عن تجربة شخصية: 5 طرق لمغافلة القلق تجعله ضيفًا خفيفًا

2273

أعرفه كصديق قديم، يأتي لزيارتي يوميًا، في الصباح يتنكر في شكل أبوي، وكأن غايته هي الخوف على مصلحتي. وفي المساء يكشف عن وجهه الحقيقي عندما يشاركني الفراش. ألمحه وهو يتهادى تجاهي، أحاول عبثًا أن أوليه ظهري، لكنني أعرف من اللحظة التي رأيت فيها القلق يتسحب إليّ أنه لن يتركني بسهولة.

وكصديقة قديمة للقلق، للدرجة التي يظهر فيها في عيني ولساني وتحت جلدي، بالإضافة إلى أكثر أماكن وجوده، في قلبي. وبما أنني قرأت العديد من المقالات على غرار “طرق مقاومة القلق”، والتي لم تؤثر مع صديقي قط. توصلت إلى أن هناك ثلاث طرق لمقاومة القلق:

– الطريقة الروحية: وهي الطريقة التي يحاول معها الناس عادة دون نتيجة ملموسة، لأنها تحتاج إلى قلب طيّع وروح حاضرة، تحتاج إلى الكثير من الجهد والإعداد النفسي، للرضا بالقضاء، وعدم الانشغال بأخطاء الماضي، عدم الاهتمام إلا بالحاضر، التحكم في النفس، تحويل السلبيات إلى إيجابيات، التقبّل، التعوّد، وكل هذه الأفكار الجميلة في محتواها الصعبة في تنفيذها لمقاومة القلق اليومي.

– الطريقة العلمية: وهي شجاعة اللجوء إلى طلب المساعدة من متخصص، في حالة اضطراب القلق الذي يهدد الحالة النفسية والعصبية للإنسان ويمنعه من ممارسة حياته الطبيعية.

– والطريقة العملية: وهي الوسائل التي يتوصل لها الإنسان من خلال تجربته الشخصية، وقد ساعدتني تجربتي للتوصل إلى خمس وسائل لجعل القلق صديق خفيف وجوده غير مؤثر.

1. التمشية

غادرت عملي وأنا مشحونة بالضيق والقلق، بعد يوم طويل ونقاش وانفعال، يبدأ القلق في الظهور مع فكرة “الخوف من المستقبل”، سياراتي بعيدة، أو أنني نسيت مكانها، واصلت المشي دون تفكير، بعد دقائق تبدل المشي السريع بمشي هادئ، انتظمت أنفاسي وبدأت أفكّر في كل الاحتمالات، في طريقي قابلت وجوه الناس، قابلت الشوارع وواجهات المحال، قابلت الطبيعة من شجر وسماء وسحاب، شيء في تشتتي تغيّر، الأفكار نظّمت نفسها والقلق هو من تشتت. بعد نصف ساعة وصلت إلى سيارتي، كان القلق قد غادرني وحلت مكانه الأسئلة المنطقية تطرح نفسها بهدوء.

من هذا اليوم وأنا كلما شعرت بنوبة القلق ذهبت إلى تمشية، حتى لو كانت تمشية داخل البيت. شيء في يخف بالتمشية، ثقل ينزاح من على قلبي، القلق يتشتت ويتلاشى، بينما أقاومه بظهر مفرود وأنفاس منتظمة وحركة انسيابية تجعل جسدي طوع أفكاري أو أفكاري طوع جسدي. في يدي مسبحة إلكترونية، أو هاتف وسماعات وموسيقى، مع نهاية التمشية أجد دائمًا فكرة، فكرة بسيطة، طازجة، ربما لا تحل سبب القلق، لكنها تأخذ مكانه من انشغالي.

أثناء الحظر أقاوم القلق بالمشي حول البيت في الأوقات الهادئة، الطبيعة مهما كانت ضئيلة الوجود، مع الخطوات وانتصاب الجسد، يمنحاني هذه القوة الهائلة لتقبل كل الأشياء الصعبة، وتذكر الماضي كشيء بعيد، والتفكير في الحلول والسعادات الصغيرة. يقابل التمشية الرقص وأنواع الرياضة المختلفة، لكن تبقى التمشية ساحرة في تأثيرها.

2. التواصل

كنت في سهرة مع القلق، يحاوطني ويسبق تفكيري، يمتص من دمي مثل البعوض، حتى خطر لي أن أغافله وأغير من وضعي المستسلم، على السوشيال ميديا، وجدت صديقة وحيدة أونلاين فراسلتها، تبادلنا الرسائل والحكي والضحك، اتفقنا على مواعيد ووضعنا خططًا، عندما ودعتها كان القلق قد تبدد تمامًا، ونمت ملء عيني. فهمت يومها أن مغافلة القلق تجعله يضيع ويضل طريقه إليَّ.

في يوم آخر غافلته بقراءة كتاب والاندماج مع أحداثه وتفاصيله، هذا الرابط الشفاف بيني وبين ما أقرأ لا يمنح القلق فرصة للوصول إليَّ، كنت كلما عجزت عن أن أجد من أهاتفه أو أراسله مع كل نوبة قلق، أبدأ في القراءة، يقابل القراءة الرسم وسماع الموسيقى ومشاهدة الأفلام، كل سبل التواصل المرئية وغير المرئية تصعّب عملية القلق في الوصول.

