لحماية نفسك من العنف على مواقع التواصل الاجتماعي

1277

في جُعبة كل منا، ذلك المخزون العطن من الذكريات السلبية لشريط من أحداث العنف التي مر بها

وأيا كانت فئتك العمرية، ستجد هذه الذكرى أو تلك تلاحقك كثعبان دؤوب، لم ينل تعاقب السنين من حماسه على الملاحقة ولو قليل

لكن ماذا تحوي ذاكرة كل منا، فيما يتعلق بالعنف على مواقع التواصل الاجتماعي الذي اقتحم عوالمنا مع دخول “السوشيال ميديا”، والتي بالكاد تبلغ ثلث أعمارنا؟

هل تحتفظ ذاكرتنا بتفاصيله عن ظهر قلب، وتشعر بذلك الوخز كلما لاحقت ذكرى من ذكرياته؟ فما هي صوره؟ وكيف تحول من كونه جزءًا من عالم افتراضي، ليلهث خلفنا نهارًا بلا ملل

وما أن نذهب لنهنأ بقسط من الراحة ليلاً، نجده بانتظارنا متخفيًا خلف عقارب الساعة، يجاور سلسلة المفاتيح ومحفظة النقود؟ وهل يا ترى نملك أسلحة لمواجهته والحد منه؟

صور من العنف على مواقع التواصل الاجتماعي

حينما يكون الحديث عن العنف على السوشيال ميديا، بالطبع لن تختلف التعبيرات كثيرًا عن مثيله في الحياة عمومًا، فالسوشيال ميديا ما هي إلا بركة مياه مترامية الأبعاد، تقع وسط قارات العالم مجمعة، وكل ما يقع عبر ضفافها، تعسكه صفحات مياهها بوضوح شديد، يفوق حتى الصور الأصلية للأحداث، لذلك فالتصنيف الأول للعنف على السوشيال ميديا، يمكن اختزاله في:

1. العنف القائم على النوع الاجتماعي

ويُعَرف بأنه “عنفٌ يقوم بالأساس على الأدوار الاجتماعية بين الذكر والأنثى، وفقًا لما تُحدده ثقافة المجتمع، كأن تُنكر ثقافة مجتمعية معينة على المرأة رغبتها في إثبات ذاتها، وتجعل دورها قاصرًا على القيام بالأعمال المنزلية وتربية الأبناء، أو تعتبر أن من حق الرجل أن يضرب زوجته

وترسخ الصورة الذهنية للرجل بأنه لا يبكي كالنساء، أو أن المرأة تقودها عاطفتها، وبالتالي لا تصلح لكثير من مهام الرجال، وغيرها من الأفكار التي تُصنف المرأة كدرجة ثانية بعد الرجل.

ويخرج من رحم هذا التصنيف المجتمعي عدد من صور العنف على أساس الجنس عبر صفحات السوشيال ميديا

كنشر صور الإناث بغرض التشهير بهن، مثل ما حدث في الواقعة التي قام الزوج فيها بنشر صور زوجته بملابس النوم، بعد طلبها الطلاق منه، معلقًا: “كل يوم هنشر صورة بقميص نوم جديد”.

كذلك  التهكم والسخرية من هيئات النساء وأفكارهن وتطلعاتهن، إذا كانت تلك الأفكار تصطدم مع الأفكار الجمعية للمجتمع، وإن جانبها الصواب

كاستخدام بيانات الأم أو الزوجة أو الأخت أو الابنة، ونشرها مرفقة بتعليقات ساخرة أو مسيئة، لتصفية حسابات لا علاقة لهن بها، انطلاقًا من كونهن “عورة”، يُمكن استخدامها للنيل من الرجال ذوي الصلة بهن.

وصولاً للتعليق بصورة سلبية، على التغيرات النفسية والمزاجية للمرأة، بقول البعض تعليقًا على غضب إحداهن في موقف ما أو انفعالها بقولهم “ده أكيد شغل هرمونات”.

