بقلم/ ندا جمال
افترقنا وكلانا يعلم جيدًا أنه سيكون غصّة في قلب الآخر، لن تموت ولن تمنحه تلك السعادة الخالصة أبدًا، برغم كل الألم الذي زرعناه في بعضنا، لم أضحك من أعماقي سوى برفقتك، ولم يمزق شطريّ قلبي سواك.. وما زلت.. لا أعلم ما الذي تلبّس طارق في تلك الليلة، أوقف فجأة الفيلم الذي نتابعه لينظر لعينيّ بقوة ثم يشرد صارخًا:
– لم تنسيه بعد!
– ماذا؟
– ما زلتِ تحبين عمر؟ لم تتوقفي حتى الآن!
– طارق! أفقدت عقلك؟ أنا زوجتك ولدينا طفلة ورضيع! ولا أسمح لك بأن تتحدث في هذا.
– زوجتك؟! أعلم جيدًا أنكِ زوجتي.. ولكن أنتِ من تحتاج أن تؤمن بذلك.. أتذكرين عرس بنت خالتكِ صبا؟ أتذكرين كيف ارتجفتِ منذ ظهر؟ كيف كنتِ تتحاشين أن تكوني على مرمى بصره؟ كيف كنتِ تمسكين ببطنك وكأن حملكِ مني خيانة له؟ أتعرفين أن اسمه أول كلمة تنطقيها وأنتِ تستعيدين وعيكِ بعد الولادة؟ أتدركين أنكِ اعتذرتِ منه في منامك ليلة زفافنا؟ أتشعرين كم آلمني هذا؟! زوجتي المرأة الوحيدة التي أحببت وصرفت سنوات في انتظار أن أضمها لصدري تعتذر لآخر عن ليلتها معي.. أتدركين كم يمزقني هذا؟!
– طارق أنا لم أكذب عليك يومًا، كنت تعلم بقصتي معه. أنت زوجي وليس لي حياة سوى معك؛ بالله عليك لا تؤذينا أكثر من هذا.
– أنا من يؤذينا؟! أنتِ لا تفهمين، لم تستطيعي حتى الآن أن تقولي لي حبيبي.. لست سوى رجل يشارككِ الغرفة وورقة شرعية.
– طارق! أنا آسفة على كل شيء، أنا لم ولن أخونك أبدًا، ولا يمكن أن تفكر في ذلك. طارق.. أستحلفك برضيعنا وكل الحلو الذي جمعنـا يومًا توقف عن الهذيان بحماقات مر عليها أعوام.
– من يتفوّه بالحماقات الآن هو أنتِ.. أدرك جيدًا أنكِ لن تنظري حتى بطرف عينيك لرجل آخر، ولكن عمر يسكنكِ كجنين ميت يسممك ويسمم حياتنا ورحمك لا يقبل بطرده. لا تبذلين مجهودًا كافيًا كما وعدتني لتنهي ما له بداخلك. جاوبيني.
فزعت عيناي وتراجعتُ خطوات مذعورة للخلف من فظاعة ما تفوّه به.
– آسف لا أعرف من أين أتي كل هذا! سأخرج قليلاً.. لا تنتظريني؛ سأتأخر.
– طارق!
– حاولي النوم.
أتعرف؟ هو لا يكذب، ما زلت أحبك وأشفق كثيرًا على نفسي وعليه من هذه الحقيقة. لم أتخيلني يومًا خائنة وأنت لم تتخيل يومًا أن الصغيرة ذات الضفائر البنية التي أحببتها كبرت لتصير بشعة بسببك. يا إلهي! أنا لست بهذا السوء، وطارق لا يستحق أيًا من هذا. أتعلم؟ برغم كل ما أحمله لك بقلبي لم أندم على تركك ولن أندم على زواجي بطارق؛ ما بيننا لم يكن لينجح؛ كنا نشبه بعض كثيرًا، كلانا يملك طبعًا ناريًا، كلانا ذكي للغاية وكلانا عنيد.. كنت أنا شكاكة جدًا وأنت غيور لدرجة المرض. كنت أمقت كل مؤنث يقترب منك، وكنت تتمنى لو تمنعني عن كل رجال العالمين. كان أي نقاش عادي ينقلب بيننا لحرب عالمية ونتخاصم شهرًا بسبب جدال تافه، كأي لون نختار لغرفة الجلوس، وكلانا يرفض التنازل. كنت لا تعطيني أي مساحة خاصة، تختار حتى ربطات حجابي.
أتذكر فراقنا كم كان صعبًا ومريرًا. لم يكن بوسع امرأة مثلي أن تستمر مع رجل صفعها، ولم تكن أنت لتسامح نفسك يومًا علي أنك فعلت هذا بي. كنت تعتز بكبريائي كثيرًا. كنت لا تدللني سوى بأميرتي أو نجمتي الرقيقة. لو تعلم كم كانت كلمة رقيقة تستفزني. أظنك كنت تعلم ولذلك كنت ترفقها مع أميرتي كي لا أغتر كثيرًا. يا الله! ما هذا الذي أفعله بنفسي؟! أريدك.. أريد منك فقط صديقي، ذاك الذي لم يفهمني أحد مثله. علمني كيف أتخلص منك، كيف أنتشل بقاياك من أعماقي. اتركني أرجوك. دعني معه؛ طارق يستحق أن أحبه، طارق من حقه أن ينعم بامرأة كاملة، لا رماد أنثى أحرقها فراقك.