الولية اتجننت

1260

مشهد 1
من كام سنة كده كان في أم اتعرضت لمرض أقعدها في السرير مشلولة تماما، ولادها كانوا بيخدموها بالتناوب، في يوم من الأيام أخ من الإخوات دول تليفون بيته رن، رد لقى جوز أخته عمال يقول له يجي على بيت أمه يلحقهم، وقال له أختك عندها انهيار عصبي وعمالة تصرخ، وفعلا في الخلفية كان في صوت صريخ رهيب.
مشهد 2
التليفون بيرن، راجل بيرد على التليفون، فيلاقي أخته بتصوت، بيحاول يهديها عشان يفهم منها إيه بالظبط اللي بيحصل، بتقوله إن بنتها (27 سنة، مخطوبة) في العناية المركزة، والسبب إنها انتحرت، لقوا في شنطتها كذا شريط مهديء كلهم خلصانين.
مشهد 3
خناقة زوجية عادية، بتحصل كتير، الزوج والزوجة بيتكلموا بحدة شديدة، الزوجة بتحاول تفهم جوزها وجهة نظرها، بيصمم على وجهة نظره وبيرفض يسمعها، فجأة الزوجة بلا سابق إنذار بتبتدي تلطم على وشها، بيمسك إيديها عشان تهدا، تقوم خابطة دماغها في ضهر السرير، بيحاول يسيطر عليها ويحمي دماغها فترجع تلطم تاني وكل دة بتعمله وهي عمالة تصرخ بهستيريا.
المشاهد دي مش من وحي خيالي، المشاهد دي كلها حصلت على مقربة شديدة مني، وعايشتها جميعا، الحالة الأولى كانت لست مريضة بمرض في الدم، معدية الخمسين سنة ومبتخلفش، بتخدم أمها مع إخواتها بقالها حوالي أربع سنين، الحالة التانية كانت لبنت عاملة عملية تدبيس معدة عشان تخس وخست فعلا، ومن وقتها وهي خايفة تتخن تاني، عندها اضطرابات طعام شديدة، وبتتبع ريجيم القيء بقالها حوالي سنتين، والحالة التالتة لست متجوزة شخص بتحبه جدا وعندها مشاكل نفسية من صغرها متعالجتش وكبرت معاها.
الولية اتجننت، ده الوصف اللي معظم الناس اللي حواليا، واللي عايشوا القصص دي معايا وصفوا بيه الستات دول، الست الأولى إخواتها اتهموها بالجنون، ووصل بيهم الحال إنهم اتهموا جوزها إنه هو اللي بيحاول يجننها، البنت التانية أهلها بيوصفوها إنها مجنونة وبتهوشهم بمحاولة انتحارها، رغم إنها فضلت في غيبوبة لمدة أسبوعين بعد محاولتها دي، الست التالتة بقى بتتهم نفسها طول الوقت إنها مجنونة ومريضة نفسيا وعبء على جوزها.

مع إن الواقع والعقل بيقولوا إن الستات دول وغيرهم كتير، لجأوا للوسايل دي -لا إراديا- للفت انتباه اللي حواليهم، لكونهم واقعين تحت ضغط شديد ومحتاجين لدعم.
بنقابل كتير في حياتنا ناس ضغوط الحياة صابتهم بمرض نفسي، اللي بيكتئب واللي بيحاول الانتحار، اللي بيصاب باضطرابات الطعام واللي بيصاب باضطرابات النوم، اللي مرضه بياخد شكل وسواس قهري،  واللي بيصاب بفوبيا غير مبررة، كل دي أشكال لصرخات مكتومة صاحبها معرفش يقول للي حواليه إنه تعبان، خاف منهم ومن مرضه، والنتيجة إنه بيتوصم طول الوقت بإنه مجنون، بدلا من مساندته ومحاولة دفعه للعلاج النفسي.

