بقلم/ أسماء حلمي
تذكرت حينها كل أنواع الأقمشة البيضاء، ومرت أمام عينيّ كل ماركات الأحذية العالمية، ولمحت ابتسامة تظهر من أسنان صفراء تميل إلى البُنيّة، مع انحناء خفيف للرأس ترحيبًا بجموع الجماهير الآتية، لتشاهد العروس أثناء حفل تتويجها، وانتقالها من بيت أسرتها المتواضع المليء بالأثاث المتحجر القديم إلى بيت زوجها، حيث الأثاث ذي الطلاء الذهبي، الذي يدل على ذوق ملك يهدي ملكته قطعة من ذهب خام للجلوس عليها.
وأنا في قمة أحلام اليقظة خاصتي، أحسست بيد أمي القوية تطرق كتفي طالبة مني الانتهاء سريعًا من ارتداء الطرحة والحذاء، حتى نلحق بموعدنا الأول مع العريس المنتظر الذي بعد معاناة طويلة من الخروجات والذهاب للتسوق استطعت بناء علاقات تمهّد لي في النهاية جلب عريس مثله، فهذا الموعد الأول لي مع عريس مهندس يعمل في الخارج، تحديدًا في دولة الإمارات العربية، فأنا الآن في قمة تفاؤلي من هذا اللقاء، ليس فقط من أجل الزواج وحسب، بل لأني أيضًا الآن نجحت في مجالسة شخص قريب من أحلامي وأفكاري وتطلعاتي، شخص يحترم العقل المفكر الطموح ذا الأصول الثابتة في الحفاظ على المبادئ الإنسانية، فأقسم الآن بعد يوم طويل من الدعاء المتيقّن بالإجابة، إني متحمسة لمقابلة فارسي الذي معًا نسير بخطى سريعة نحو الأمام.
وأفقتُ من أحلامي على صوت باب، فكانت أمي تنوي الرحيل وتستدعيني لذلك، في سرعة أسرع من البرق أخذتُ حقيبة يدي وتوجهنا إلى أحد النوادي القريبة، ولأني تربيتُ على يد أب يكبرني بعشرات السنوات، تعلمت الالتزام بمواعيدي، فوصلنا في الوقت المحدد، أما هو فليس بعد، فمر أمامي ازدحام الشوارع، وانقطاع التيار الكهربائي لفترات ليست بالقليلة، كأسباب كفيلة للتأخير، وبعد نصف ساعة وصل هو، بدا لي كعملاق الأبيض ذي شعر أصفر، وعيون عسلية، وعرفتُ بديهيًا من أين أتى هذا الجمال فور انتهائي من النظر إليه، والانتقال إلى امرأة بيضاء، في العقد الخمسين من عمرها، فهي والدة هذا المستقل المفعم بالحيوية.
في انسجام تام تبادلنا الحديث، واستودعته سريعًا أحلامي وأسلوبي المتزن في حل المشكلات اليومية، الأخطاء التي تعلمت منها من سابق خبراتي في الحياة، وأود أن أحمي أطفالي منها في المستقبل، وفجأة وبدون سابق إنذار قال الابن لأمه لا بد أن نمشي، لدينا بعض المواعيد، وأثناء المغادرة اقترب عريسي من وجه أمي، وقال الرد إن شاء الله غدًا، فما كان لي أنا وأمي خيار إلا الذهاب في انتظار الغد، مع طلوع الشمس وجدت عينيّ تفتحان أذراعهما لتضم الغرفة وكل الشقة، سارحة في كيفية تصميم فستان الخطوبة، هل يكون بسيطًا؟ أم يكون به تطريز؟ مناسبة للاحتفال بالدبلة صفراء الوجه.
من سيل الفرحة العارمة، وجدتني أذوب في النوم مرة أخرى، وأفقتُ على صوت أمي تخبرني أن العريس أرسل رده، وأنا شاردة الفكر في زفافي، لاحظتُ عبوس وجه أمي، قالت إنه وجدكِ “متنفعيش تبقي مراته”، استغثتُ، ما هذا الهراء؟ أكملت أنه أرسل يقول إنه ليس بحاجة إلى امرأة لكي تفكر وتحلم وتبني، “أنا أريد امرأة آخر طموحاتها زوجها وأولادها وكفى، وأن تكون أمي هي قدوة لها”. أشارت أمي أنها كانت تظن أن ذلك سيحدث لأن حديثي ليلة البارحة لا يعجب رجلاً يفكر في الحياة بالطرق المنطقية ليومنا هذا، استمريتُ في التحديق لأمي قائلة لها إنه يريد فتاة تافهة، لا وجود لها لا مستقبل لها، ويتحدث في نفس الوقت عن تربية الأطفال! فقفز في ذهني سؤال، كيف يجتمع هذان النقيضان مع بعضيهما (التفاهة والتربية)؟!وطرأ عليّ سؤال: لماذا إذن تعلمت؟!