بقلم/ شروق عبد النعيم
كانت مُقتنعة به بطريقة مبالغ فيها، ولم تُحب أحدًا غيره، ورغم أنها كانت طوال الوقت نصب عينيه لكنه لم يلتفت إليها أبدًا.. كان يعاملها فقط كصديقة مقربة، وكانت تشكو طوال الوقت من إهماله لها، بينما نحن صديقاتها نحاول إقناعها بأن تقلع عن التفكير فيه وأن تستسلم للأمر الواقع.
وفي الحقيقة كان ذلك أفضل له ولها، فهما لا يتناسبان بأي شكل من الأشكال، ولا نعلم حتى الآن ما سر حبها الكبير له.. فقد كانت شخصية رقيقة لا تفارقها ابتسامتها، كانت ودودة مع كل الناس، وذكاؤها الاجتماعي عالٍ للغاية، فهي تعرف جيدًا كيف تتعامل مع هذا وكيف تتحدث مع تلك.. كما أنها كانت ذات مستوى تعليمي عالٍ ومستقبلها يفوق مستقبله بآلاف الأميال، ليس فقط لكونها تعلمت تعليمًا أفضل منه، لكن لطموحها، فقد كانت دائمة التخطيط والتفكير، كانت لها أكثر من هواية وأكثر من هدف تسعى لتحقيقه وأكثر من شغف ينبض بداخلها.
بينما هو كان شخصًا عنيفًا جدًا يستعمل “دراعه قبل عقله”، كان شابًا جدعًا -كما اعتقدنا في البداية- لكنه كان شخصًا سليط اللسان إلى أقصى درجة ولا يُحسن وضع الحدود بينه وبين المُتحدث إليه.. كان متهورًا وطريقة تفكيره أشبه بمراهق يهوى اللف والدوران، رغم أن سنه كانت قد تجاوزت مرحلة المراهقة.
الغريب في الأمر أنها كانت معترفة بكل تلك العيوب، بل وكانت على دراية أن هناك فرقًا لا يُستهان به في طريقة تربيته وتربيتها وفي أسرة كل منهما.. وهنا لا أتحدث فقط عن الجانب المادي بل الجانب الاجتماعي والذي هو أكثر أهمية.
كانت مدركة لكل ذلك، لكنها لم تكن تتوقف عن حبه مهما تحدثنا إليها ومهما ظلمها وتجاهل وجودها، فقد كانت دائمة الإيمان أنه سيلتفت لها يومًا ما، وقد كانت تدافع عن نفسها بقولها إنها لا تستطيع التوقف عن حبه، فمثل تلك الأشياء يخلقها الله في قلوبنا ولا دخل لنا فيها.. فكنا نلتزم الصمت لأننا نعلم أنها مُحقة وأن الأمر ليس بهذه السهولة التي نتحدث بها.
مرت السنوات لكن لم يستمر ارتباطه بإحداهن أبدًا، وكانت هي قد وصلت إلى مرحلة من اليقين التام أن هذا الشخص لن يكون لها أبدًا، وبدأت تتأقلم على هذا الوضع، لاحظنا عليها ذلك لكننا لم نكن ندري هل تُحاول أن توهم نفسها أم هي بالفعل فقدت الأمل وتأقلمت. وربما أنها هي أيضًا لم تكن تعلم إجابة هذا السؤال أبدًا.. لكنها كانت قد بدأت تبتعد عنه شيئًا فشيئًا، وكان هذا يُريحنا، وتخيلنا أن الأمر انتهى عند هذا الحد وكفاها عذابًا ودموعًا.. فهي من الأساس ليست مناسبة له ولا يستحقها.
لكن يشاء القدر أن يظهر في حياتها فجأة مرة أخرى.. يظهر بمظهر المُحب العاشق الذي يرغب في الارتباط بها.. كنا قد اعتقدنا أنها تعلمت الدرس جيدًا وأنها لن تصدقه، فهو لم يحبها يومًا، وإن كان ظهر في حياتها الآن فهذا لا يعني شيئًا سوى أنه رآها مناسبة لتحقيق رغباته في الارتباط؛ فتاة مثقفة، جميلة، من أسرة أكثر من جيدة، كما أنه كان متيقنًا من أنها تحبه.. فما الذي يجعلها غير مناسبة له؟! بل على العكس هي ستحقق له أهدافًا كثيرة.. مادية كانت أو اجتماعية، كنا على يقين أنه حسبها بالورقة والقلم وأنها الفتاة المناسبة فقط ليس أكثر.
لكن المفاجأة كانت أنها وافقت، بل أنها فرحت فرحًا لم نرَه في عينيها من قبل ولا من بعد، فقد كانت تعيش حينها أجمل أيام حياتها، لكن القدر لم يسمح بتلك المهذلة أن تستمر، وذلك –حقًا- من إنصافه، فهي تستحق أفضل من ذلك الشخص بكثير، فانتهى الأمر بشكل مأساوي ووجدناه يُعلن خطبته بعدها بشهر واحد على أخرى، تليق به أكثر من رفيقتنا تلك.
إعمال العقل مع العاطفة شيء لا بد منه، فالحب وحده لا يكفي، الحب وحده كان سيجعلها مرتبطة بشخص لم يدق قلبه من أجلها يومًا، ولا حتى لأخرى، لأنه كان دائم السعي وراء الارتباط بأي فتاة تقبل به، وهذا النوع من الرجال موجود، بل ومن النساء أيضًا.. التفكير على المدى البعيد وفي كل جوانب شريك الحياة ضرورة حتمية، فهناك أمور يمكن تقبلها كعيوب وأخرى لا تصلح.
ارتباطك بشخص يُحبك لشخصك مُهم، لأنك تستحق ذلك، فلا تختار شخصًا تحبه من طرف واحد، بل ولا يصلح لك من الأساس، فهي ليست “شطارة” أن تضحي بكل طموحك وأحلامك فقط من أجل الحب.. فالأجدر أن الحب يجعلك شخصية أفضل مما كنتِ عليه ويدفعك للنجاح، لا يقتل أحلامك بداخلك ويمضي، فقبل أن تخوض قصة عاطفية حاول أن تسأل نفسك “هل أنا الشخص المناسب فقط، أم أنا الشخص الذي يُحبه والمناسب في الوقت ذاته؟”.