تعرفي على: العنف ضد المرأة: معنفات عالقات في البيوت بسبب كورونا

2. التعليقات المسيئة

حينما يتعلق الأمر بقضاء نحو 6 ساعات يوميًا على الإنترنت، وفقًا لتحليل أجرته مؤسسة “غلوبال ويب إندكس”، فإنه من المرجح أن يفقد المستخدم للشبكة العنكبوتية قدرته على ضبط ما يختلج في ضميره من نقم وكراهية وعنف غير مبرر في كثير من الأحيان

مثل تعليق أحدهم لسيدة متقدمة بالعمر “إنتي بقيتي عجوزة قوي” أو “أنا كنت فاكرك موتي”، وغيرها من التعليقات المسيئة التي بدأت عدد من المنصات الإلكترونية في وضع آليات لالتقاطها ومنعها من الانتشار، لما لها من أبعاد خطيرة في قضية العنف النفسي والإيذاء عبر الشاشة.

تعرفي أيضًا على: العنف اللفظي: أشكاله وتأثيره على الضحية وكيف أقاومه ؟

3. الحسابات الوهمية

يلجأ كثيرون ممن لا يملكون لجامًا لأحقادهم، ولا يتحلون بقدر ولو صغير من التسامح والتصالح، إلى وسيلة أو أكثر من وسائل إبداء الرأي في الآخرين على السوشيال ميديا، عن طريق مساحات تكفل الاحتفاظ بسرية بياناتهم، إلى تكييل الإساءة للآخرين

سواء بتمني الشر لهم مباشرة، أو انتقادهم بطرق لا تتحلى ولو بقدر بسيط من اللياقة والذوق، ما يصيب أصحاب المساحات تلك بصدمة نفسية وألم عاطفي، لا يسقط ولا حتى بمحو وإسقاط تلك المساحات التفاعلية من الشبكة العنكبوتية.

تعرفي على: سالمونيللا أو You أو كيف تجعلك الميديا تتعاطف مع الجاني

طرق مواجهة العنف على مواقع التواصل الاجتماعي

1. عدم المساهمة في نشر العنف

الأسلحة تختلف باختلاف المعارك التي تُستخدم خلالها، ومن هنا، فإن أول سلاح يُمكن استخدامه لمواجهة العنف على السوشيال ميديا، يتعلق بالمسؤولية الشخصية لروادها، تجاه كل ما يُنشر بغرض التشهيير والسخرية والتنمر والتحرش، وغيرها من صور العنف والإيذاء، وذلك بإيقاف الدائرة عنده، بعدم المساهمة في نشر أي منشور من شأنه إيذاء الآخرين ولو عن طريق السخرية.

2. نشر الأفكار الإيجابية

كذلك فتح قنوات شرعية جديدة لبث خطاب موازٍ لخطاب الكراهية الذي تدعمه وتقوم عليه الأفكار المجتمعية الخاطئة، وذلك بالاهتمام بنشر الأفكار الإيجابية حول شراكة الرجل والمرأة، وكونهما شريكين متكافئين في مجتمع يؤسس للتنمية، ويضع أول بذورها في التنمية البشرية، وبيان كون أن المرأة ليست عورة، وكيف أن الصوت العالي دليل على ضعف صاحبه أيًا كان رجلاً أو امرأة.

تعرفي على: التنمر الوظيفي.. التنمر الذي نتعرض له نحن الكبار

3. احترام المرأة لجنسها

ولأن التربية هي عماد السلوك القويم، يجب أن تتوقف دائرة ازدراء المرأة لجنسها، والتعامل مع قضية تنشئة الأجيال الحالية والقادمة وفقًا لنظام تربوي متوازن، تحتل فيه المرأة موقعها كشريك متكافئ في المجتمع، بوصفه أولوية أولى، إذا كان المنشود هو مجتمع خالٍ من العنف بكل أشكاله وصوره.

4. تشريعات صارمة

وإذا كان من يأمن العقاب يُسيئ الأدب، فإن الأمر في مجتمعاتنا العربية بحاجة لتشريعات صارمة، تحاسب مرتكب العنف الإلكتروني شأنه شأن مرتكب العنف في الحياة الواقعية، وعمل حملات لتوعية الناس بحقوقهم وإمكانية صيانتها عبر تشريعات تكفل لهم حق الوجود الآمن عبر الشبكة العنكبوتية.


كيف تحمي نفسك من العنف على السوشيال ميديا

في وقت استبدل العالم فيه قنوات التواصل التقليدية بين البشر بقنوات افتراضية، تحمل في طياتها مليارات الرسائل حول ما نحب ونكره، ما نشعر به، وما نحب أن يعرف العالم أننا نشعر به، تحولت السوشيال ميديا إلى Group therapy كبير، يضم مليارات الرسائل من أشخاص، واجهوا في الحياة نمطًا أو أكثر من أنماط العنف، التي لا تبحث عن أكثر من تعاطف أو تأييد أو ربما حتى رأي، يعرف طالبه أن ما سبيل لتطبيقه عمليًا، فما هي الأسس التي يجب أن تضبط بها شكواك كمعنَّف على السوشيال ميديا:

1. اختر مجموعات الفيسبوك

قبل أن تقصد طرفًا ما لطلب النصيحة، عليك أولاً استبيان ما اذا كان هذا الذي تقصده سيفيدك حقًا في حل مشكلتك أم لا، وإذا كان ما تريده هو مجرد الفضفضة، فعليك اتباع عدد من الخطوات، كي تكون في مأمن من عواقب تلك الفضفضة:

أ. أن تقوم بمراسلة إحدى المجموعات المغلقة، والتي يشرف عليها متخصصون نفسيون وأسريون، ممن يوفرون تلك المساحات كامتداد لمهام عملهم اليومي.

ب. المجموعات التي تستهدف نشر فضفضتك أو شكواك بدون اسم، كي تُجنبك الوقوع في مشكلات الاستخدام السيئ للمعلومات عبر الشبكة، أو حتى الوقوع مع المحيطين في خلاف، نظرًا لعدم التزامك نحوهم بميثاق الحفاظ على الخصوصية، وهنا من غير المفضل اللجوء إلى حسابات وهمية، لما قد يُعرضك ذلك من مخاطر مستقبلية في حال قمت باستخدامه مستقبلاً متناسيًا منشوراتك القديمة عبره.

2. انتبه لمحتوى منشوراتك

أ. الرسالة أو المنشور الذي تقوم بمشاركته مع الآخرين سواء كان الغرض منه طلب النصيحة أو حتى الفضفضة، يجب أن يخضع لمعايير صارمة، تقع احترام الخصوصية في مقدمتها، وعدم الإفصاح عن تفاصيل شديدة الحساسية والخصوصية، ولا حتى عن طريق النشر بدون اسم، وعليك فقط إيضاح المعالم الرئيسية التي يمكن من خلالها الحكم على الموضوع بتجرد ودون انحياز، مع الحفاظ على الموضوعية، بحيث يصبح الطرف الآخر في الشكوى كأنه صاغها معك حين قمت بصياغتها.

ب. عدم الانجراف وراء ما يتم تقديمه لك من نصائح وتعليقات، وتذكر أن ما من تعليق يجب التسليم به وأخذه على محمل الجد ما لم يكن لمتخصص، والذي يفضل أن تقصد مكانه، بدلاً من تعريض نفسك لهذا السيل من التيه والجدل، الذي لا يُفضي في غالبية الحالات إلى شيء.

حتى لا تساعد في نشر العنف على مواقع التواصل الاجتماعي

إذا كنت أحد هؤلاء الذين تحتل مشكلات الآخرين وحكاياهم وفضفضتهم مقدمة أولوياتك، فتجد نفسك تقضي الساعات ما بين قناة هذه على يوتيوب، التي تملك أعدادًا طائلة من المتابعين، والتي تتحدث عبرها عن أهل زوجها، الذين مارسوا معها كل سبل العنف الممكنة وغير الممكنة، أو كان كل ما يشغلك هو ملاحقة أخبار هذا الذي قام برفع قضية على أبيه، ويتابع مع رواد صفحته أول بأول آخر مستجدات القضية، فهذه السطور هي روشتك الخاصة للتعامل مع هذا النهم بوعي واتزان، بحيث لا تضر ولا تُضار:

