بقلم/ فردوس عيسى
أول بداية ولا نهاية لها هي أمي، فهي أول لمسة وأول ضحكة، أول صرخة وأول دمعة، هي معي. هي لي. وأنا منها، هي طريقي للعالم وأولى خطواتي له، هي زحمة الحب في القلب هي… وهي… وهي.. هي أمي، إذًا هي كل شيء.
من ثم أبي، من رحل في المنتصف وتركني، عاهدته أن أنشر اسمه مع كل حرف ينشر لي، فهو ورحيله المفاجئ شرخ الذاكرة الذي لن يطيب.
الطفولة ما أروعها! وما أحزنني على بعدها! هي بدايات اللا بداية، فنحن لا نتعلم كيف نلعب، نكبر فنلعب دون دروس، دون خبرة، دون قائد، دون قانون. نجتمع مع الصغار ونلعب دون أن ندرك، نضع الحدود والمفاهيم، نتقاتل أحيانًا ولكننا لا نتوقف عن اللعب.
الكبر وما أسوئه! بداية اللجام والحساب، بداية أن يكتب عتيد علينا يا الله، ترى ماذا كان يفعل عتيد من قبل؟ أكان يلعب مثلنا أم كان يكتب لغيرنا؟ سبحان خلقك وحكمك!
كتب عتيد أول غلطة، أول تقصير، وأول لوحة سيئات.
الشباب وإغراؤه، التفاؤل، الحياة، والتعليم، مراحل أنا، ومن أنا؟! أنا الصغير الذي لا يعلم عن هذه الحياة سوى ذاك الوجه الأليف لي صاحب، الأجسام الطويلة والأحضان الحنونة فهي أمي وأبي. أبي الأطول من أمي.
تغيرت أحوالي وكبرت وأصبحت طولهما، إن لم أكن أطول، وأصبحت أتمرد وأتذمر. كبرت دون أن أعي أني دفين السطور، وأني أملك التراقص مع الكلمات على ألحان الحروف، فاجأتني النفس التي بين أضلعي، وفاجأت كل من حولي، هل حقًا يمكن أن نبدع بعد العشرين.. أن نكتشف مهارة.. أن تظهر موهبة، أم كان كل ما مضى هو مخزون للصفحات البيضاء ليخطها قلمي فيلوثها حبري وأكتب؟!
اكتشفت بعد أزمان أني أستطيع أن أكتب، فاجأت المقربين وأسرت البعداء وأيقنت نفسي أني إن كنت قد كتبت بعد كل تلك الأعوام، فما الغريب إن توقفت فجأة كما كتبت فجأة؟ فمات غروري العجيب وانكمش داخلي وتوقف عقلي عند هذه الكلمات.
صحيح البدايات جميلة، لكن النهايات السعيدة تصبح أجمل.
هدأ روعي أخيرًا ومات غروري، وفزت في الحرب المعلنة مني ضدي. صمد القلم وأنتج وشق البياض بقوة وربح، فتوَّج جمال الأبيض جمالاً بلونه وحبره وتناغم أحرفه وتراقص كلاماته ومثنيات جمله. أبدعت أخيرًا وكتبت مقالي الأول دون غرور، دون مراجعة، دون نظر. فقط بالبدايات بدأت وبها أنتهي.
يوم مات غروري العجيب