عِش قبل أن تَموت

605

 

بقلم/ دعاء جمال

الكثير منا يهرم به العُمر دون جدوى، دون أن يجد في رصيده شيئًا حقيقيًا قد أقدم على فعله في حياته، تمر بنا السنوات وتمضي دون أن تترك ذلك الأثر الذي من المفترض أن تتركه، حيث تتشابه الأشخاص من رجال ونساء، فلم نجد إلا نفس الحياة بظروفها تتكرر مع اختلاف الأسماء والأماكن، إلا من رحم ربي.

 

تأخذنا الحياة في طياتها وتجعلنا نستسلم لها، ما بين سنوات الدراسة ومشاغلها التي لا تنتهي أبدًا ما دمت فيها، بدءًا من العمل وحتى الزواج ومسؤولياته وتربية الأبناء، ثم نقول لعل أولادنا يكونوا أفضل منا ويستطيعوا أن يحققوا ما لم نستطع. وتبدأ من جديد حياة الأبناء في سطور مشابهة لآبائهم مرة أخرى، وكأن الحياة تسخر منا.

 

ألم تشعر يومًا حين سألت نفسك ماذا فعلت في حياتي، بالخزي؟ بأن حياتك قد مضت بلا أي موقف حقيقي تشعر بالسعادة وأنت تتذكره أو تحتاج إلى أن تحكيه لأبنائك وأحفادك؟ لا أتحدث هنا عن إنجازاتك في العمل والحصول على ترقية أو التمتع بزواج ناجح وأبناء رائعين، هي بالطبع أشياء هامة وكلنا نحلُم باقتنائها، وهنئيًا لك إذا توافرت لديك أو استطعت أن تحققها، ولكن ما أود ذكره هو مواقف حقيقية ممتعة تلك التي تجعلك تشعر بأنك على قيد الحياة، هل عِشت قبل أن تموت؟

 

قُل لي ما هي ذكرياتك؟ هل كنت شخصًا يدرس ويتعلم فقط؟ أم أنك كنت من هؤلاء الذين وجدوا لحياتهم معنى للعيش، هؤلاء الذين لم يضيعوا فرصة إلا وقد أمضوها بجنون. هل تذكر حين كنت صغيرًا تلعب مع أصدقائك وتلهو، وتلك الأيام التي تحمل الكثير من الضحك، حين قضيتم تلك الرحلة المدرسية في سعادة ومرح، وحين فزتم بالمسابقة واحتفلتم طوال الليل معًا؟ أم تذكر حين قمتم بذلك المقلب في صديقكم وكاد أن يموت رعبًا، أو حتى أيام الشباب والجامعة التي كانت بمثابة بداية الانفتاح على العالم. وماذا عن بداية عملك وتكوين صداقات جديدة؟ هل كنت دومًا ذلك الشخص الذي يبعث روح الدعابة والمرح بين الناس، أم أنك كنت مجرد الشخص الذي يذهب ليعمل ثم يمضي بسلام؟

 

كم تمنيت أن تكون من هؤلاء الذين دائمًا لديهم الكثير ليفعلوه! فمن منا لا يتمنى أن يسافر بعيدًا مستكشفًا العالم من حوله الذي لا يعرف عنه سوى في الكتب والروايات؟ فماذا إذا عِشت مغامرة مع أصدقائك بالتنزه في أماكن جديدة لا تعرفها، والسهر معًا حتى الفجر أو حتى يغلبكم النوم في السيارة، أو أن تتسلق الجبال وتخيم في الكامب، أو أن تصارع الأمواج وأنت تقضي عدة أيام على متن ذلك القارب فى عرض المحيط، أو أن تقفز بالباراشوت أو من شلال كبير، أو أن تتعلم ركوب الخيل، أو أن تتعلم شيئًا جديدًا ممتعًا كالموسيقى أو العزف على إحدى آلاتها، أو أن تجن وترقص لساعات ولا تشعر بمضي الوقت، أو أن تسهر على سطح المنزل مع أقاربك أو أصدقائك تحدقون في السماء وتحاولون عد النجوم وتعلو ضحكاتكم سكون الليل، أو حتى أن تتأنق وترتدى أفضل حلة/ فستان لديك وتذهب لحضور حفل موسيقى وكأنك أنت العازف، أو أن تتحدى لاعبًا محترفًا وأنت لا تعرف قواعد اللعبة، وبالطبع أن تأخذ العديد من الصور التي تكون شاهدًا لك على أنك قد عِشت كما تمنيت أو حتى حظيت بجزء مما تحلُم به؟

 

هل ابتسمت وأنت تقرأ تلك الكلمات؟ هل وجدت عندك بعضها أو أفضل منها، أم أنك قُلت في نفسك ما هذا الجنون؟ أنا لديّ الكثير لأفعله وليس عندي وقت لهذه المراهقة، عذرًا يا عزيزي/ عزيزتي، فإن لم تجد أشياء مجنونة تفعلها وأنت شاب فلن تجد ما تضحك عليه عندما تتقدم في العُمر. ولهذا عليك أن تعيش الحياة وأن تغتنم كل فرصة لكي تحيا بها في سعادة ومرح قبل أن تهرم وتندم على ما لم تعِشه، عليك أن تَعيش قبل أن تموت.

 

 

 

المقالة السابقةالحكايات ما بين الكلمات المسطورة ومشاهد السينما
المقالة القادمةغزة – القاهرة 5: لسه جوة العتمة ضي
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا