بقلم/ فيروز علي
تشير الإحصاءات أن المرأة تفتح وتغلق باب الثلاجة 30 مرة يوميًا، لذلك فمن المناسب جدًا وضع الكلمات المهمة والتذكيرات والصور الأقرب إلى القلب على باب الثلاجة. ولذلك أيضًا كان منطقيًا أن يكون باب الثلاجة المكان المناسب لوضع ذلك الملصق الذي ابتعته من “لمة نون” الحلوة: “هخرج من كل سباقات الحياة اللي بترهقني”.
نعم.. أنا مثقلة جدًا بالهموم والمسؤوليات والعلاقات الاجتماعية المفروضة وكل ما يسلسل يديَّ وكتفي أرضًا. نعم! أنا مرهقة، وأشعر أنني في سباق محموم مع الحياة، أمشي وأهرول فلا تناسبها تلك السرعة، فأركض وأعدو منقطعة الأنفاس. نعم! أسقط أرضًا وأتوازى معها، مع ذاك السطح الأفقي الممتد، فأستمد منها الاستقامة وأحاول جاهدة أن أضبط إيقاعات أنفاسي المقطوعة. فلا أصل ولا أستريح.
حينما استقبلتني فتيات “نون” المتطوعات، شابات صغيرات باسمات، بقِطع من البسكويت لم أنتبه للملاحظة المرفقة بالبسكويت، وغمرتني مشاعر يائسة أن العالم لن يرسل لي قطعة حلوى أخرى بجملة حظ. وظللت أكرر لحالي، لم تحتاجين بسكويتة حظ؟ أنتِ امرأة ناضجة. فلتكفي عن هذا الهراء. ولكنني حقًا كنت أريد واحدة أخرى. أريد حظًا آخر. أريد فرصة أخرى.
كنت أتابع الفيلم القصير المعروض وأنا لا أعرف أن وراءه كنزًا مفقودًا. أن وراءه مغامرة من نوع فريد ستحرك مشاعري لأفق بعيدة. لطالما شعرت دائمًا أن روحي بحاجة إلى مغامرة جديدة، أتوق إلى حماس شديد ودفعة أدرينالين تشتت خلايا دماغي الساكنة والمدمرة بفعل التوتر والقلق. وتم الإعلان عن الكنز المفقود (بقية الرسالة)، وعن الخريطة أو الدلائل التي سنتبعها لنصل إلى الكنز. تحمست حقًا كطفلة صغيرة في متجر الألعاب. تحمست وكلي أمل في الفوز. أود أن أحصل على ذلك الكنز باستماتة. أتمنى أن أفوز بشيء ولو لمرة واحدة في حياتي.
أنا لا أعلم ولا أجزم معرفتي عن شعور بقية المشاركات معي في ذاك اليوم. ولكنني أعلم جيدًا أن البحث عن الكنز كان أكثر ما لمسني تحديدًا. كنت أحلُ لغزًا وأكتشف شيئًا طُمِس بداخلي. كنت أتواصل مع السيدات بالإشارات وأجد شخصًا يستطيع التواصل بلا حروف وبلا كلمات. كنت أهرول حقًا تلك المرة، ولكن ليس لإنهاء يوم متعب آخر، ولكن أركض لأتنفس، أركض لأعيش. انطبع في ذاكرتي عن ذلك اليوم بالتحديد، هذا المشهد.
بعد انتهائنا من جمع كل الأدلة وحل كل الألغاز، أمسك في يدي كل الأوراق البيضاء والقلم، أنظر بعيدًا وأحمد الله أنني ورثت طول النظر عن أمي لأرى مبنى جميلاً، فأركض بكل قوة وأقفز فوق الأجمة الخضراء وأصرخ لكل فتيات فريقي أن الخطاب حتمًا هناك.. أركض وأركض، ويا إلهي! كم يبدو الركض هذه المرة ممتعًا! ندخل المبنى وأرى كلمة Auditorium وأخبرهم أن هذه الكلمة تشير للدليل الأول. تسبقنا قائدة الفريق وننقسم فريقًا يأخذ السلم وفريقًا يأخذ المصعد الكهربائي.
لم أحصل على الخطاب بنفسي للأسف. لم أشعر بنشوة لمسه بين يدي. ولكنني حينما عدت وجلست على البين باج وأنفاسي متلاحقة بشدة.. أنفاس لاهثة ساخنة طازجة من أثر العدو، وما زال قلبي ينبض بشدة وما زال جسدي لم يرتخِ بأكمله، رأيت إحدى فتيات “نون” المتطوعات وهي تسير ببعض قطع بسكويت الحظ، فأشرت لها بلهفة أنني أريد واحدة. وأفضيت عن مكنون ورقة الحظ خاصتي التي أخبرتني بحكمة أن: “علاوة على الوعي والخيال والضمير، فإن هناك موهبة إنسانية رابعة تجعل إدارة الذات أمرًا ممكنًا حقًا، ألا وهي الإرادة الحرة. إنها حقًا تلك القدرة على اتخاذ القرارات والاختيارات ثم التصرف بالتوافق معها. إنها القدرة على الفعل وليس التعرض للفعل .. ستيفن كوفي”. حينها أدركت أن تلك البسكويتة ليست بسكويتة حظ، إنها بسكويتة اختيار. أستطيع أن أتحكم في اختياراتي وقراراتي، وأن أتوقف عن الركض وراء الحياة التي كُتبت لنا. وأبدأ في كتابة الحياة التي أريد وأركض في سبيلها بكامل كياني. شعرت في تلك اللحظة أن مشاعري أكبر من أن يحتويها جسدي وبكيت. وبدأت “فيفي” في قراءة الرسالة بكل ذكاءٍ، تتوقف وتصمت عند جمل معينة تعطيك فرصة للتفكر. فأشعر أنها تتوجه إليّ أنا خصوصًا بالحديث. كنت أستشعر المشاعر تنصب عليّ من جميع الجهات ولا أقوى على التحمل.
الآن أحتفظ بكل الدلائل وأتمنى لو كنت أملك الخطاب معي ليذكرني بذلك اليوم الفريد. فأنا أعلم أنه في سعيي للبحث عن نصف رسالة فتاة الفيلم، في بحثي عن الكنز المفقود.. كنت أبحث عن نفسي المفقودة. أنا فائزة حقًا.. فلقد وجدتها.
كنت أبحث عن نفسي المفقودة