ماذا نفعل حين يصبح الجميع عدوًا للجميع؟ القلق الناتج من الشك في كل من حولك بل كل ما حولك؟ كيف تعيش وأنت واقع في فخ هوبز؟
فخ هوبز: تلك النظرية التي وضعها عالم الاجتماع الشهير توماس هوبز. حيث يسعى الشخص الخائف أو القلِق إلى تسليح نفسه في مواجهة الآخر، ويسعى هذا الآخر بدوره إلى مزيد من التسلح.. وهكذا. فيصبح الكل في مواجهة الكل.
هذا ما يحدث في زمن الأوبئة، فيصبح الجار أو القريب محل شك، وتتغير أنماط العلاقات بين الأفراد والعائلات. وهو ما يفسر ظاهرة الهلع الجماعي والتكالب على شراء المنتجات الغذائية أو الاستهلاكية بشكل عام. كما حدث بعد الحرب العالمية الثانية، وانعدام المعنى الحقيقي للحياة، حيث وصلت الشعوب لحالة من العبثية والشعور بعدم الأمان، وهو ما دفعهم للتنفيس عن الغضب، ولهذا وجدت المدارس السوريالية فنيًا مثلاً.
فكيف تؤثر الأزمات على نسبة القلق؟ وكيف يؤثر القلق على السلوك؟
قد يبدو القلق أمرًا عاديًا لدى البعض، لكنه في الحقيقة مرض خطير يغير مجرى التاريخ، ويسحق الشعوب، ويودى بحياة الكثيرين. لذلك على من يشعر بهذه الأعراض أن يستشير المختصين بالصحة النفسية
القلق والمعتقدات
قد يحدث نوع من التناقضات القيمية في المجتمع، كتصاعد التدين مثلاً، فبعد انهيار برج التجارة العالمي في الولايات المتحدة الأمريكية، وصلت نسبة الأشخاص الذين يرون أنهم بحاجة للتدين إلى 71%. ويختلف البعض في هذا الرأي، حيث نجد فئة أخرى لديها شكوك في قدرة الدين على تحقيق النجاة للأفراد. ويتساءلون لماذا يبعث الله لنا الألم؟ لكن بشكل عام نرى العديد من الأشخاص الذين يتأثر سلوكهم بعد أزمة شخصية، كموت شخص مقرب بشكل مفاجئ، مما يجعلك تدرك أيضًا أنك معرض لذلك، ولا وقت للتوبة، فتلجأ للدين.
بغض النظر عن مفهوم التدين بشكل عام، لكن هنا تحديدًا يلعب القلق من تكرار الأحداث المؤلمة، دورًا كبيرًا في استدعاء الدين كعامل يُشعِر الفرد بالأمان والسلام النفسي، كنوع من أنواع الحيل الدفاعية التي تؤمِّن وجوده.
القلق والمنطق
البشر بطبيعتهم لا يستطيعون تحمل صدمة كبيرة حدثت بالصدفة، مثل ما يحدث الآن، حدث كبير مثل كوفيد-19 لا يمكن أن يخرج من أهواء شخص أراد أن يشرب شوربة الخفاش، فابتلى العالم. لا بد من نظرية المؤامرة لتلائم مثل هذا الحدث الكبير
القلق كما عرَّفه فرويد: هو المادة الخام لكل الأمراض النفسية.
في فرنسا عندما انتشر مرض الكوليرا ومات ما يقرب من عشرين ألف فرنسي، اندلعت موجة من العنف ضد الحكومة، ظنًا منهم أنها تضع مادة الزرنيخ في آبار المياه، وبالكاد استطاعت الشرطة التصدي لها. فالقلق هنا يدفع الأفراد إلى التفكير بشكل غير عقلاني منافٍ للمنطق.
أي حكومة تلك التي تقتل الشعب بهذه الطريقة؟! ولماذا؟! هل زاد عدد السكان مثلاً؟ هل أرادت شعبًا جديدًا كنوع من أنواع تحسين النسل والسلالة؟ ما الذي دار في العقول في هذه الفترة؟ كيف تحول انتشار الوباء إلى نظرية مؤامرة من الحكومة ضد الشعب؟
البشر بطبيعتهم لا يستطيعون تحمل صدمة كبيرة حدثت بالصدفة، مثل ما يحدث الآن، حدث كبير مثل كوفيد-19 لا يمكن أن يخرج من أهواء شخص أراد أن يشرب شوربة الخفاش، فابتلى العالم. لا بد من نظرية المؤامرة لتلائم مثل هذا الحدث الكبير.
