مظاهر الحب

785

مظاهر الحب

بقلم سارة سكر

يصل شهر فبراير بالسلامة مصطحبًا في يده مظاهر الاحتفال المتأججة بالأحمر والقلوب والدباديب والشيكولاتة، تنتشر على واجهات المحال في الشوارع كما على أرصفة السوشيال ميديا المختلفة.

هذه المظاهر تذكرني بالطفلة والمراهقة -اللتين كنتهما في وقتٍ ما في الماضي السحيق، واللتين أعتادتا الانبهار ببساطة الأطفال وسذاجة المراهقين.

نعم، كبرت منذ زمن بعد مروري ومرور قلبي بالكثير، وتركت خلفي هذه الطفلة المتطلعة للحياة بعيون متسعة قبل أن تصبح مراهقة متطلعة للحب بقلبٍ متسعٍ أيضًا، وها أنا الآن -من موقعي هذا واقفة أرى مظاهر الحب من الجانب الآخر بعد عبوري فوق جسر العشرينات والثلاثينات- أراها مختلفة تمامًا.

ما عاد قلبي ينبهر بالكلمات الرنانة والوعود المُتشدَّق بها والهدايا والمفاجأت التي يَبْدع فيها المحبون مُخلصين ومُتكلفين للكثير من المال للتعبير عن محبتهم لبعضهم. أعتقد فقط أني أصبحت صعبة الانبهار قليلًا! تلمسني الآن مظاهر أخرى مختلفة تمامًا، لا تبهرني، لكنها تمس قلبي وتأسره وتصل له بالحب الذي يحتاجه ويشبعه ويملأه.

تشجيع صادق -دون افتعال أو مغالاة متملقة- فتح لي عيني وجعلني ألتفت لأبصر بوضوح شيئًا جميلًا –ولو صغيرًا- في نفسي.

يد امتدت لي لتقيمني وقت سقطتي ووقوعي وفشلي، ولتشجعني وتحثني على إكمال سيري الذي بدأته قبلًا في طريق صعب اخترته، ورفعت عيني عن أزمات منتصف الطريق لتثبتها على الاحتفال المنتظر عند الوصول.

رسالة من غالٍ يطمئن عليَّ وعلى أحوالي وظروفي، متوقعًا إخباره بحالي الحقيقي، وليس الحال الذي دائمًا بخير، فأستشعر صدقه يبلغني أنه يدعو لأجلي باستمرار في مناجاته اليومية لله.

تواصل عميق من القلب للقلب، أجمل ما يمكننا كبشر فعله، أغلى ما يهديه إنسان أو يُهدى له. تواصل مُحب تعلم كيف يكف عن وشوشة نفسه، واجتهد ليخرج من أسر وسواس أنانيته، فقرر الإنصات بالأذن والعين والقلب وبالكيان كله، ثم البوح بالصوت والنظرة والدمعة الغالية، بعد أن حارب كل زيف حاول تعطيله وكل كبرياء حاولت طمس حقيقيته.

اعتذار مخلص يأتي ركضًا بعد خطأ حتى وإن وصل متأخرًا، فأنا أعرف حجم الشجاعة والاتضاع والثقة والقوة التي تكلفها! صحيح الاعتذار لا يلغي الوجع والألم لكنه يخففه، ويضع مرهمًا مُلطفًا على الجرح.

غفران حقيقي لخطأ جلل وقعت فيه أو هفوة ذلل طالتني، بعد قرار مدروس أني بمن أكون أهم مما فعلت ومما أفعل.

نقد صريح من مرشد حكيم لخطأ أرتكبته لا يتناسب مع قيمي التي تحدد هويتي ومبادئي التي تبنيتها، وتقويم جريء حتى أعود لصوابي الذي أعتاد أن يراني عليه.

مجازفة بإعطاء فرصة ثانية قدمها كريم مستثمرًا في علاقتنا منتصرًا لمستقبلها ومنحازًا له أكثر من ماضيها.

هذه المظاهر غالية جدًا تكلف أكثر من مجرد المال مهما كثر، فقد تعلمت أن ما يثمن بالمال رخيص مهما غلى! هذه تكلفة حقيقية أغلى من اللآلئ، لا مجرد قشرة مظاهر خارجية.

ها أنا الآن بعد عبور جسري أقف متأملة:

اللهم ارحم هؤلاء المحتفلين بمظاهر الحب، دون أدنى استعداد لدفع ثمنه الباهظ…

اللهم ارحم هؤلاء من كفروا بالحب، وارحم هؤلاء من تسببوا في كفرهم..

اللهم ارحم قلوبنا، فجميعنا عطشى للحب..

وخذ بأيدينا مصطحبًا إيانا للمصدر العذب الآمن لري عطشنا، فنرتوي، وتصبح لدينا القدرة لإرواء عطشى آخرين.

اللهم أنت الرحيم، وأرحم الراحمين، والمحب العظيم الكريم.

 

المقالة السابقةالبدايات الحقيقية
المقالة القادمةالحب وسيرة الحب

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا