“برا القالب الوضع مش مفهوم! والإنسان عدو لكل مجهول، رغم أن العيب في الجهل، مش في الوضع اللي أنتِ عليه”
دي الكلمات اللي سمعتها من صديقتي، لما حَكِيت معها عن لغبطتي واللعبَكَة اللي أنا فيها. فكنت بقولها: “حاسة وكأن معايا حَبل بلفُّه حوالين نَفسي بمنتهى الرضا، وكل مدى بيتعقد زيادة. ومع كل لفة بسمع صوت تصفيق بيخليني أكمِّل للدرجة اللي مبقتش فيها باخد بالي إني بلفه حوالين رقبتي أنا، وفي النهاية ممكن جدًا يخنقني! صوت التشجيع اللي برا بيخليني حاسة كأني “بطل”؛ لأن مفيش حد فينا بيعرف يعيش من غير إحساس الدهشة بيه،
شعور الانبهار اللي بشوفه حواليا بكل حاجة بعملها، بيغطي على الوجع اللي جوايا من شكل الحياة اللي اتفرضت عليا .. بس للأمانة، أنا اللي قررت أسابق في “ماراثون” مش بتاعي، فمش من حقي ألوم على الجمهور إنه بيتفرج بحماس! بس المشكلة بقى أني صدَّقتهم وصدقت “القالب” اللي اتحشرت فيه أكتر من اللازم”.
وقتها صديقتي سألتني وقالت لي:”خايفة تنسحبي؟”
وأول ما قالت سؤالها حسيت أن قلبي وجعني؛ لأن صدى كلمة “تنسحبي” كان بيخبط في ضلوعي للدرجة اللي اتخضيت فيها مني.
وبدأت كل الأسئلة الوجودية اللي دايمًا بخاف أسألها لنَفسي تقتحم ذهني وأفكاري، وصوتها يعلى للدرجة اللي نسيت أني محتاجة أرد على سؤالها، والأسئلة دي كانت زي:
– يعني ايه “انسحب”؟!
– أنا أصلًا هبقى مين لو خرجت برا الإطار اللي أنا عايشة فيه؟!
– ده روتين حياتي وحتى لو غيرته، ايه اللي هيخليني أستاهل المدح والثناء لو انسحبت؟!
أنا هويتي وقيمتي بقوا في اللي أنا بَعمله و“في القالب” اللي أنا معترضة عليه وعايزة أكسره. يعني لو كسرته كأني بحطم نَفسي، لأني بقيت جزء من الإطار.
البرواز اللي خلاني صورة جميلة كل اللي يعدي قدامها يقول “الله”؛ هو نفسه “البرواز” اللي رسم حدودي وقيَّدني ومبقتش عارفة أخرج براه!
– ومش يمكن يكون دي آخر حدودي فعلًا؟!
بس “لأ”، لا يمكن تكون دي “نهاية حدودي”، أنا لسه جوايا براح مخرجش للنور، أوسع كتير من تفاصيل الصورة اللي عجبتهم.
– لكن ازاي ممكن أتحرر من الحبل اللي بيحدّ حريتي من غير ما أخسر تقديرهم وقيمتي وهويتي؟!
– ازاي ممكن أغير حتى عاداتي اللي اتعودت عليها من غير ما أحس أني فقدت ذاتي؟!
وقتها صديقتي سألتني: “أنتِ رحتِ فين؟”
فقررت أشاركها بكل حيرتي ومخاوفي، وأثناء ما أنا بتكلم معها شَعرت أنها لا يمكن أبدًا تفهمني؛ لأني عاملة زي الشخص اللي مش فاهم هو عايز إيه! وكأن جوايا “ثورة” على عيشتي العادية اللي طبيعي أكون فيها؛ لأنها ببساطة كانت في يوم من الأيام نتيجة لكل اختياراتي.
لكن رغم توقعاتي السلبية عن أن مستحيل يتفهم اللي جوايا زي ما هو، إلا أني لقيتها متفهمة كل سِكِّتي وقالت لي: “في يوم من الأيام كنت مكانكِ، وصارعت نَفس الصراع، وعلشان نسميه باسمه “صراع المجهول”. اللي فيه بتلاقي نَفسك “متمردة” على كل اللي كان بالنسبة لكِ مألوف، مش رغبة منكِ في التمرد والثورة. لكن علشان مبقاش يشبعكِ ولا يريحكِ، كأنكِ بتبصي لنَفسك من نضارة مغبشة، شايفة ملامحك بدون وضوح والصورة كلها شوائب. وكأن حياتك عايشاها بدون “جودة”؛ فماشية تزقِّيها علشان الأيام تُمرّ، وبتكتفي بالتشجيع اللطيف وشوية الطاقة اللي بيقدمها ليكِ مدح الناس اللي حواليكِ. بس حتى التصفيق اللي برَّاكِ، مبقاش يسمَّع جواكِ زي زمان، ولو استغنيتِ عنه هتتقابلي مع “مصير مجهول” مش باين له أي ملامح.
حتى ملامحك هتحتاجي تتعرَّفي عليها من جديد. بس أقولك على سر في تاريخ كل “الثورات” الناجحة، دايمًا بيبقى فيه “مرحلة انتقالية” معالمها مش واضحة ودي بداية السكة لنهضة الشعوب. محتاجة تقبلي أنك هتعدي على “مرحلة انتقالية” هتكتشفي فيها نَفسك من جديد، قدراتك، أفكارك، مفاهيمك، معتقداتك وإيمانياتك عن نَفسك.
في المرحلة دي متفكريش أبدًا الناس بتقول إيه! .. لأن وقتها هيكونوا شايفين أنك خَربتيها
وأنك مش عارفة تمسكي زمام الأمور كويس وفلتت منك. بس “الانفلات” ده مش طريق للفوضى؛ لكن هو بداية رسم الحدود الجديدة اللي تليق بيكِ، و“بجودة الحياة” اللي أنتِ نفسك تعيشيها، فمتخافيش.
مفتاحين أساسيين في مرحلة التغيير وكَسر القالب:
– اقبلي المخاطرة.
– اتبعي قلبك.
لأن قلبك حتى لو خانك هو في الأول والآخر حتة منك، ولا يمكن هيغرَّقك بدون ما يساعدك تتعلمي العوم. ولو في يوم ندمتِ على قرارك وحسيتِ أنك أنتِ نَفسك “انكسرتِ”، بسبب ثورتك عليها، بلاش يكون سلاح “اللوم” هو أول طلقة توجهيها تجاهك. لكن صدَّقي أن انكسارك فرصة لصنع “وعاء جديد” وأن دي مش نهايتك.
واقبلي دايمًا أنه ممكن ناس كانوا بيحبوكِ، فجأة يكون عندهم عداء تجاهكِ. مش علشان هم أشرار ولا أنتِ “مذنبة”، لكن علشان برا القالب الوضع مش مفهوم، والإنسان عدو لكل مجهول، رغم أن العيب في الجهل، مش في الوضع اللي أنتِ عليه.
مراجعة لغوية: عبد المنعم أديب