القلق والعنصرية
عند انتشار الطاعون عام 1346م أودى بحياة ما يقرب من مائتي مليون شخص، وكان أكثر المصابين من الفلاحين. دفع ذلك الناجين إلى الابتعاد عن المزارع والحيوانات، خصوصًا أن القوارض كانت تنقل البكتريا الخاصة بالمرض. القلق هنا ولَّد العنصرية تجاه طبقة الفلاحين رغم أن المرض يصيب الجميع.
قد يبدو مزحًا عند انتشار مصطلح كـ”كرونوفوبيا”، لكنه ليس مزحة، فالناس الآن يعانون من قلق وخوف تجاه كل من هو صاحب ملامح آسيوية وليس الصينيين فقط.
القلق والأنانية
يقول البعض إن أزمة الوباء الأخيرة أخرجت أجمل المعادن وأسوأها لدى البشر. ولكن إذا حاولنا تفسير السلوكيات السلبية سنجدها تنبع من أنانية الفرد، وهو ما تحدث عنه الدكتور همام يحيى منذ عدة أيام في محاضرة عن الأثر النفسي لكوفيد-19. وضرب مثالاً للملاهي التي تعد أمرًا ثانويًا للأسر التي لديها أطفال، في حين أنها عامل أساسي للعامل في الملاهي، حيث إنها مصدر رزقه.
الأصدقاء الأعزاء،تجدون هنا تسجيلاً لحديثي بالأمس حول "الوباء الآخَر .. الجوانب النفسيَة لكوفيد-١٩" ..شكراً لمن اهتمّ وسأل، ومتابَعة طيّبة للجميع ….
Posted by همام يحيى on Sunday, June 28, 2020
في مصر مثلاً نجد نفس الفكرة في المقاهي، في الوقت الذي قامت بعض المقاهي بكسر الحظر، قام بعض المعارضين بالبلاغ عن مثل تلك المقاهي. فأيهما أكثر أنانية؟ الشخص المبلغ الخائف من انتشار العدوى، أم الشخص الذي يحاول النجاة في ظل ظروف اقتصادية سيئة؟ وكذلك يحدث تناقض آخر بين من تمكنه ظروفه الاقتصادية أو الوظيفية، من الالتزام الكامل بالحجر المنزلي في بيوتهم، مشيرين بأصابع الاتهام للذين لا يملكون نفس هذا القدر من الرفاهية بأنهم السبب في انتشار الوباء، والكثير غيرها من الأمثلة.
مما ذكرني بجملة شهيرة قيلت في مسلسل “the 100” وهي “the things we do to survive they don’t define us” الأشياء التي نفعلها للنجاة لا تحدد هويتنا. أو بمعنى أصح نحن لسنا أشرارًا ولكننا نحاول النجاة، وهو المحور الذي دار عليه المسلسل محاولاً تبرير كل الأفعال السيئة التي تحتوي على جرعة مكثفة من الأنانية، على أنها محاولة للنجاة. هل يجب أن نكون أنانيين كي ننجو؟ لا أدري ولا أستطيع الاجابة إلى أن أُختبر.
القلق من المستقبل
في ظني هذا ما قتل “كيفين كارتر” المصور الشهير الذي التقط صورة الطفل والنسر، والتي تعبر عن المجاعة في السودان، وحصل بعدها على جائزة البوليتزر عام 1994م، لكنه انتحر في نفس العام بعد أن كتب:
أنا حقا آسف، ألم الحياة يتخطى بهجتها، أنا أسير ذكريات معبأة بالقتل، الغضب والألم لأطفال جوعى وجرحى، لحاملي سلاح متهورين مجانين، لجلادين قتلة.. فإن كان الحاضر بهذه القسوة، فماذا يخبئ لنا المستقبل؟
القلق من الاختلاف
الآن يمكننا أن نفهم لماذا تظاهر نابليون في مصر أنه مسلم، ووسط الكاثوليك تظاهر بأنه كاثوليكي، ويقال إنه إن حكم شعبًا من اليهود لأحيا من جديد معبد سليمان. إنه القلق من الاختلاف، أن تكون شاذًا عمن حولك، تغاير الاتجاه الذي يسير فيه الجميع كالقطيع، هو أمر مربك كأن تمشي في شارع وترى فجأة سيارات آتية أمامك، فتظن أنك أنت المخطئ مع أنك تعلم تمامًا أنك تسير في الاتجاه الصحيح.