لاحظت أن ابني عندما يصيبه قلق الامتحانات يشاهد فيديوهات القطط والكلاب، صديقتي التي تتبنى القطط لا تشعر بالقلق في حضور قططها واللعب معها والانشغال بها، التواصل مع الكائنات والكيانات يقزّم القلق ويجعله ينتظر على جنب طويلاً، حتى يمل ويتركنا.

3. الكتابة

لطالما ارتبط القلق بالرغبة في البوح، لذلك كنت أصحو في منتصف الليل لأكتب رسالة من اللوم والعتاب أو من الحكي غير المرتب، ثم أعود للنوم خفيفة، كأنني تخلصت من عبء القلق، التدوين يهدد القلق، وهو نوع من العلاج بالكتابة للتخلص من الأفكار السلبية وتخفيف الضغوط النفسية. يقوم الناس بالكتابة للتداوي، وهي كتابة غير محددة بوقت ولا موضوع ولا مكان، ليست كتابة إبداعية تحتاج إلى موهبة. لكنها كتابة تدوينية مثل كتابة المذكرات والرسائل والفضفضة.

مع بداية الحظر أنشأت هاشتاج “رسائل الحجر الصحي”، كتب عليه العديد من الأصدقاء وغير الأصدقاء، كتبنا عن مخاوفنا وذكرياتنا وأمانينا ومشاعرنا، كان بمثابة مجموعة علاج جماعي تتحدى القلق، حتى لو بالكتابة عنه ومواجهته. يقابل التدوين على وسائل التواصل التدوين في أجندة، وكتابة العناوين التي تصاحب القلق والتحاور معها ومناقشتها، أو الكتابة لتفريغ المشاعر فحسب.

4. الطعام الجميل

كنت في أيام متناوبة من القلق على أمي بينما كانت في المستشفى، بددت بعض القلق بالكتابة وأنا في غرفتي كمرافقة، وحاولت تبديد البعض الآخر بالجلوس في السيارة وسماع الموسيقى، لكن أكثر ما خطفني من القلق في هذه الأيام هو اكتشافي لمطعم قريب من المستشفى يقدم الكريب بكل أنواعه، الدقائق التي كنت أستطعم فيها شطيرة الكريب وأنا أتمشى إلى المستشفى، كانت كفيلة بعودتي وأنا مستعدة لطرد القلق واستبداله بالهدوء والعطاء والقوة.

صديقتي التي تضع صورة فنجان القهوة الذي تصنعه بحب كل صباح، وكل صور الكعك والحلوى التي ملأت فيسبوك بعد الحجر الصحي، كلها كانت طرقًا لتبديد القلق. صحيح أن هناك أطعمة بعينها تخفض من القلق، مثل الشاي الأخضر والكاموميل، والشوكولاتة الداكنة، والزبادي. لكن تبقى أكثر الطرق فاعلية هي الطعام الجميل الذي نصنعه بحب، تقطيع السلطة وتناولها، تقطيع الفاكهة والتلذذ بأكلها، كلها أشياء تزيح القلق من مكانه المؤذي وتجعله مجرد صديق طيب.

5. الحب

الحُب يعمل بشكل أفضل من الطب

يذكّرني مشهد Anna في فيلم Frozen وهي تستجدي وجود رفيقتها لتشاركها اللعب والحياة بسؤال متكرر كل يوم Do you want to build a snow man? هذا السؤال الذي أصبح مع مضي الوقت صيغة للاطمئنان والطمأنة والتواصل بابنتي عندما تخطفني العزلة، عزلة القلق والحُزن والقنوط. فتأتي هي لتقف ببابي كل يوم، وأرفض دخولها، ربما لأنها لا تعرف عن الصقيع الذي يقبع خلف بابي، لكنها تُلح دون يأس على استرجاعي ووجودي معها، وتعريفي بعوالم أخرى مبهجة، رغم شرودي ورفضي. تنجح الصغيرة في سرقتي من القلق بأحاديثها وأسئلتها واللعب معها.

لطالما آمنت بتأثير الحب على المشاعر، وهو من ألطف طرق طرد القلق، احتواء الرجل لحبيبته، احتواء المرأة لحبيبها، حب العائلة بكل أشكاله، الحب بين الأصدقاء، وحتى بين الزملاء، مجرد وجوده والشعور به يساعد الإنسان على أن يرمي أحماله في حضور من يحب والاكتفاء به ولو مؤقتًا، حتى يتخطى خوفه وقلقه.

لذلك نحب الحديث مع أصدقائنا قبل الامتحانات، ونلجأ لأحبتنا مع كل نوبة قلق، ونسعد كثيرًا بكل لفتة صغيرة من اهتمام ومحبة يقوم بها من حولنا حتى يغافلوا القلق ويبددوه داخلنا.

اقرأ أيضًا: ما يسببه لك التفكير الزائد.. وكيف تتجنب الإصابة بالقلق

المقالة السابقةحوار حول توازنك النفسي وسط قصص الاعتداءات الجنسية
المقالة القادمةعلى مر التاريخ: تأثير القلق على المجتمع وعاداته

2 تعليقات

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا