13 نوفمبر هو اليوم العالمي للطيبة، وهل يمكن أن يستقيم العالم إلا بالطيبين؟!
تخبرني صديقتي الطيّبة أنه يجب كي أعيش حياة صحية أن أتخذ بعض الخطوات في حياتي، من ضمنها قراءة كتب تحمل تجارب إيجابية، ورغم عدم حبي لكتب التنمية البشرية و”علم” التنمية البشرية بشكلٍ عام، فإن نصيحتها جاءت في وسط قراءتي لكتاب Random acts of kindness.
أوصيت أخي بشراء خمسة كتب من سلسلة Chicken soup for the soul حينما كان في زيارة لأمريكا، واحد للمرأة، وواحد للأم والابنة، وواحد للأطفال، وواحد عن الكلاب وحكاياتها، وواحد عن الأفعال الطيبة، وعندما أخذتها منه وذهبت لمنزلي، فرشتها على السرير وظللت أنظر لها في حيرة، لا أدري بأي منها أبدأ.
بدأ حبي لهذه السلسلة منذ قراءتي لكتاب Chicken Soup for the New Mom’s Soul، وارتباطي الشديد به والذي سار بي عدة خطوات لخروجي من اكتئاب ما بعد الولادة، الذي كتبت عنه من قبل، فسألت نفسي: ماذا أنتظر من قراءتي التالية؟! وجدت أنني أريد دفعة من القصص الإيجابية بشكل عام، الوضع من حولي سيئ للغاية، أريد أن أعرف أن من الممكن الشعور بالسعادة وبعض الأمان مجددًا، لذا وقع اختياري على كتاب الطيبة، آملة بأن يعيد لي الأمل ولو بنسبة 1%.
أيقظني زوجي في أحد الأيام، يسألني إن كنت أعرف ما هي الحالة التي يقيء فيها الكلب رغوة بيضاء، أفزعني السؤال، فلقد ظننته يسألني عن كلبتنا “بيكي”، إلا أنه قال لي إن كلبًا في الشارع مستلقٍ على هذه الحالة أمام منزلنا. أخبرته أنها حالة تسمم ويجب على الكلب أن يتناول لبنًا مع بيض نيء حتى يقيء السم. خرجت معه للشارع واستطعنا التواصل مع طبيب بيطري، وبإرشاداته تيقّنا أن الكلب مات وأنه لا يوجد شيء يمكننا فعله سوى أن نحاول دفن الكلب.
وقفت في الشارع أغالب دموعي، فهذه الكلاب لم تكن مؤذية على الإطلاق، بل على العكس تمامًا، أطفال الجيران هم من يؤذونها برمي الطوب والحصى عليها وخنقها بحبال غليظة، وكثيرًا ما كنا نصرخ في الأطفال حتى يتركوا الكلاب وشأنها، فتكون النهاية هي أن تُسمم هذه الكلاب.
ظللت على هذه الحال حتى رأيتها، جارتنا الخمسينية التي لا أعرفها سوى بسلامات متبادلة لا أكثر، كانت تحمل شنطة سفر متوسطة الحجم، وإن كانت تبدو ثقيلة وتجرها إلى جراج العمارة حيث تركن سيارتها، فاقترحت عليها أن أقف بجانب الحقيبة حتى تحضر السيارة من الجراج، وافقت شاكرة ثم أوقفت سيارتها بجانبي، فرفعت الحقيبة ووضعتها بالسيارة، ابتسمت لي مُحرجة وشكرتني بشدّة.
عند دخولي المنزل كان تأثري بالكلب أقل قليلاً، رغم بشاعة الحادث وبساطة موقفي مع جارتنا، فإن هذا الفعل البسيط أحسست أنه أزال القليل من القبضة المخيفة في قلبي.
يقول الكتاب، إن أصغر الأفعال الطيبة قد يكون لها عظيم الأثر في حياة الآخرين دون أن نعلم. قرأت في الكتاب بعض القصص لأشخاص كانوا يمرون بأزمة مالية طاحنة، وفوجئوا بالواقف أمامهم في طابور الدفع يدفع لهم قيمة مشترواتهم دون أن يعرفهم أو يعرف عن ضائقتهم المالية، وفي بعض القصص الأخرى حكى أشخاص آخرون عن حاجتهم الماسّة لمساعدة الشخص الواقف خلفهم في طابور الدفع، سواء لمرورهم بنفس المأزق من قبل أو لإحساس داخلي مبهم، وعن سعادتهم عندما فعلوا ذلك.
اليوم وضعت الجبن لقطة مقيمة في مدخل المنزل، علّمت ابنتي العطف على حيوانات الشارع، أنقذت كلبة والدة تُرضع جراويها من أن تُقذف بالطوب، وساعدت طفلاً في الحصول على كُرَته دون إيذاء الكلبة، وشعرت بشعور جيد وأنني ذات قيمة ولو ضئيلة في المجتمع.
التصرف بطيبة يثير في النفس شعورًا جميلاً، ولا يجب الخجل من ذلك أو نكرانه، هذا حق طبيعي للإنسان، نحن نتصرف بطيبة لأن هناك آخرين يستحقونها، ولأن الأفعال الطيبة تولّد عند صانعها شعورًا جيدًا تجاه نفسه، هذا ما تعلمته في الكتاب، وبدلاً من مداراة فخري عند مساهمتي في أي أمر، أصبحت أحب السعادة التي أشعر بها بعد كل فعل خير، ليس تكبرًا أو غرورًا، بل فرحة.
لا أريد أن أكون واعظة، ولكني كثيرًا ما أرى مواقف يستميت فيها أشخاص مختلفون لمنع شخصٍ ما من فعل الخير، سواء لأنفسهم أو لآخرين. لا نريد لأحد أن يبتاع لنا شيئًا ولو بسيطًا ونُضخّم الأمور، هناك دائمًا حالة من المزايدة على أي أفعال طيبة وخيّرة، أو افتراض سوء النيّة في مقدّمها.
هناك بالطبع الكثير من أعمال النصب التي تحدث باسم الطيبة وأعمال الخير، والتي تجعل الناس يومًا بعد يوم تُحجم عن تقديم يد العون لأي شخص في أي موقف، أتفهم هذا الأمر تمامًا، ولكن هذه الأفعال قد تكون بإعطاء طفل بعض البونبون، وضع علبة زبادي لقطة شارع، شراء ساندوتش إضافي وإعطائه لأول محتاج، تقديم كوب قهوة لشخص غريب عنك بالكامل.. أو حتى أبسطهم وهي الابتسام في وجه الناس.
غالبًا ما ترتبط الطيبة بالبلاهة في معتقداتنا، ونقول للشخص طيب النيّة “يبطّل عبط”، رغم أن الطيبة والسذاجة أمران منفصلان ولكن هذا أمر لا يلتفت إليه أصحاب نظرية أن الطيبة والعبط وجهان لعملة واحدة، وأرجو من الطيبين أن يظلوا طيبين، لأن أعدادهم تتناقص يومًا بعد يوم، وأحب أن أقول لهم اليوم “كل سنة وإنتم طيبين”.