القلق هو ما يدفع المجتمع للتفكير بشكل غير منطقي، وعندما يرتبط مصير الفرد بمصير الجماعة ككل يظهر نوع من الوعي الجمعي. لا يهم حينها أي وعي ذلك، سواء مساير للمنطق أو منافٍ، سواء يتبع معايير الصواب أم الخطأ، المهم أنك تسير داخل القطيع، وإلا صرت عرضة لأنياب الذئب وإن لم يكن الذئب موجودًا من الأساس.
لذلك نجد أن كل هؤلاء الذين يحاولون كسر العرف والتقاليد، وزعزعة الثوابت في تحدٍ صعب أمام مجتمع يخشى أن يترك دين أسلافه دون تفكير في منطقية الأمر.
القلق ولوم الضحية
أو ما سماه الدكتور همام يحيى في المحاضرة التي سبق ذكرها “عقلية كبش الفداء”. من الأولى بالحماية؟ من الأولى بالتضحية؟
مثل ما حدث في إيطاليا عندما زادت الإصابات بكوفيد-19، كانوا يختارون الأولى بالأسرة في الرعاية. من يمكن أن نلومه على ما نحن فيه؟
تجد بعض الأسر تلقي باللوم وتصب كل غضبها على شخص أهمل في نظافته الشخصية. أو قد يحدث العكس، فيصيب فرد باقي الأسرة بالتوتر من فرط اهتمامه بالنظافة، أو اتخاذ إجراءات السلامة لتجنب العدوى. هذا الشخص هو محل اتهام، لأن الأسرة لا تستطيع تحمل ضغوطات الحديث عن الأمر الحقيقي المسبب للقلق، لا تستطيع مناقشة الموت والمرض والألم، فتصب كل قلقها الداخلي على أمر آخر من اهتمامات الأسرة.
القلق والأعراض الجسدية
(GAD) اضطراب القلق العام، له العديد من الأعراض التي تظهر على البدن، منها: الإرهاق، صعوبة النوم، توتر العضلات، الارتجاف والشعور بالرعشة، العصبية، التعرق، الغثيان، الإسهال أو متلازمة القولون العصبي، التهيج، زيادة ضربات القلب… إلخ.
ولو كان تم تشخيض هذا المرض في وقت سالف، لتم إنقاذ الجنود الألمان في الحرب العالمية الأولى أثناء معركة السوم، إذ كانوا يعانون من معظم هذه الأعراض، وعجز الأطباء عن تشخيصهم، فاتُّهِموا بالتهرب من ساحات المعركة، وتم محاكمتهم محاكمة عسكرية وإعدام البعض. كثير من الجنود عانوا بعد الحروب من الإدمان، العنف الأسري، الانغلاق أو الانفصال عن الواقع، وذلك نتيجة القلق المستمر الذي يعيشون فيه، أو إحساسهم الدائم بأن حياتهم ما زالت مهددة. فالأزمات أو الكوارث العالمية أو الأوبئة أو الحروب تحول المشاهد أو الناظر إلى موت الآخرين إلى مستهدف هو نفسه بالموت. وهو أمر يصعب التعايش معه، ويحتاج إلى مساعدة من قبل المتخصصين بالصحة النفسية.
قد يبدو القلق أمرًا عاديًا لدى البعض، لكنه في الحقيقة مرض خطير يغير مجرى التاريخ، ويسحق الشعوب، ويودى بحياة الكثيرين. لذلك على من يشعر بهذه الأعراض أن يستشير المختصين بالصحة النفسية، لا تترك نفسك ضحية القلق.
تشخيص المرض أهم من علاجه. فقد تحدث البعض عما عانوا من أعراض جسدية مؤلمة، ومع تكرار زيارات الأطباء اتضح أنه ما من سبب عضوى لهذه الأعراض، لكنه اضطراب القلق.
إليك بعض الأطباء الذين تحدثوا عن اضطراب القلق، مع كيفية علاجه بطرق فعالة:
اقرأ أيضًا: ما يسببه لك التفكير الزائد.. وكيف تتجنب الإصابة بالقلق
القلق العام آفة ومرض العصر مش بس بسبب ازمة كورونا .. القلق على كل حاجة واى حاجة الحاضر صعب و المستقبل مرعب و الكفاح من أجل ابسط الحقوق.. الحياة بقت ليلة أرق طويلة