عندما توقفت قليلاً مع نفسي في محاولة لتعريف الحب، وجدت الصمت يعَم أرجاء عقلي وقلبي، ومن ثم توجهت لصديقاتي لأسئلهن: ما هو الحب عزيزاتي؟ توقفن أيضًا ليخبرنني واحدة تلو الأخرى عن التضحية والمشاركة والتفاهم وخلافه، عن المسؤولية والالتزام وخلافه، لكنهن جميعًا لم يقدمن لي تعريفًا شافيًا يريح قلبي: ما هو الحب؟
عرف أنيس منصور الحب الحقيقي أنه كالاشباح: كثيرون يتكلمون عنه، وقليلون منهم رأوه. وكانت تلك العبارة شافية وغامضة لدرجة جعلتني أرى أن الحب لا يمكن تعريفه. فالحب مراحل، تتأرجح ما بين النضج والفتور والرعونة. فحب المراهقين يختلف عن حب حديثي الزواج، يختلف عن الحب بعد الطفل الأول ثم الثاني والثالث… وهكذا.
عشت مراحل حب مختلفة وتمتعت بقصة حب مكتملة: ولا زلت أتوقف عند تعريف الحب. هل الحب وحده أساس تنجح معه العلاقات وتفشل، أم يضفي الحب مذاقًا خاصًا على أي علاقة ليجعلها مؤنسة ومختلفة؟ الحب يخلق لك خيالات حالمة تجعلك تتقبل الواقع وترضى عنه، وإذا ما فاجأك عالمك الواقعي بنسب مختلفة عما رسمته في خيالك، يجعلك الحب تتقبله برضاء نفسي تام لتشعر أنك قد ملكت العالم بأسره أو فلنقل أكثر بكثير.
أما عن تعريف للحب فأجده من رابع المستحيلات، ذلك ببساطة أن الحب يرتبط بقلوب الآخرين، وكل منا يحمل قلبًا مختلفًا، بعضنَا قد ينعشه نظرة، بعضنا قد يكفيه لقاء، وكثير من يرضيه حديث دون نهاية، وقليل يسعى لعلاقة كاملة يتوجها الزواج، لينتقل الحب من عرش الأحلام والأمنيات ليرتطم بصخور الحياة. فيتحول بعض المحبين لشخوص أخرى تجهل بعضها بعضًا، ليتساءلوا: هل ما عشناه كان حقيقة أم ضلالاً؟
أرى أنهم يجهلون أن الحب بعد الزواج ينتقل لأسمى معاني الحياة، المودة والرحمة، والتي أراها أعمق معاني الحب وأكثرها إرضاءً لنفسي. ففي القرب من الزوج يشعر المحبوب بيدين خفيتين تحتضنا قلبه وعقله وطموحه واحتياجاته احتضانًا معنويًا قبل أن يكون ماديًا. ولكن هل ذلك الاحتواء بالأمر اليسير؟ هل يستمر هذا الاحتواء في كل أيام العمر وبنفس الدرجة؟ هل إذا ما فترت المشاعر وعصفت بها هموم الحياة لن تعود كالسابق؟ بالطبع لا!
هنا أجد أن المسؤول عن إنعاش الحب وتجديده كلا الطرفين ويقينهما أن بقائهما معًا هو غاية الأمل وأن سعادتهما المثلى هي أن يكونا معًا حتى النهاية، فالموج مهما تلاطم على شاطئ حبهما سوف يتلاشى أمام إيمانهما بأن الحب الذي جمع قلبيهما عليه أن يتنصر، فالحب يضفي على قلوبنا وهجهًا لا ندري مصدره يخفت أحيانًا في بعض مراحل العمر، لكنه لا يختفي ليعود للتوهج في أحيان أخرى بأيدينا وقلوبنا أيضًا.
لأن من تذوق الحب لا يستطيع العيش بدونه أبدًا.
ما هو الحب؟