1. ابحث عن طرق أفضل لقضاء وقتك

عليك البحث في سبل أخرى أكثر إفادة لقضاء وقتك على الشبكة العنكبوتية، ليس فقط لكون متابعتك لهذا النمط من الاستخدام غير محمود العواقب لمساحات السوشيال ميديا، يساهم في اتساع رقعته، لكن أيضًا لما لهذا النمط من قدرة على تحميل نفسيتك وأفكارك بما لا تُطيق من السلبية والتشاؤم وتكدير صفو حياتك، بحيث تُصبحين كمن تمت خيانتها عشرات المرات، ومن رُجمت بمصروف البيت في وجهها آلاف المرات أو قامت زوجته بتسديد الضربات لأمه وأخواته ملايين المرات، دون أن تمر بأىِ من ذلك، فالمشاعر السلبية التي تتكون عبر مئات وآلاف المشاهدات التي تتعرض لها من أخبار وأحداث عبر السوشيال ميديا وسواء كانت تتعلق بالعنف بصورة أو أكثر من صوره أو حتى بسريان حيوات الآخرين بشكل مثالي دون إخفاق، في ظل إخفاقاتك المتلاحقة، قادران على منحك أسبابًا جديدة للسخط على الحياة وكراهيتها في اللحظة آلاف المرات.

2. انتبه لتعليقاتك

عليك ألا تترك نفسك لتتحول إلى ترس جديد في ماكينة العنف المجتمعي، عبر حقن الآخرين بأطنان من المشاعر السلبية، وذلك عن طريق ترك تعليق جارح أو مهين، أو من شأنه أن يُشعر الآخر بكم هائل من الأسى لكونه هنا، يفتح جرحه في الهواء الطلق لتلتهمه الطيور الجارحة.

وإذا كان لديك ما يمكن قوله، لإشعار صاحب الشكوى أو المعنف هذا بشيء ولو بسيط من السلوان والتقبل والمحبة فلتقله، وإن لم يكن، وشعرت أنك غير قادر على مناقشته إلا بغلظة وشدة فاغلق الصفحة على الفور، وتذكر أن ما من شيء يذهب سدى، حتى كظمك لغيظك وقت اشتعال فتيل الغضب فيك.

إن كنت من غير أهل التخصص في الشكوى محل النقاش، لا تقم بمشاركة رأيك عبر تعليق أبدًا، وتذكر قدرة هذا التعليق على إفساد حيوات آخرين، سينتظرونك في المستقبل وقد عُلق ضياعهم برقبتك، فقط لكونك استجبت لرغبة ملحة بقول ما لم يكن حري بك قوله.

3. لا تسئ لأحد

أما اذا لم تنجح في كبح جماح رغبتك الملحة في التعليق على القضية، قم بكتابة ذلك الرأي مشيرًا إلى الواقعة دون الدخول في تفاصيل قد تكشف عن هوية صاحب الشكوى، ودع لسطور رأيك العنان لتنطلق، هذا مع مراعاة عدم الاساءة لأي من الأطراف، ودع أصدقاءك يشتبكون معك، واكفل لهم حق التعبير والتفنيد لآرائهم، فلربما أضاف لك أحدهم بُعدًا ذا أهمية، غيبته ظنونك عن رؤيتك.

في النهاية تذكر أن العنف لا يُستحدث من العدم، فضع كلمات الكاتب والأديب عبد الرحمان الشرقاوي نصب عينيك ورددها بيقين:

أتعرف ما معنى الكلمة؟ مفتاح الجنة فى كلمة ودخول النار على كلمة.. وقضاء الله هو الكلمة، الكلمة لو تعرف حرمة.. زاد مزخور، الكلمة نور.. وبعض الكلمات قبور.. بعض الكلمات قلاع شامخة.. يعتصم بها النبل البشرى.. الكلمة فرقان ما بين نبي وبغيّ

فاحذر أن تكون كلمتك نواة جديدة للعنف النفسي عبر جهاز لوحي وانفعال حاد، فالإنسان يموت وتبقى حروفه حية وشاهدة عليه.

المقالة السابقةنوبة هلع
المقالة القادمةإزاي وليه لازم نقول لأ ؟
منى وهدان
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا