فرحان.. حزين.. عادي

861

 

بقلم/ مي عبده

امبارح كنت قاعدة بتفرج على برنامج “المتاهة” وكالعادة يمكن بتشد أنا لطريقة المذيعة وتوجيهها لأسئلتها وهدوئها الكامل بعد السؤال واستماعها الجيد جدًا للضيف.. حلقة اليوم زي الحلقة اللي فاتت، ولكن فيه جزء وقفت عنده، المذيعة سألت الضيفة إنتي مبسوطة؟
فالضيفة ردت بعد ثواني وقالت آه دلوقتي آه.. عارفة لو كنتي سألتيني من سنتين كنت قولتلك لأ.. كنت قولتلك عادي.. مش فارقة.
وكملت إنها أعطت نفسها وقت عشان تقدر تقوم بنفسها وتدوّر على الحاجات اللي بتسعدها، وإنها خصصت سنة بأكملها دون عمل بس كان من وجهة نظري فيها أشقى عمل، هو “رحلة البحث عن الذات”.

 

رحلة البحث عن نفسك اللي بتضيع من النضج والعمل والانشغال بكل حاجة في الدنيا.. بنتحول بالتدريج ولكن النتيجة بالنسبة لينا بتكون بصورة مُفاجئة.

 

“هو أنا كبرت امتى؟”.
اتضح كده إن مش أنا بس اللي كبرت بدري بدري، لأ ده معظم جيل التسعينات اعتقد إننا بنمر بالمرحلة دي.. فضلت أفكر مدة ليه إحنا الشباب بقى كلنا في شكل شباب ولكن داخلنا كهول!
يمكن عشان موّتنا طفولتنا بدري يوم لما قالولنا إن الكبار ليهم مطلق الحرية يعملوا اللي همّ عاوزينه!

كلنا سمعنا الجملة دي “لما تكبر اعمل اللي إنت عاوزه”.. مش شرط كان وقتها بتتقال اعتراض مننا على حاجة أو فعل أو أمر.. لأ ممكن كمان تسمعها من باب الخوف.. إننا مصغرين.

الجملة دي خلتنا ندور على كل الأسلحة اللي نقدر نقتل بيها طفولتنا.

كام واحد فينا راح عمل حاجة من ورا أهله، مش عشان همّ رفضوا أو عشان هو إزاي فكر في كده ده كان تفكيره إن بعد ما بيعمل حاجة مرفوضه يروح يقولهم شوفتوا؟ أنا عملت كذا؛ أنا كبير.. من هنا بدأنا.
ده مثال من ضمن حاجات كتير قادت التفكير إلى “أنا كبير”. ومرة واحدة صدقنا فكبرنا قبل الأوان، قبل الميعاد.. مش مشكلة كانت وقتها.. أو زي ما كنا حاسبينها، المشكلة إن عملية النضج زي ما فعلناها بدري مبقاش فيها رجوع.. فالطفل بقى شاب والشاب بقى راجل والرجل عجز!

عارف يعني إيه تلقى نفسك في العشرينات وحاسس إنك عجوز ضهرك انحنى ماشي بتتسند..
مع إن الصورة شباب.. رجعنا نسأل نفسنا هو إيه اللي جرا؟
إزاي بقينا كلنا هموم وزعل وحزن وبؤس حولنا؟
إزاي بقى طعم السعادة كأنه حتة شوكولاتة بينتهي أثرها لما تذوب في بقك؟
إزاي بقينا مش قادرين نحس بطعم الفرح؟ ده حتى الحاجات اللي بتفرحنا بقى طعمها ماسخ.. مبقاش فيها طعم!
إزاي شايلين كل هموم الدنيا ومفيش حاجة قادرة تأثر معانا؟ إزاي كل حاجة طعمها اتمحى؟ الفيلم اللي كنت ممكن تدخله في السينما وتفضل أسبوع بعديه مبسوط.. الفرح اللي كنت بتفضل شهر على أثره مبسوط!
هو إيه اللي حصل؟ دلوقتي كل حاجة بتنتهي أول ما تخلص.. خرجت مع صحابك ولو حظك حلو وانبسطت وضحكت فالضحك بيخلص مع حسابك على الفاتورة!

فعشان كده بقت إجابة السؤال عامل إيه: عادي الحمد لله .

انبسطت؟ عادي كانت حلوة.

كلمة “عادي” دخلناها ضمن قاموس المشاعر في وقتنا “فرحان – حزين – عادي”.

 

 

 

 

المقالة السابقةحديث إلى نفسي المفقودة
المقالة القادمةالحب يشفي
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا