أنا محتاج صدمة

381

 

بقلم: سلمى شعبان

كنت أشاهد فيلم “إكس لارج” للفنان أحمد حلمي، بالتحديد المشهد المحوري في الفيلم عندما تعترف “دينا” لـ”مجدي” بأنه مجرد حالة فشلت في تغيير نمطها وسلوكها تجاه الطعام، هذا المشهد الذي تتوالى بعده المشاهد متتابعة: صدمة الفشل في الحب وراء صدمة موت خال مجدي، حتى يقرر أنه يجب أن يفقد الوزن لتتغير حياته، ويستطيع أن يعيش حياة مختلفة ومريحة.

وتبادر إلى ذهني سؤال غريب: “لماذا دائمًا نحتاج لصدمة كي نبدأ في تغيير ما نحن عليه؟” في الدراما، وكما حدد أرسطو، يتعرض البطل في معظم الأحوال لأزمة ما حتى تتبلور شخصيته وتتغير، ومن هنا كان يطلق عليها الشخصية الرئيسية أو المحورية، لأنها تتغير وتتحول إلى ما يجب أن تكون عليه أو في النهاية تصل لما يجب أن تكون عليه، ولكن عليها من خلال الأحداث أن تتعرض لصدمة قوية، أما الشخصية السطحية فتبقى كما هي، لا تتغير لأنها لا تتعرض لصدمات.

هذا ما درسناه في الأدب والدراما، وهذا هو حال جميع الشخصيات في كل الأفلام سواء عربية أو غربية أو حتى هندية، نفس الحال.. البطل محتاج صدمة! ولكن لماذا نحن بني البشر نحتاج صدمة لنتغير ونحدد ما نريده وما يناسبنا؟ ولماذا لم يربي فينا المجتمع والأهل القدرة على تحديد الهدف بل وصنعه.

إذا ما سألت أي مراهق عن هدفه في الحياة أو ما يريد منها ستجد القلة القليلة تستطيع الرد على هذا السؤال الذي أجده صعب جدًا، إنه سؤال وجودي، وستجد كثير من آبائهم لا يعرفون تحديدا كيفية تعليم صغارهم تحديد هدفهم من الحياة، فتجدهم يخططون لهم كل شيء من البداية.. بداية من نوع الطعام والشراب والملبس لنمط الحياة.

فنجد صورا مكررة من شخصيات كثيرة حولنا ما هي إلا استنساخ للأب أو الأم في العائلة، يحلم الأب أن يرى ابنه دكتور أو مهندس مرموق، إما مثله أو لأنها وظيفة مرموقة -هكذا يراها الناس- وتحلم الأم أن ترى ابنها بطلا في أي لعبة أوليمبية أو ما شابه، فتراها تلهث وراء التمارين الرياضية في جميع النوادي، وتجد الشاب أو الفتاة ممزقا بين هذا وتلك، أحلام الأم والأب والمجتمع، دون أي قدرة على تحديد قدراته هو ومواهبه هو وهدفه هو في الحياة.

رأيت الكثير من النماذج التي يتحول يومها لرحلة عذاب كبيرة من المدرسة للتمرين وخلافه، إلى أن يصلوا لمرحلة تحديد المصير فتجدهم لا يعرفون حقيقة ماذا يريدون؟ أنا لا أنكر بالطبع أن هناك الكثير من الأهالي تمتلك الوعي الكافي، لتدرك أهداف أبنائها وتدربهم على كيفية صنع الهدف من الحياة والوصول إليه.

ولكن كم منا حقيقة كان على دراية بهدفه وكيفية الوصول إليه؟ وأنا هنا أقصد الهدف وليس الحلم، فكلنا نحلم أن نكون أفضل الناس، بل ونحلم أن يكون أطفالنا أفضل من أفضل الناس، ولكن كم أم وأب تسأل “ماذا يريد طفلي هذا؟، كيف لي أن أجعله يدرك الهدف الذي يريد هو تحقيقه في الحياة، وأن يخطط للوصول إليه؟”.

وعندما أنظر إلى الواقع، أجد الكثير ممن توصلوا لهدفهم في الحياة، وماذا يريدون حقيقة، وكيف يحققونه بعد الصدمة فقط، بمعنى آخر، صدمة الفقد أو الفشل أو المرض، كلها صدمات في الحياة تجعل كثيرين منا يفكرون في التغيير والاختلاف، ولكننا في الحقيقة لم يكن لدينا الهدف الحقيقي الذي نعيش لتحقيقه في الحياة قبل الصدمة أو بعدها.

متى سنستطيع أن نعَلم أبناءنا أن يعيشوا من أجل تحقيق هدف محدد وواضح في حياتهم، دون انتظار صدمة ما تجعلهم ينتبهون لماهية وجودهم في الحياة؟ ومتى سنعلمهم أن صدمات الحياة ما هي إلا دروس تقوي من عزيمتنا وإصرارنا للوصول، لهدفنا من البداية دون تنازل عنه مهما حدث؟

 

 

 

المقالة السابقةعشان تبطل تخاف
المقالة القادمةالولية اتجننت
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا