كل ما يهمك عن الحمل في الطفل الثاني، الأعراض والولادة، في أي أسبوع الولادة

1904

إنهم يكبرون بسرعة

يطالعني جوجل الماكر بالجملة التي يقشعر لها بدني، كلما باغتتني في الإشعارات، مقاطع فيديو يركبها، وصور مجمعة يؤلفها الذكاء الاصطناعي من تلقاء نفسه، لابني البكري “يونس”، مع كل يوم جديد يصر أن يذكرني كيف كان صغيري قبل عام في نفس اليوم، عمره لا يتعدى أربع سنوات ونيف على الكوكب. وقت ليس بالطويل، لكنه كافٍ جدًا ليعتصرني مع كل يوم جديد.

لن أنجب أطفالاً

الحمل في الطفل الثاني صعب جدا، كنت في مرحلة ما من حياتي، أقول في نفسي “لن أنجب أطفالاً”؛ الحياة قاسية جدًا، في نظري، ليست سوى اختبار صعب، لم أرغب لمزيد من البؤساء المرور بالتجربة. لكن من قال إننا نخلص لقناعاتنا؟! ما نخبر أنفسنا به شيء، وما نقدم عليه شيء مختلف تمامًا. يلعب القدر دور البطولة، هكذا اتخذت قراري في بداية زواجي، بتأخير الإنجاب حتى إشعار آخر، لكن الله قال لصغيري كن فكان، عقب أربعة أشهر فقط ودون أي تخطيط مسبق.

كانت مفاجئة صاعقة لي، اكتأبت، شعرت بخوف عليه ومنه، لكنني اطمأننت في النهاية، الله أرسله وسيكون بنا رحيمًا، ليس لي من الأمر شيء، هكذا جاء “يونس”. أربع سنوات لن أقول إنها مرت سريعًا، على العكس، كانت ثقيلة جدًا، مع متاعب صغيري الصحية، أربع مرات دلف فيها إلى غرفة العمليات، بداية من عمر ثمانية أشهر، كان يتركني بالخارج في كل مرة أنظر للسماء متسائلة عن الحكمة.
جعلتني المعاناة أخبرني بأنني لا أود تكرار التجربة، التي لم أكن أرغب بها من البداية، خوفًا عليَّ، لكنني فجأة وقبل عام من الآن تقريبًا اتخذت قرارًا حاسمًا بإنجاب طفل ثانٍ.

الحمل في الطفل الثاني

“الطفل الأول حقك أما الطفل الثاني حق الأول “هكذا أخبرتني صديقة عن حتمية الطفل الثاني. كنت أعلم تمامًا عما تتحدث، فقد كنت طفلة وحيدة طوال عمري، أحوز كل شيء وحدي، السرير، الغرفة، الطعام، الملابس، وكل شيء، لكن وحدي تذكرت مشاعري وأنا أنظر لـ”يونس”، وهو يلهو بيأس لا يجد من يشاركه لحظاته، لم أرغب له المرور بتجربتي أبدًا، لحظات البكاء الهيستيري، الدعاء بمعجزة تخلق لي أختًا أو أخًا، الأسئلة اللا نهائية “لماذا أنا وحيدة جدًا هكذا؟”. هكذا جاء حملي الثاني مخططًا له، اختلفت اعراض الحمل بالطفل الثاني تماما عن الأول، توقعت وتمنيت أن تكون بنت فاستجاب الله وأهداني “سلمى”.

سلمى

فتاة أحلامي، هكذا يمكنني أن أطلق على الصغيرة التي يخبرني الجميع أنها قطعة مني، تمامًا كما تمنيتها، تحمل لوني، وملامحي، أمامها لم أعد أشعر بتأنيب الضمير، الذي اعتدت الشعور به تجاه “يونس”، حين كنت سببًا في مجيئه إلى هذا العالم.. مشاعر أقوى باتت تتملكني بعنف

كيف تشعر الأم تجاه صغارها؟

هل ولادة الطفل الثاني اسهل من الأول، هل تربيته أسهل؟ هل تحب الأم طفلا أكثر من الثاني ؟ أسئلة صعبة، بت الآن أعلم إجابته وأنا أنظر إلى “سلمى” ومن قبلها “يونس”. إجابة تجتاحني حين يباغتني ذلك الشعور الطاغي، بأنني أود أن ألثم كل خلية اختصها الله، لتؤلف جسد صغيري، لا أشعر بالشبع أبدًا منهما، أتأمل الوجهين الصغيرة، وتخذلني عيني فأغمض ليختلج قلبي مع شعور عميق بأن “الأمر أكبر مني”. أحيانًا أتساءل: ماذا لو أن هناك بون بون بطعم “يونس”، أو برفان برائحة “سلمى”؟ تلك أشياء ستحمل مستخدمها بالتأكيد إلى أبعاد أخرى من الكون، أبعاد وصلت إليها بصحبتهما، لكنني وجدت أنني أقل من استيعاب جلال اللحظة.

يا يونس ويا سلمى

إنني أخاف النظر في وجهيكما لفترة طويلة. كلما نظرت لكما هاجمتني الأفكار والوساوس. أحبكما جدًا، وأعلم أنه مهما بلغت درجة رعايتي، سأظل مقصرة في حقكما جدًا، منذ جئتما إلى عالمي وأنا أخشى مرور الوقت. صدقًا أتمنى لو يتجمد الزمان بكل لحظة، فأتمكن من الاحتفاظ بها، والعودة لها متى أشاء. أنتما تختلفان في كل لحظة، ومع كل نظرة، شيء يمضي وآخر يضاف. وأنا أمامكما أشعر بالانتشاء والخوف. كنزي الجميل يتشكل في كل ثانية، أرغب في أن أرى الجسدين الصغيرين ينموان، والأكف المنمنمة تكبر، لكنني أيضًا أرغب في تلك البراءة الشديدة، على وجهيكما في السن الصغيرة، هذه أشياء لا تعود موجودة مع مرور الزمن.

أعلم الآن لمَ كانت أمي تحزن

في الميكروباص كنت أحتضنك يا “سلمى”، حين رأيت فتاة عشرينية تحادث أمها بملل، لم يبدُ أن حديث والدتها يعجبها، كانت تنظر لها باستنكار اعتصر قلبي، احتضنتك يا حبيبتي وأنا أدعو أن يظل أثر حضني، وطعم حليبي في فمك، مانعًا لكِ وشقيقك عن استنكاري وإنكاري يومًا ما، لن أتحمل نظرة مماثلة أبدًا.

الوقت يمر سريعًا جدًا

بت أعلم الآن لمَ كانت أمي تحزن حين أحتد أو أغضب منها، تقول لا حق لكي في هذا، فأشعر بالغبن والغضب. ألست إنسانة؟! الآن أعلم الإجابة، لا لست إنسانة، أنا طفلتها التي احتضنتها، وهدهدتها وقبلتها، وزرعت الأرض جيئة وذهابًا حاملة إياها على كتفها. بت أعلم سر تلك الجملة الغامضة “وحشتيني وإنتي صغيرة”، كأنني لست الشخص ذاته. فعلاً لست الشخص ذاته، هي تحبني الآن وتحبني في كل حين، لكنها مثلي كانت ترغب في تجميد اللحظات، للاستمتاع بكل مرحلة أطول فترة ممكنة. الوقت يمر سريعًا جدًا، أنتم  تكبرون ونحن أيضًا.

أسباب إضافية لأجلها أنجبت سلمى

الآن أعلم أسباب إضافية دفعني عقلي لها حين قررت إنجاب “سلمى”، أردت استعادة لحظات البراءة الأولى مع “يونس”، أردت سندًا إضافيًا، أردت في يوم ما أن أستعيد لحظات البراءة الأولى من جديد، مع أطفالكما، إن كان لي عمر. أردت تلك النظرة على وجه أمي حين تراكما.

بحبك يا ماما

أنا أنانية جدًا فيما يتعلق بكما، فاغفرا لي. لا يخفف من شعوري بالذنب تجاهكما سوى تلك الابتسامة على وجهك يا “يونس”، حين تخبرني عقب مفاجأتي لك بشيء تحبه، “بحبك يا ماما”، و تلك النظرة على وجهك يا “سلمى” حين يشبعك حليبي، فتغيبين برضا واستسلام في عالم الملائكة. لا أملك الآن سوى قضاء أطول فترة ممكنة معكما، لأن أغلى ما أملكه هو أنتما، وتلك اللحظات التي تغافلنا لتمر باستمرار. أنتما كنزي الذي لم أكن لأعلم قيمته إلا بالحصول عليه.

المقالة السابقةالمصيف في مصر زمان رحلة نوستالجيا للماضي
المقالة القادمةأنواع المايوهات واشكالها: ازاي تشتري المايوه المناسب ليكي؟
كاتبة وصحفية مصرية

1 تعليق

  1. من قال إننا نخلص لقناعاتنا؟! الجملة دى دخلت قلبى اوى !
    المقال جميل وراقى جدا وحقيقي.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا