ي” لم تتوقف عند ما فعلته أمها، بل ساهم فيها زوجها أيضًا، بتجاهله لها واعتبارها أداة لمتعته دون أن يفكر في رغباتها أو مشاعرها، كما تقول: “زوجي لا يفكر في إطلاقًا، يُقبِل عليَّ دون أي محاولة لاستمالتي، فقط إذا أراد أن نمارس العلاقة يجب أن أستجيب، دون اعتبار لكوني مريضة أو مرهقة أو مكتئبة، لدرجة أنني عندما أصبت بتهتك في الرحم رفض الذهاب معي لإجراء الجراحة ضيقًا مني، بل وأعلن تضرره عندما أخبرته أن الطبيب منعني من العلاقة الحميمة لثلاثة أسابيع”.
زوجي يطلب مني أمورًا أنتقد من يفعلنها وأراهن سيدات قليلات الحياء
“ل. ي” سيدة في أواخر الثلاثينيات، تعمل مدرسة، رغم الوقار والهيبة التي تبدو عليها، والقوة في نبرة صوتها، والتي تجعل أي شخص يرى أنه أمام امرأة قوية، فإن ذلك لم يمنع من وجود جرح غائر في قلبها، بحسب قولها: “كل اللي أقدر أقوله إن السبب في الجرح ده التقاليد والجهل”.
تحكي “ل” أنها تزوجت قبل 15 عامًا من زوج يعمل مدرسًا أيضًا، قررا أن يجتهدا حتى يحظى أبناؤهما الثلاثة بمستوى معيشي مرتفع: “كنت أعطي زوجي كل مرتبي، وبنينا بيتًا ونجحنا في تجهيزه، ثم اكتشفت مصادفة أنه متزوج من سيدة مطلقة دون مبرر، حتى أنها غير جميلة!”.
بالضغط على زوجها لتعرف السبب، أكد أنه تزوج لأنه لا يجد احتياجاته معها: “أخبرني ببساطة أنني جامدة في السرير، لا أهتم بالتجديد في العلاقة أو الدلع الذي يجعل علاقتنا فريش، وأنه أخبرني بالأمر مرارًا وتكرارًا، وأنني لا يجب أن أفعل العلاقة من أجل العلاقة ذاتها بل من أجل الاستمتاع بها”.
تصمت “ل” لفترة طويلة ثم تعاود الحديث: “لم أنكر كلامه؛ هو حقيقي جدًا، ولكني لا أعرف كيف أفعل ما يطلبه، ليس عجزًا، بل خوفًا، فأنا نشأت على أن دوري هو القيام بالعلاقة وفقط، وما يطلبه مني يدخل في بند العيب، كما كنت أسمع منذ صغري ممن حولي من الأقارب، بل أحيانًا كنت أنتقد السيدات اللاتي يفعلن ما يطلبه زوجي مني، وأراهن قليلات الحياء”.
تؤكد “ل” أنها الآن بعد فترة من الصدمة، بدأت تغير نفسها، ولكن الأمر شاق عليها جدًا: “صعب أن أغير معتقداتي بين يوم وليلة، ولكن أفعل ذلك تدريجيًا عن طريق القراءة العلمية، أولاً من أجل الحفاظ على البيت، ثانيًا لأنني شعرت في النهاية أنني ضحية المجتمع، فأنا التزمت بتقاليده وعاداته ولكنها كادت تدمر بيتي”.
..
تلك القصص هي نذر يسير مما تخفيه جملة “البيوت أسرار”، هي طرق أبواب تابوه لم يعد ممكنًا في القرن الواحد والعشرين اعتباره ممنوعًا، ومحاولة لحث النساء على الحديث عن مشكلاتها، وإيجاد حلول طبية مناسبة في حال كان الأمر فسيولوجيًا، وألا يخجلن من اللجوء لاستشاري علاقات زوجية في حال كان الأمر نفسيًا، والهدف الأكبر هو الحصول على علاقة حميمة صحية، وبالتالي زواج ناجح، وعدم الاكتفاء بالجملة الشهيرة أن “كل شيء تمام”.
You made some good points there. I did a search on the subject and found most persons will agree with your blog.