بقلم: نرمين أبو السعود
غنت إيمي واينهاوس، في أواخر عام 2006، أغنية من أشهر أغنيها اسمها “You Know I’m No Good”، واختارت أن تكون هذه الأغنية هي الـsingle، التي سيتم استخدامها كبداية للدعاية الخاصة بألبومها Back to Black، والذي صدر مع بداية عام 2007.
وعندما صدرت الأغنية نجحت فى تصدر قوائم الأغاني الأكثر استماعا حتى إنه تم استخدامها كدعاية للبرنامج التليفزيوني الشهير “Mad Men”، وأيضا برنامج “Secret dairy of a call girl”.
وفي نفس العام كان لإيمى حفل في لندن، من ضمن الجولة الدعائية للألبوم الجديد، إيمي ظهرت على المسرح بفستان قصير جدا، تظهر من خلاله بوضوح جميع التاتوهات الموشومة على جسدها، ومع أصوات موسيقى الـJazz ترفع إيمي كأس الويسكي من على الأرض “رشفة صغيرة” ثم تبدأ في الغناء، أو بمعنى أصح جلسة الاعتراف، فالأغنية التي كتبتها المغنية الشهيرة ليست إلا اعتراف منها بأنها شخصية سيئة.. سيئة للغاية، فهي خائنة وتعترف.. وتذكر تفاصيل خيانتها مع آخرين وإحساسها بالذنب عما فعلته أحيانا.. وأحيانا أخرى تنبهه أنها ذكرت له من قبل طباعها السيئة!
وفي مقطع آخر تقول بمنتهى الوضوح إن وقع الخيانة مؤلم جدا في نفسها لدرجة كونها تشعر بأنها تخون نفسها! ومع ذلك هي لا تنتهي عما تفعله!
دائرة مفرغة من الحب والخيانة وعدم الثقة.. يحبها وتحبه.. يريدها له وحده وهي تريده وتريد آخرين معه، وهنا يثار السؤال الوجودي، هل الحب وحده يكفي كي يطهرك ؟ كي يغير من طباعك السيئة ويخلق منك شخصا آخر من أجل من تحب؟
على منوال مختلف قليلا تأتي ساتين امرأة البغاء اللعوب في فيلم “Moulin Rouge”، ساتين ليست مصممة للحب من الأساس، هي امرأة جميلة جدا ولعوب تعرف كيف تغوي الرجل حتى يهوى عند قدميها، مقبلا إياها طالبا رضاها.. هى تسعى كي تصبح نجمة استعراضية حبها الأول والأخير هو الماس.
وكلما حاول كريستيان، الذي أغرم بها منذ اللحظة الأولى، الاقتراب منها أبعدته عنها.. لا لشيء سوى أنه فقير ومعدم، لكنه أصر على هذه العلاقة وتمسك بهذا الحب، لأنه يرى أشياءً لا نراها نحن في محبوبته.
ولكن ما نراه بالفعل فى باقي أحداث الفيلم أن ساتين، حينما وقعت فى حب الشاعر البوهيمي كريستيان تتغير فعلا.. فرغم كل شيء لم تستطع هي -المتقنة في فن الإغواء والإثارة للرجال- أن تخونه رغم أن الأمر كان فيه “مصلحة”، كما يقول البعض، لهما الاثنين معا.
ربما تكون ساتين أرادت أن تخون من أجل كرستيان، أو من أجل نفسها، إذا قيست الأمور على صعيد مختلف.. لا يهم الأمر حقا، ففي النهاية هي لم تقبل مجرد لمسة من رجل آخر غير محبوبها، هي التي لم تعرف من قبل كريستيان، سوى حب نفسها والمال والماس، عجيب الأمر وغير مفهوم إلى حد ما.. أليس كذلك؟!
والأكثر عجبا هنا هو أن تتقابل البطلتان في النهاية، دعنا نرى كيف انتهى الأمر بهما.. فـإيمي فتاتنا الأولى لا يمكنك مثلا أن تنكر ولو للحظة أنها لم تحب.. على العكس.. فالأغنية في حد ذاتها تجربة مؤلمة بحق، هي مصابة بداء الخيانة، ولكنها تحب فتاها حقا ولا ترى سواه، ولكن.. وضع 100 خط أحمر تحت لكن.. هي لا تعرف كيف تكون له وحده!
ولعل أكثر ما يجذبني لهذه الأغنية بالذات، فكرة الاعتراف المركّب.. خائنة ونادمة ومع ذلك لا تنتهي عما تفعله رغم أثره السيئ في نفسها الذي يدفعها لتكرار نفس المقطع أكثر من مرة في الأغنية لتأكد لك المعنى.
I cheated myself Like I knew I would.. I told you, I was trouble You know that I’m no good
إيمي تدفع حبيبها في النهاية لقتلها بدم بارد، وساتين أيضا لسخرية القدر تموت.. ولكن لا تموت على يد حبيبها كريستيان، إنما هي مريضة وتحتضر.. فيكون المشهد الأكثر حزنا في النهاية هو موتها بين ذراعي البوهيمي المسكين.
ويحدث هذا ربما لأن العالم ليس مستعدا بعد للمزيد من المثالية، للمزيد من الاعتراف بالخطأ والشروع في التوبة.. للمزيد من إدراكنا لعيوبنا وسيئاتنا ومحاولة إصلاح أنفسنا كي نصبح أفضل، لا أعرف حقا.. ولكني على نفس المستوى لا أكره بطلتي.
الأولى يكفيها شرف الاعتراف بالخطأ وشعورها القاتل بأنها تخون نفسها.. والثانية تغيرت بالكامل لتصبح ملاكا ورمزا للحب من أجل الوحيد الذي عشقها بصدق وآمن بطهرها ونقاء روحها، رغم كونها في نظر الجميع عاهرة لا أكثر ولا أقل.
في النهاية، وكما قال مريد البرغوثى: ” قد يخنقك المجرم بشال من الحرير، وقد يهشم رأسك بفأس من الحديد.. وسيضمن مصرعك في الحالتين”، إنها ثنائية الحب والموت بالبدايات والنهايات نفسها حتى وإن اختلفت في الحشايا.