مثلا الست اللي فضلت تصرخ دي مكانتش تحب أبدا إن وقارها وشعرها الشايب يتفضحوا وسط الجيران، ولا البنت اللي انتحرت كانت مقررة إنها تموت وتنهي حياتها بإيديها، ولا الست اللي بتصاب بنوبات غضب من مجرد خناقة زوجية عادية تحب إن حياتها تتقلب رأسا على عقب بالشكل ده، بس هما التلاتة كانوا بيحاولوا يلفتوا نظر اللي حواليهم للضغط العصبي اللي واقعين تحته بطرق صاخبة جدا، مش الهدف منها أبدا إنهم يتوصفوا بالجنون، إنما الهدف منها بشكل أو بآخر هو استجداء عطف اللي حواليهم، ومحاولة كسب حبهم ومساندتهم، حتى لو بطرق مهينة ليهم أو رخيصة في نظر الناس.
لفت انتباه اللي حوالينا فطرة إنسانية على فكرة، مين فينا ميحبش الناس تاخد بالها منه؟ مين ميحبش التقدير المعنوي وإنه يكون محط أنظار اللي حواليه؟ الحاجة للتقدير دي حاجة إنسانية طبيعية جدا، كلنا بنعملها طول الوقت، فما بالك بقى بحد مصاب بمرض نفسي ومش حاسس بالدعم، متخيل قد إيه هو هيكون محتاج إنه يلفت انتباهك لكونه مش في حالته الطبيعية ومحتاجك جنبه؟
المريض النفسي أو الشخص الواقع تحت ضغوط كبيرة ممكن يوصل في محاولته للفت انتباه اللي حواليه للانتحار، حاول كتير إنه يلفت نظرهم لمرضه بشتى الطرق، مرة بالعياط ومرة بالصمت ومرات بالكلام، غالبا اللي حواليه بيصبروه بكلام من عينة كله هيبقى كويس وإنت بس قرب من ربنا وإنت هتحس بفرق، قوم صلي ركعتين أو انزل اتناول في الكنيسة وإنت هترتاح، فبمرور الوقت ولما مش بيلاقي أي دعم بتوصل حاجته للفت الانتباه ليه ولتعبه النفسي ولضغطه لمرحلة ممكن جدا ميرجعش منها تاني.
لما تلاقي شخص مقرب منك بيحاول يعمل تصرفات تلفت انتباهك لإنه مش في حالته الطبيعية، لما تلاقي مراتك فجأة بقت بتضرب الولاد ضرب هستيري على غلطات متستاهلش، لما تلاقي أمك بتتلكك عشان تروح للدكتور وإنت عارف إنها مش عيانة ومصرة تقعد في السرير طول الوقت، لما تلاقي صاحبتك اللي متعودة تحكي لك كل حاجة قافلة تليفونها وكل ما تكلميها تلاقيها بتعيط، حاول/ حاولي تفهمي إيه اللي بيحصل.
دي كلها -وغيرها كتير- طرق للفت الانتباه، اللي حواليكوا بيحاولوا يقولوكوا إنهم متألمين، بيخرجوا عن المألوف في حياتهم، عشان تاخدوا بالكوا من التغيير الحاصل لهم ده، وتحاولوا تساعدوهم أو حتى تدعموهم بكلمتين متفهمين وشوية طبطبة.
لما تلاقي واحدة ست بتتصرف تصرفات مش شبهها، متدورش وشك وتقول بكرة تروق ولا تقول هي اللي جابته لنفسها ولا تتهمها إنها بتحب الدراما ومتأثرة بالمسلسلات التركي، خد من وقتك شوية وافهم مالها، حاول تعرف إيه اللي بيحصل جواها قبل ما الموضوع يتفاقم، خاصة لو مكانتش في الأصل شخصية درامية محبة للظهور.
الولية متجننتش، بس لو فضلت كتير لوحدها مع أفكارها، هتتجنن بجد، وساعتها هتكونوا إنتوا السبب يا اللي كنتوا حواليها وكل اللي عملتوه إنكوا قلتوا عليها “الولية اتجننت”.

المقالة السابقةأنا محتاج صدمة
المقالة القادمةتقيلة خطوة الزمن.. تقيلة دقة الساعات
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا