المصيف في مصر زمان رحلة نوستالجيا للماضي

2629

بقلم: غادة محمود

المصيف زمان غير المصيف دلوقتي، دلوقتي مبقاش فيه لمة العيلة والتحضيرات، وحماس الليلة اللي قبل السفر، محدش بيهتم بالحاجات اللي كنا بنهتم بيها زمان، أغلبها بقت حفلات وسهر وصور، وفورمة الساحل قبلها بكام شهر، عشان شكلك يبقى مظبوط، بقت شرم والغردقة ودهب غير، زمان كان مصيف يعني مطروح، يعني راس البر، يعني بحر أبو قير في إسكندرية.. كلنا لما بنسمع كلمة مصيف بنفتكر ذكريات، أو زي ما بفتكرها أنا فضايح، بس ذكريات وفضايح جميلة، بتخليني أتمنى إن المصيف يرجع زي زمان.

الليلة اللي قبل ما نسافر كانت بتبقى عيد، ماما تطلع العوامات، تبدأ تجهز المايوهات والشنط، نختار اللبس اللي هناخده معانا، واللبس اللي هنلبسه وإحنا رايحين، ويتكوي ويتعلق، أو يفضل على الكراسي تبصله وتنام جنبه، وإنت عندك حماس الأطفال، وبتتخيل شكل كُل حاجة، وتبقى عايز الصبح ييجي دلوقتي حالاً.. وكانت حاجة أساسية عندنا إننا نتجمع في بيت جدتي، أو البيت اللي هنسافر منه.. أيًا كان المكان بس كان لازم كلنا ننام مع بعض يوميها، ونسافر كُلنا الصبح سوا.. محدش يطلع لوحده.

كانت الوجبة الأساسية اللي ماما وجدتي وخالاتي بيعملوها وإحنا رايحين البحر أو مسافرين، فطار فاخر، فول وفلافل وجبن بكل أنواعها وعيش، وبناخد أكل كتير من مبدأ إن البحر بيجوَّع، أعاند وأقولهم “يا جماعة إحنا مش هناكل كل ده إحنا رايحين نعوم”، ويردوا عليَّ “البحر بيجوع يا بنتي.. وهتشوفي.. هناخد كل ده وهنرجع بالشنط فاضية”، أما الغداء بانية ساندوتشات متجهزة الصُبح بدري، ملفوفة في ورق فويل، مترتبة وجاهزة إنك تنزل عليها كلها تنسفها.. غير إنك ممكن تفتح الآيس بوكس تلاقي فيه كل حاجة تتخيلها، كل الأكل اللي بتحبه، وكله جاهز يا دوب على التسوية أو القلي، تحس إنه مش آيس بوكس، ده مصباح علاء الدين، اطلب وهتلاقي كل ما كرشك يتمنى.

طبعًا فيه جمل لازم تسمعها ليلة المصيف، زي “نام بدري.. اوعى تسهر.. اللي هيسهر هنسيبه ومش هناخده معانا ولا هنصحيه.. لا مش هناخد كل العوامات دي، إنتو كبرتوا علي الكلام ده، اللي هينسى حاجة مش هنرجع من الطريق عشان نجيبها.

هنا ييجي دور الأب اللي بيبقى زي المُشرف في الآخر، يمشي في الشقة ويقول بصوت عالي: “ادخلوا الحمام قبل ما تنزلوا عشان مش هنقف في نص السكة، محدش يشرب ميه ولا بيبسي كتير عشان الحمام، هي شنطة واحدة صغيرة لكل واحد، إحنا مش مسافرين باريس، ده هما 4 أيام، اطفوا النور اطفوا الغاز، اوعوا حد ينسى الحنفيات مفتوحة، مفتاح الشقة مع مين”.. وجمل تانية كتير.

لما بنركب العربيات وبنتحرك، كنا بنشغل أغاني جميلة، زي دقوا الشماسي، وأغاني فيروز. كلنا بنتحرك ورا بعض بالعربيات، واللي فينا يسبق قبل التاني، أو العربيتين يتقابلوا جنب بعض، كان كل اللي جواها يعملوا باي باي ويضحكوا، ونخمس بالعربيات، لو كان الطريق فاضي. أول ما بنوصل الشاليه كُنا قبل ما نعمل أي حاجة كل واحد عارف هو رايح هيعمل إيه في الشقة أو هيرتب إيه، اللي هيجهز الأكل، اللي هيروق الشقة مكان الناس اللي كانت قبلنا، اللي هيرتب الشنط في الدولاب، واللي هيختار الأوض اللي هنقعد فيها، ودي غالبًا كانت خناقة، لأن لازم حد سخيف فينا يطلع يختار أكبر أوضة، واللي بتطل على البحر.. أنا مكانش بيهمني أي حاجة، أنا جاية أعوم مش جاية أنام.. كان ممكن جزء مننا ينام من تعب السفر، والجزء التاني ينزل يروح البحر أو يتمشى يكتشف البلد.

البحر كنا بنشم ريحة اليود وإحنا بعيد عنه ولسة موصلناش، ونقعد في الميه من الصبح لحد الساعة 6 المغرب، وناخد ضربة الشمس، وكده إحنا بقينا مُصيفين.. كان ممكن تطلع تلاقي أهلك عارفين الناس اللي في الشمسية اللي جنبهم، وبيتكلموا وبيحكوا حياتهم وتفاصيلهم بمنتهى الأمان، وبياكلوا سوا وكل واحد بيعزم التاني بحاجة من عنده.

تخلص وتطلع من البحر مقشر، وتجري تركب العربية عشان تبقي أول واحد يدخل الحمام، وتكسب السبق بينك وبين ولاد خالتك، خلصت، تطلع تاكل سمك، وتقضي على الجمبري والسبيط والجندوفلي، وتنور من كُتر الفسفور في الأكل.

التجمعات بالليل كانت بتبقى مختلفة، محدش بيقعد لوحده، كُلنا بنتجمع سوا، مكانش فيه لسه موبايلات واستوريز إنستجرام، ولا إنك تنفصل عن أهلك بالهاند فري والكتاب. كانت التجمعات ليها قيمة، قبل ما تبقى حاجة تقيلة على القلب ونهرب منها.. بنلعب كوتشينة، ولعبة الشايب ونحكم أحكام صعبة، وتتنفذ ونقعد نضحك، نلعب طاولة، نلعب استغماية، ونشغل أغاني ونرقص.. نقعد كلنا في البلكونة على الأرض نتكلم في أي حاجة، نقول نُكت، حد يفتكر الفضايح اللي كنا بنعملها زمان وإحنا صغيرين، فيبدأ يحكي عنها، وينتهي الأمر بصوت ضحك عالي يسمَّع الجيران اللي جنبك في الشاليه.

مكانش فيه نوم.. كان دايمًا فيه حد معروف عنه إنه لازم يصحي اللي ينام فينا بإزعاج، يقعد يخبط على باب أوضة عيلة عيلة ويطبل، لحد ما يخرجوا بيضحكوا من اللي بيعمله.

لما كنا بنقرر نخرج بالليل، كنا إحنا كأطفال وقرايب نخرج لوحدنا مع أكبر حد فينا نركب عجل، ننزل نتمشى على البحر وناكل فريسكا وآيس كريم، ونشتري لب، نروح أحسن محل بيتزا ونشتري منه، نركب بيتش باجي، لما نتجمع كلنا مع الكبار كنا ممكن ندخل سينما صيفي ونخلص كل الأفلام اللي بتتعرض هناك، أو مسرح أو السيرك، والكبار رغم إنهم واخدين قرار إنهم مش هيشتروا حاجة من هناك إلا إنه لما روحنا مطروح مثلاً آخر يوم خرجنا شارع إسكندرية، كل واحد انقسم، مننا اللي اشترى لبس لأن اللبس هناك مقارنة بإسكندرية مثلاً رخيص، الزيتون كان لازم ناخد منه كتير جدًا، لأن مطروح كانت مشهورة بالزيتون واللب، شارع إسكندرية كان ممكن تبات فيه من كتر المحلات لأنه مش سهل إنك تخلصه في يوم واحد.

محدش فينا زمان كان بيعمل حساب مصاريف المصيف، ولا بنقعد نحوش طول السنة عشان نطلع نقضي 5 أيام، مكانش فيه حفلات ولا رقص ولا جوهرة وصافينار، مكانش فيه غير حفلات عمرو دياب في العجمي، مكانش فيه غير الفرق الصغيرة اللي كانت بتظهر في السهرات وصوتها جميل وهادئ من غير خبط ورزع كتير.

زمان مكانش فيه الصور السيلفي، كنا لما نحب نتصور بنلجأ للكاميرا العادية، اللي بنتصور فيها ونستنى الصور تحمض وتبقى معانا على طول. أفتكر مثلاً بابا إنه أكتر شخص كان مشهور في العيلة إنه بيحب يصور كُل حاجة، وده خلى عندنا مخزون كبير جدًا من الصور في المصيف زمان، وفيديوهات كتير لينا هناك لما كنا صغيرين.

زمان مكانش مهم المكان، كان مهم لمة العيلة.. دلوقتي نادرًا لما تلاقي عيلة كاملة طالعة تصيف سوا، كل عيلة بقت تصيف لوحدها، دلوقتي بقى المهم إن المكان يبقى حلو، عشان الصور تبقى حلوة وتعجب الناس على الإنستجرام، مع كتابة اسم اللوكيشن عشان تبين إنك ابن ناس وبتروح الأماكن الغالية.

زمان كنا بنتبسط بأقل تكلفة، وأقل الإمكانيات، كانت القعدة على البحر والشمسية وبطيخة ساقعة وشريط حميد الشاعري وإيهاب توفيق، وأغاني التسعينات الجميلة كانت أكتر حاجة ممكن تفرحنا.. بنروح أسبوع المصيف ويخلص ونستنى السنة الجاية عشان نعمل ذكريات جديدة، نفتكرها ونتبسط بيها.. دلوقتي بقينا نقعد لوحدنا منفصلين بدل ما نستمتع باللمة والبحر، مصيفنا مكانش هاسيندا ولا مراسي ولا دهب، مكانش الحفلات ولا الدرينك ولا فيديوهات جوهرة وهي بترقص، كان لمة عيلة اللي كانت بتتبسط من قلبها فعلاً.. وتفضل أمنية “يا رب مصيف زمان يرجع”، بدوشته ولمته وضحكه وسفره وتعبه، أمنية بتمنى تتحقق.

المقالة السابقةمسارح وسيما
المقالة القادمةكل ما يهمك عن الحمل في الطفل الثاني، الأعراض والولادة، في أي أسبوع الولادة
كاتبات

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا