الانسحاب ليس عيبا.. العيب فقد الذات

361

بقلم: ندى عصفور

هناك أوقات كثيرة، ننسحب خلالها، داخل حياتنا ونغلق الباب وراءنا، ولا نهتم بما يدور حولنا، وهذا يحدث بشكل خاص مع الأمهات، وخصوصا مع سنوات الطفولة الأولى لأولادهم وتجربتهم الأولى التي يرغبن في الاستمتاع بكل تفاصيلها، ولكن مع مرور الوقت يكتشفن أن حياتهن انحصرت داخل منزلهن مع أطفالهن.

ولا يوجد أي شيء آخر تهتم به، فكل ما يشغل ذهنها هو متى ستطهو الطعام وتقوم بواجباتها المنزلية، ومتى ستبدأ بفطام وليدها، وماذا فعل طفلها في المدرسة، وخلافها مع زوجها اليوم السابق حول سبب تافه لا يذكر، ولكنها طاقة سلبية منتشرة حولها.

الكثير من المسئوليات والمتطلبات الزوجية والأمومية والمنزلية التي لا تنتهي، ولكن أين هي؟ أين طموحاتها وآمالها؟ وما هي ملامحها؟ تشعر بالغربة داخل ذاتها وتلمس ملامح تجد التغيير، وكأنها شخص آخر ليست هي، وهنا تبدأ في الصراع من أجل أن توجد من جديد.

وهذا ما حدث لي بالفعل منذ عام مضى، عندما أتممت عامي السادس والعشرين، يومها شعرت بحزن شديد عندما بدأت أتذكر وأبحث عما فعلته في حياتي وأحلامي وطموحاتي، ووجدتني قد وقفت بعد الزواج وإنجاب الأطفال، وانحصرت اهتماماتي بالمنزل فقط، وكل ما يحتويه من زوج وأطفال وأثاث، فقد باتت كتبي زخارف تزخرف مكتبتي يغطيها التراب، معلنة أنها ماضي كان.

ففي تلك الليلة، شعرت بأنني فقدت ملامح شخصيتي، خارج إطار كوني زوجة وأم مسئولة، شعرت بالفشل الكبير، ولكن في تلك اللحظة تملكتني قوة للتغيير، بدأت أمسك قلمي وورقتي اللذان هجرتهما منذ زمن، أحاول جاهدة أن أسرد ما أشعر به داخل طياتها، وأبحث عن ذاتي من جديد.

وبدأت جاهدة البحث عن سؤال كان دائما يدور في ذهني منذ زمن، ولكني لم أبحث يوما عن إجابة كاملة له، وهو قول الداعية الإسلامي مصطفى حسني، في أحد برامجه، إن ربنا خلق كل واحد منا لرسالة لا بد أن يفعلها ويبحث عنها داخل ذاته، وكنت يومها أقنعت نفسي أن رسالتي هي أولادي، فعليّ تربيتهم وإخراجهم للمجتمع نموذجا صالحا يُقتدى به، ويعمل على خدمته.

ولكن تلك الإجابة كانت بالنسبة لي ليس سوى سد خانة فقط لا أكثر ولا أقل، حتى اكتشفت إجابة هذا السؤال في تلك الليلة وآمنت به أن الله قد وهبني الكتابة لهدف ما، وعليّ العمل بها من أجل إسعاد الناس ومساعدتهم، وبدأت بكتابة أهدافي في ورقتي من جديد، ووعدت نفسى أن أحياها من جديد.

وها أنا اليوم بفضل الله، أكتب وأحاول أن أسعد الناس بكتاباتي ومساعدتهم أو تغيير حياتهم للأفضل، وكل ما استفادته من تجربتي أن الانسحاب من الحياة من أجل شيء أغلى وأثمن ليس عيبا ولا خطأ، ولكن الخطأ أن تفقد ذاتك داخل هذه الرحلة، فالذات شيء مهم لا بد أن يرعى ويعتنى به، فهو الرفيق الأوحد لك في الحياة.

 

 

 

المقالة السابقةاليوم العالمي للطيبين
المقالة القادمةمعلومات مفيدة عن البنات، أسرار عن النساء لم تكن تعرفها من قبل
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا