البدايات الحقيقية

822

بقلم: رغده شريف

كعادتي في نهاية كل عام وبداية عام جديد، اختلي بنفسي لتقييم أحداث العام الماضي والبدء بحماس في وضع خطط وأهداف محددة لتحقيقها في العام الجديد. وعادة ما يغالبني أحد الشعورين، إما الفرح الشديد والحماس للبداية الجديدة والأمل المفرط والتفاؤل بكل ما هو قادم، أو التعب والحزن نتيجة للعام الماضي إن كان مؤلمًا أو متعبًا في أحداثه، وأحيانًا يكون المزيج بين الشعورين معًا.

و لكن هذه المرة غالبني شعور مختلف جديد تمامًا؛ لم أشعر بفرح أو حزن بل شعرت بالامتنان.. الامتنان فقط.. امتنان لأيام بكل ما مر فيها من حلو ومر. امتنان لجميع المشاعر التي سافرتُ داخلها وغُصتُ فيها أيامًا، وأيضًا لمشاعر أخرى مرت مرورًا هادئًا مريحًا. امتنان لأشخاصٍ بعينهم لهم أدوار مهمة بحياتي لم أكن أتخيل مرور الأيام بدونهم.

اكتشفت في هذه اللحظة أنني أقف أمام هذا العام الجديد بدون أية خطة على الإطلاق. لم أستطع خط قلمي في الورقة لوضع أهداف لا بد لي من تحقيقها مثلما أفعل كل عام.

فحياتنا تشبه الدائرة في حركة مستمرة دائمًا، كل مرحلة تضيف للمرحلة التي بعدها شيئًا جديدًا. تتشكل الحياة على مدار الرحلة من التجارب والمواقف والأشخاص الذين يمرون بها، وبناء على التجربة الخاصة بنا، نتعلم وندرك ونقرر. البداية دائمًا ما تكون فكرة أو شعور، يحرك تِباعًا له سلوكًا وقرارات وأهدافًا. والحياة تخضع بشكل عام لهذه العملية دائمًا. وان اعتبرت هذا الاستنتاج أو الاكتشاف هو كل ما تعلمته في العام الماضي، فأنا ممتنة أيضًا لذلك.

قد نبدأ بتعلم شيء ما في وقت ما ولكن البداية الحقيقية تكون في وقت سابق له، حين تأتي بداخلنا الرغبة في التعلم ونفكر كيف نحققه. إذًا البدايات الحقيقية لا نستطيع وضع تواريخ لها. ليس لها علاقة ببداية عام جديد فقط كما يقول البعض، وهو ما يجعلنا نبدأ كل عام بحماس شديد وقد ننهيه بإحباط لعدم تحقيق شيئًا.

تذكرت مرات عدة وضعت جدولًا وكتبت فيه كل شيء أريد أن أستثمر فيه، ولكنني لم أبدأ حتى بصنع خطوات صغيرة لتحقيقه، وعلى الجانب الآخر هناك قرارات اتخذتها ونجاحات حققتها وأشياء تعلمتها لم تكن داخل جدولي الصغير المُنمق، لأن بداياتها كانت بداخلي حقيقية.

تعلمت الانتباه لرسائلي الداخلية التي لم أعد أتذكر لها تواريخ ولكنها بدأت داخلي متدرجة؛ الرسائل التي جعلتني أدرك ماذا أريد وأين أقف، ومن هنا تأتي كل قراراتي.

البدايات والنهايات متداخلة دائمًا، وان كنت أتمنى شيئًا الآن فهو أن تكون كل بداياتي حقيقية وكل نهاياتي مريحة وملهمة أكثر وأكثر، وأن أتذكر أن بداخلي ما يجعلني أستطيع صنع بداية جديدة دائمًا. أتمنى إفراغ كل ما لا أحتاجه من داخلي لاعطاء مساحةً للقادم بكل ما يحمله لي، واستقبال هدايا الله في كل شيء.

 

المقالة السابقةعلى وشك الأنفجار
المقالة القادمةمظاهر الحب
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا