الحكايات ما بين الكلمات المسطورة ومشاهد السينما

494

دائمًا ما نقع في معضلة هل الرواية أجمل أم الفيلم السينمائي المأخوذ عنها؟ ومن هذه المعضلة تنبثق عدة أسئلة أهمها: هل استطاع الفيلم تقديم الرواية بشكل جيد لا ينتقص منها أم العكس؟ هل أضاف إليها رؤية جديدة؟ والسؤال الأخير والأهم: هل نجح الفيلم في إرضاء قارئ الرواية؟

 

السؤال الأول أستطيع أن أجيب عليه بضميرٍ مرتاح وأقول إنه على الدوام كان النص الروائي أجمل من الفيلم المأخوذ عنه، هذه قاعدة أساسية يعرفها كل قارئ، وكأي قاعدة هناك بعض الاستثناءات القليلة جدًا استطاع فيها الفيلم أن يبهر القراء ويتفوق على خيالاتهم. فحينما يمسك القارئ الرواية بين يديه يبدأ خياله بتحويلها لفيلم يختار هو أبطاله، مواقع تصويره، ورؤيته الخاصة للأحداث، بمعنى آخر يكون القارئ هو صانع فيلمه الخاص، فلا يسهل عليه القبول برؤية صانع آخر غيره يحجم خيالاته، فتظل الرواية هي الأقرب لروحه دائمًا.

 

رغم ما سبق أرى أنه من الإنصاف أن أقول إن تحويل الروايات لأفلام سينمائية ساهم كثيرًا في رواجها وتقديمها لجمهور واسع متعدد الأطياف بعد أن كان جمهورها يقتصر على معشر القراء فحسب.

 

من بين عشرات الروايات التي قرأتها، هناك عدد كبير منها تم تحويله لأفلام سينمائية، بعضها أرضى خيالي، والبعض الآخر لم يفعل. في هذا المقال أعرض لكم مجموعة منها سيكون من الرائع لو استطعتم اقتناءها من خلال معرض القاهرة الدولي للكتاب المنعقد حاليًا.

 

1- Breakfast at Tiffany’s – إفطار عند تيفاني

رواية قصيرة “نوفيلا” للكاتب الأمريكي “ترومان كابوتي” صدرت عام 1958م، تدور أحداث الرواية حول الفتاة الجميلة “هولي جولايتلي” التي تعيش في مدينة نيويورك حيث تبحث عن الشهرة والثراء وفي سبيل ذلك تسعى لمرافقة أثرياء المدينة الذين يغدقون عليها الأموال والهدايا، تتعرض أيضًا الرواية لعلاقتها بجارها الكاتب الشاب “بول فارجك” التي كانت مزيجًا من الصداقة والارتياح الذي تحول لحب من طرف “بول”.

الرواية التي جاءت في مائة صفحة تم تحويلها لفيلم سينمائي مدته ساعتين عام 1961م من إخراج “بليك إدواردز”، وبطولة الجميلة “أودري هيبورن” التي أبدعت في تجسيد الدور حد تحوله لأيقونة سينمائية. أضاف الفيلم للرواية الكثير حيث أعطى مساحة لإبراز الشخصيات الأخرى التي همشتها الرواية، تحديدًا شخصية الجار الشاب. لم يغير الفيلم في أحداث الرواية باستثناء النهاية، فنهاية الفيلم مختلفة تمامًا، حيث جاءت النهاية رومانسية وسعيدة على عكس الرواية.

 

2- Perfume: The Story of a Murderer – العطر: قصة قاتل

رواية للكاتب الألماني “باتريك زوسكيند” صدرت بالألمانية عام 1985م، وتُرجمت لما يقارب 45 لغة. تحكي الرواية حياة الشخصية غريبة الأطوار “جان باتيست جرونوي” الذي يمتلك حاسة شم إعجازية تمكنه من التقاط رائحة كل شيء حرفيًا، باستثناء رائحة جسده، لأنه لا يملك واحدة في مفارقةٍ غريبة للغاية. يقرر “جرونوي” الذي لديه موهبة عالية في صناعة العطور أن يصنع العطر المثالي، وذلك من خلال قتل عدة فتيات جميلات ثم البدء باستخلاص رائحة أجسادهن.

الرواية التي جاءت في ما يقارب 300 صفحة تم تجسيدها سينمائيًا في فيلم مدته ساعتين ونصف عام 2006م، من إخراج “توم تايكور”، وبطولة “بين ويشو” الذي أتقن أداء شخصية ” جرونوي” حد الإبهار. الفيلم واحد من أفلام قلائل أرضت خيالي كقارئة، حيث أضافت الصورة للرواية أبعادًا تخيلية أخرى، خصوصًا ونحن نتحدث عن رواية حاسة الشم حاضرة فيها بقوة. تضافرت عناصر الفيلم من إخراج، تصوير، تمثيل، وموسيقى في خلق فيلم مبهر أراه -من وجهة نظري- تفوق على الرواية الأصلية.

 

3- Veronika Decides to Die – فيرونيكا تقرر أن تموت

رواية للكاتب البرازيلي “باولو كويلو” صدرت عام 1998م، وقد استوحى “كويلو” الرواية من تجربته الشخصية في مستشفيات الأمراض العقلية التي سبق ودخلها أكثر من مرة.

تحكي الرواية عن الفتاة “فيرونيكا” التي كانت تمتلك كل ما يجعلها مقبلة على الحياة. الجمال، الجاذبية، الحب، العائلة، الوظيفة المناسبة. وكلها أمور لم تفلح في سد الثقب الذي يتسع داخلها ويوشك على التهام روحها، ما دفعها للانتحار بتناول كمية كبيرة من الأدوية التي لم تفلح في إرسالها للموت، وإنما استيقظت لتجد نفسها في مستشفى للأمراض العقلية بعد نجاةٍ مؤقتة ليس إلا، إذ أخبرها الأطباء أن أمامها بضعة أيامٍ فقط وتودع الحياة. تلك الأيام التي كانت كافية لتعيد “فيرونيكا” خلالها التفكير في الحياة والموت، لتتحول إلى فتاة مقبلة على الحياة بشد عكس ما كانت.

الرواية التي جاءت في 250 صفحة، تم تجسيدها سينمائيًا في فيلم مدته ساعة وأربعين دقيقة عام 2009م، من إخراج “إايميلي يونج”، وبطولة “سارة ميشيل جاليري”. جاء الفيلم ليؤكد قاعدة أن الروايات أجمل، خصوصًا أنه أهمل كل شخصيات الرواية واكتفى بإبراز شخصية “فيرونيكا” فقط، كما أظهر أن وقوعها في الحب كان السبب في إقبالها على الحياة، بينما الرواية جعلت نقطة التحول في حياة “فيرونيكا” اكتشافها لنفسها ورغباتها وكسرها لمخاوفها، فكان الحب نتيجة ليس إلا.

 

4- ثرثرة فوق النيل

رائعة الأديب المصري العالمي “نجيب محفوظ”، رواية صدرت عام 1966م. تدور معظم أحداث الرواية التي يغلب عليها الطابع الفلسفي في عوّامة نيلية يجتمع فيها مجموعة من الأصدقاء التي لا يوجد بينهم رابط مشترك سوى إدمان شرب الحشيش، وأثناء جلساتهم اليومية تأتي أحاديث عن الحب، الحياة، الفن، السياسة، ممزوجة بسكرات الحشيش.

الرواية التي جاءت في مائتي صفحة تقريبًا تم تحويلها لفيلم سينمائي عام 1967م من إخراج “حسين كمال” وبطولة نخبة من الفنانين منهم “عماد حمدي”، “أحمد رمزي”، “عادل أدهم”، و”ماجدة الخطيب” أبدع كل منهم في تجسيد شخصيته. من الظلم مقارنة الفيلم بالرواية لأن قلم “نجيب محفوظ” له دائمًا الغلبة، مع هذا لا يمكن إنكار أن “حسين كمال” قدم فيلمًا رائعًا استطاع أن يشرك المشاهد العادي في بعض الأحاديث الفلسفية التي يهرب منها عادةً.

 

5- الحرام

رواية للأديب المصري “يوسف إدريس” صدرت عام 1959م تتعرض لمشكلة الظلم الاجتماعي من خلال عرض حياة “عمال التراحيل” الفئة الكادحة المهمشة في المجتمع القروي المصري في ذلك الوقت، مع التركيز على حياة “عزيزة” بطلة الرواية التي اقترفت فعل “الحرام” فأنجبت دون زواج، فأدانها أهل القرية/ المجتمع في حين سكتوا عن الحرام الأكبر وهو الفقر والعوز والحاجة.

الرواية التي جاءت في 150 صفحة تم تحويلها لفيلم سينمائي عام 1965م من إخراج العظيم “هنري بركات”، وبطولة العظيمة “فاتن حمامة” في واحد من أقوى وأروع أدوارها. ترشح الفيلم لنيل جائزة السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي، وتم تصنيفه في المركز الخامس ضمن أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية، مع ذلك يظل للرواية رونقها الخاص بأسلوب “يوسف إدريس” الساحر الراقي الذي لا يُمل.

 

6- لا أنام

رواية للأديب المصري “إحسان عبد القدوس” صدرت عام 1957م تدور أحداثها حول الفتاة “نادية لطفي” التي تتمزق ما بين حبها للأذى وضميرها الذي لا يرحمها بعد ارتكابه. نادية الفتاة الجميلة الفاتنة التي لا تدل ملامحها على حجم السواد الذي تغرق فيه ويدفعها للشر على الدوام، فتفرق بين الأحبة وتحطم القلوب.

الرواية التي جاءت في ما يقارب 500 صفحة تم تحويلها لفيلم سينمائي في نفس عام صدورها من إخراج “صلاح أبو سيف” وبطولة الرائعة “فاتن حمامة” التي كان قبولها بهذا الدور مغامرة حقيقية كونها خرجت فيه من عباءة الأدوار الملائكية بتجسيدها لشخصية “نادية لطفي” الشريرة. الفيلم الذي يُعد واحد من أول عشرة أفلام مصرية ملونة لم يبهر المشاهدين بألوانه فحسب، وإنما بكونه كان أكبر تجمع لفناني ذلك العصر البارزين، فإلى جانب “فاتن حمامة” كان هناك “يحيى شاهين، “عمر الشريف”، “عماد حمدي”، “رشدي أباظة”، “مريم فخر الدين”، و”هند رستم”. الفيلم اختصر عددًا من أحداث الرواية وكان تركيزه على تعلق نادية المرضي بوالدها الذي يدفعها للتدخل في حياته بشكل سافر. نهاية الفيلم جاءت مختلفة عن نهاية الرواية، ففي نهاية الفيلم نالت نادية عقابها كاملاً على أفعالها الشريرة على عكس الرواية التي عاقبتها بعذاب الضمير وعدم النوم فقط.

 

إلى هنا ينتهي الحديث عن الروايات والأفلام، القائمة صغيرة لكنها متنوعة والأهم أنها بالفعل رائعة، اقرؤوا الروايات ثم شاهدوا الأفلام فبذلك تتضاعف المتعة ويزيد السحر.

 

المقالة السابقةحاجتين لازم تفكري فيهم قبل ما توافقي علي عريس
المقالة القادمةعِش قبل أن تَموت
كاتبات

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا