مُسجَّل بعلم الوصول

779

 

مراجعة لغوية: عبد المنعم أديب

إلى عزيزتي اللي أنا ساكنة في جسمها،

تحية طيبة وبعد.

في الحقيقة استغربت وزي اللي مصدقتش لما بعتيلي! .. أصلها مش من عادتك تسألي نفسك -اللي هي أنا يعني- أسئلة من نوعية: “أنتِ حاسة بايه؟”، “عاملة ايه؟”. يعني معظم الوقت بتسأليني: “ورانا ايه؟”، “ناقصنا ايه؟”، “مفروض نعمل ايه؟” ونسياني!!

تسعة وثلاثين سنة وأنتِ ماشية زي القَطر المَجَري، قبلي بحري، ونادرًا ما سألتِ عن حالي؟ كأني مبحسِّش أو مليش نفس فحاجة .. دوري أني أؤدي معاكِ وبس! .. عايزاني أقولك عاملة ايه بجد ومتزعليش؟ طب سامحيني لو هكون قاسية بس ده كلام متحوِّش ليه سنين وأنا ما صدقت أتكلم.

أنا عارفة أن نسيانك ليا من غير قصد، محدش علمك ولا لفت نظرك، بس ده ميمنعش أني موجوعة! .. في الحقيقة أنتِ مش بس ناسياني ووجعاني لكن خانقاني ومكتِّفاني كمان! .. تعبت من كل تقطيم مع كل وقفه قصاد المراية، من كل نظرة بحسرة على بطنك ومقاس وسطك، من كل مرة بتتلهفي على رقم على الميزان، وكل مناحة بتتعمل لو الرقم طلع بعيد المنال!

تعبت من كل مرة بتحاولي تستخبي .. هنِّجت من جريك المستمر ورا المستحضرات والكريمات، وتعبت لإحباطك من أن مفيش نتيجة أو حتى ضحكك على نفسك أن فيه فرق عشان متوجعيش في ضميرك على الوقت والفلوس اللي صرفتيها!

بس عارفه ايه اللي واجعني أكثر من ده كله؟! هو أنك مش شايفاني، وعاوزة تصبِّيني بالعافية في قالب معين حطوه للجمال وشكل الزوجة البيرفيكت؛ لأجل ما تنولي الرضا!!

ويا ريتك بتعملي كده عشان بتحبيني! لكن للأسف تحركاتك معظمها من إحساس بالقلة والخوف، وده بيدبحنى! عمرك فكرتِ مين اللي حط المعايير دي؟ عمرك سألتِ نفسك ورحمتيني ليه أنا بجري ورا ده؟ هيجرى ايه لو حبيت نفسي كده؟ هو أنا وحشة قوي للدرجة؟!

خليني أفضفض وأشكي يمكن أرتاح. مقارناتك بينا وبين غيرنا وعمايلها فيا، معلقة لي مشانق الفشل والإحساس بالنقص في كل خطوة. دايمًا بتجري ورا صورة اتحطت في خيالك للصح، المفروض، اللازم .. شايفة فلانة وعلانة أحسن منك في ايه؟؟ عمَّالة جلد فيا ليل نهار .. حرام عليكي! الذنب مكربجني وأنتِ مش سامعة أنيني!

كل ده في ناحية وإحساسي بالعجز لما بتتنازلي ببساطة عن حقوقك، وأنتِ ساكتة تحت حجة أنه عيب وميصحش ده في نحاية تانية خالص! بيغيظني أنك مش بتاخدي وقتك وتقفي وتفكري زي ما قالوا زي ما بتصدقي!!

سايباهم يفكروا لك وينصحوكِ، وترجعي تلوميني تاني أني مش على المقاس!! ليه أبقى على مقاس حد طيب؟ عمرك فكرتِ أنا وأنتِ مين؟ مش الدور اللي بنؤدِّيه لكن الصفات شاطرة في ايه؟ بتحبي ايه؟! سألتِ نفسك أنتِ عاوزة ايه؟ مش اللي المجتمع وجوزك وأهلك وولادك مستنينه منك لكن أحلامك أنتِ لحياتك عبارة عن ايه؟

سامحيني على قسوتي بس أنا زي ما أكون عاوزة أمسك يدك، وأمشيها من تاني على ملامحك علشان تتعرَّفي على روحك الحلوة من أول وجديد من كثر ما أنتِ مش شايفاني! برا القوالب اللي حبستِ روحك فيها سنين! وبرا الأدوار اللي بتأديها وبتجتهدي فيها! برا كل كلمة وصفوكِ بيها وصدقتيها من غير ما تراجعيها!

أنتِ فاكرة سكوتي ده معناه أني تعودت .. مش كده؟ لا أنا متعودتش على الحبس مهما مرت سنين. أنا كيان آه محبوس جوَّاكِ لكن بيقاوح يطلع ويعيش! مش عاوزة أحلامنا تتحقق في أولادك، أنا عاوزة نحققها سوا، بيكِ ومن خلالك وهتقدري!

مش عاوزة أكمل أسيرة لنمط محدد محطوط، لكن عاوزة نكون لونا اللي ليه دور وبصمة هتفرق! هنقدر، أنتِ بس ساعديني، هنفرِق، أنتِ بس اسمعيني. أنا عارفة أن الرحلة صعبة ومكلفة، رحلة خروج عن المألوف للمجتمع واللي حواليكِ وأولهم لنفسك! بس الحرية تستاهل؛ حرية أنك تكوني “أنتِ” مش حد تاني، حرية أنك تختاري، أنك تجربي، حتى أنك تخسري بس يكون قرار نابع من جواكِ مش من أحكام وأعراف وتقاليد دايبة!

آه الرحلة تخوِّف علشان فيها مجازفة، بس أعتقد أن خوف المجازفة أهون بكثير من أن الأيام والسنين تعدي واحنا لسه معشناش! والرحلة لازملها أصحاب لهم نفس الرؤية والهدف، يشجعوكِ تكوني، ويساعدوكِ تكتشفي اللي متعرفيهوش عن نفسك بكل محبة وأمانة.

على فكرة، أنا مش بقولك يلَّا نسيب المسئوليات ونعيش حياتنا .. بالعكس، أنا بس أرجوكِ تؤدِّي وتنجزي من غير ما تنسيني. هساعدك تحققي أحلامك اللي على كيفك، هنحمي حدودنا وندافع عن حقوقنا، نؤدي ونحلم ونحقق عشان احنا موجودين، مش عشان نؤدي دور ممكن أي حد يؤديه. لكن عشان نعيش ببصمتنا الفريدة، نؤدي أدوارنا بطريقتنا اللي احنا مميزين بيها.

وعشان خاطري متبقيش تاني تنسيني؛ علشان بجد بتوحشيني.

مع خالص محبتي،

نفسك..

المقالة السابقةوأنتِ ايه اللي بيحرَّكك؟
المقالة القادمةثورة إلى حد الكسر

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا