بقلم/ سلمى شعبان
“حوش اللي وقع منك”.. عبارة نسمعها عندما يسقط شيء نحمله، أيًا كان هذا الشيء، لنعاود التقاطه من جديد ونكمل سيرنا.
لاحظت في الفترة الأخيرة الكثير من أصدقائي يتحدثون عن خسارتهم لأشخاص بعينهم، كانوا يمثلون في حياتهم معاني كثيرة جميلة، وقد فقدوهم بسبب اكتشافهم لحقيقتهم الزائفة، واندهشت بشدة؛ لماذا نشعر بصدمة هائلة عندما نرى الأمور على علاتها الحقيقية؟ ولماذا نظن دائمًا أننا نرى الصورة بشكلها المكتمل، وأن الحقيقة هي الحقيقة التي نراها نحن، وليست تلك التي لا نراها؟
وأقول لكل من رأى الحياة والأشخاص المحيطين به من الاتجاه المعاكس “اوعى تحوش اللي وقع منك” من أشخاص توسمت بهم الخير والحب والصداقة، بل دعهم حيث هم وامضِ حيث تشاء. فهؤلاء الناس أيًّا ما كانوا، سوف يسقطون من حياتك مهما استمر خداعهم لك، إذا كان بالضرورة خداعهم، وليس خداعك لنفسك وتوهمك.
فكل ما يسقط منك هو مكسب لك لا محالة، وليس بالضرورة خسارة تستحق الحزن الدفين. فالحياة ستستمر وستمضى بك الأقدار لتدفعك في مواجهة أشخاص آخرين، قد تثق بهم مجددًا وتتوقع منهم الخير، بل وترى بعضًا كبيرًا منه. ولكنهم قد يسقطون منك كمن سقطوا من قبل، فالحياة فصول ومراحل، وليس بالضرورة كل من خدعوك بظاهرهم البريء، هم أبطال حكايتك مدى الحياة، هم فقط ظهروا في أحد فصول روايتك، ليلقنوك درسًا ويمضون في طريقهم.
كل قصص الخيانة والخداع لها نفس البداية والنهاية، وكل حكايات الخذلان تبدأ وتنتهي بنفس الطريقة ذاتها دون تحريف. فإذا ما تجمع كل أصحاب قصص الخيانة والخذلان معًا لوجدتهم جميعًا يرون نفس القصة، مع اختلاف أسماء الشخصيات والأماكن والتوقيت. فلِمَ كل هذا العذاب من البداية؟ ولم لا يتعلم كل من يسمع تلك الحكايات؟
أجد الإجابة على هذا السؤال محددة وواضحة، وأساسها بادئ ذي بدء هو معادلة الأخذ دون عطاء، ظنًا من أحد الأطراف أن العطاء هو مفتاح السعادة والراحة، وأن العطاء مع انتظار الأخذ دون التلميح بالرغبة في ذلك دليل الشهامة والجدعنة، والذي حتمًا سيقابله الطرف الآخر بالعطاء غير المحدود كما فعلنا معه. ولكنه الخذلان من جديد! فكل علاقة تحتاج الأخذ والعطاء مهما بلغت درجتها في السمو ومهما ظن أطرافها أن المطالبة بالعطاء في مقابل الأخذ يقلل من قدر الحب والسعادة.
إن العلاقة الناجحة تقوم في أساسها على الأخذ والعطاء، فكلما بذلت من حب دون مقابل وعطاء بلا أخذ، كانت الصفعة أقوى مما تتخيل. فالأخذ لا يقلل من قيمة العطاء ولا الحب. فحتى الأم تنتظر الأخذ من أبنائها في الكبر، وتتألم إذا ما تركوها وحيدة بعد كل ما وهبته لهم. هي فطرة الله في خلقه مهما حاولنا إنكارها، ظنًا منا أن ذلك الإنكار وعدم الإفصاح سيكون أساسًا في رد ما بذلناه أضعافًا مضاعفة. لتأتي الصدمة من جديد.
ومن ناحية أخرى، نجد الكثيرين ممن يغرقون في بحر التوقعات المفرطة، فالكل محب ما دمت أنا محبًا، والكل سليم النية ما دمت أنا أفعل. والتجربة تؤكد أن النهاية تكون عكس كل التوقعات، والضربة القاصمة لا تأتي إلا ممن وثقنا بهم كل الثقة ليكونوا لنا درسًا جديدًا في مسلسل الخذلان والخداع.
ونقول من جديد: “اوعى تحوش اللي وقع منك”. فما وقع من البداية لم يكن معك. أنت فقط كنت تظنه كذلك. وإن كان كل من خذلوك فصولاً في رواية، لا تجعلهم بالضرورة بقعًا تلوث نقاء قلبك وحبك للآخرين، فليمضوا هم بمرهم ولتستمر أنت طيب القلب لين ولا تعبأ بما فعلوه.
فقط تعلم الدرس جيدًا واستذكره كي لا تقع في براثن العطاء بلا حدود من جديد.
التجربة تؤكد أن الأمر يكون عكس كل التوقعات