عندما اقترب موعد زفافي، كنت أخشى ألا يكون شكل جسدي جيدًا بما يكفي لينال إعجاب زوجي. فقد كان والدي وزوجته يريان أنني شديدة النحافة، مع أن قوامي كان معقولًا. كانا يقولان لي: “جوزك مش هيلاقي فيكي حاجة”. وكانت زوجة والدي تخبرني بأن ثديي مترهلان كأنني مرضع. شعري أيضًا لم يكن جميلًا في نظرهما. وحتى أعضائي التناسلية، قررت زوجة والدي بعد أن دخلت معي الحمام أنها لا بد أن تخضعني للختان، ولكن الله سلم!
محاولات لإصلاح الجسد المعيب
لم يدخر والدي وزوجته جهدًا لإصلاح تلك العيوب. فكان عليّ أن أرتدي مشد الصدر المبطن ليعطي صدري حجمًا أكبر. وكنت أجبر على إنهاء طعامي، وعلى تناول الخبز في جميع الوجبات. كنت أخفي الخبز وأصابع الكفتة في جيب البيجامة لأتظاهر بأنني أنهيت طبقي. ليس هذا فحسب، بل كانا يجوبان متاجر العطارة بحثًا عن أعشاب لزيادة الوزن. جربنا عدة أنواع، ولكني لا أنسى ذلك العشب الذي كان عليّ أن أغليه في الماء ثم أتناوله على الريق، فقد كانت رائحته كفيلة بإثارة الغثيان.
أما شعري فكان علي أن أبذل جهودًا مكثفة لتحسينه: حمامات الكريم والزيت، واللف على بكر. كانا يختاران لي ملابسي ويجبرانني على وضع مساحيق التجميل. كانا يضربان لي المثل بالأقران من بنات الأعمام والعمات، وكيف يهتممن بمظهرهن. كل هذا من أجل أن أنال رضا وإعجاب زوج المستقبل المرتقب. كنت أشعر كأنني كعروسة المولد التي يقومان بتزيينها لتعجب المشترين. لم يكتفيا بكل ما قاما به لأكره جسدي وأنوثتي ونفسي. فكلل والدي تلك الإساءات بالتحرش بي. دفنت تلك الحادثة بعيدًا في أعماق نفسي.
هل كانت مخاوف ما قبل الزواج حقيقية؟
بعد قرابة 10 سنوات من تلك الأحداث، تمت خطبتي. وعندما اقترب موعد الزفاف، عكفت على البحث عن وصفات لتبييض الكوعين والركبتين وتنعيم الشعر وإزالة شعر الجسد. شاركت مشيرتي النفسية بخوفي ألا يعجب جسدي زوجي. فأخبرتني أن جسدي هو جزء مني، فلا يمكن أختزل كل شخصيتي بأبعادها وأعماقها فقط في الجسد. تزوجت. لم أسمع من زوجي يومًا تعليقًا على تلك الأمور التي كان يخيفني منها والدي وزوجته. وبالعكس لم أسمع منه طوال زواجنا سوى كلمات الإعجاب. في البداية كنت أعتقد أنه يجاملني، ولكنني مع العشرة صدقته.
كيف ساعدتني الكتابة على الشفاء؟
الكتابة أيضًا كانت من عوامل شفائي. فقد شاركت بالكتابة في حملة “كل البنات حلوين” في مجلة “نون”. وهو ما ساعدني على تصحيح أفكاري عن الجمال، وقبول الاختلاف، وقبول نفسي. من المحطات المهمة أيضًا في رحلة تعافيّ ورشة في الكتابة عن الجسد. شجعتني على النظر إلي جسدي في المرآة، وتأمل تفاصيله ورؤية جماله.
خضعت للعلاج النفسي. واجتهدت في زيادة وعيي بنفسي، ومواجهة مشاعري وتصحيح معتقداتي والتصالح مع ذاتي. في إحدى ورش السيكودراما، شاركت إحدى الحاضرات عن ذكرياتها مع أبيها. كان بعضها مؤلمًا، وبعضها سعيدًا. دفعني هذا إلى استرجاع شريط ذكرياتي مع والدي، فلم أجد سوى الألم.
ذكرى التحرش: الضيف الثقيل يقتحم حياتي ويفسدها
طفت إلى السطح حادثة التحرش التي كنت قد دفنتها منذ 16 عامًا. تزامن ذلك مع مشكلة كانت تحدث مرارًا مع زوجي. لم أكن أطيق أن يلمسني لمسات غزل، فأنتفض وأدفع يده بعنف. كان يتعجب ويغضب. أنا أيضًا كنت أتعجب لماذا يضايقني ذلك. أليس زوجي؟ كان يخبرني أنني يجب أن أسعد برغبته في وإعجابه بي. كنت أجد كلامه منطقيًا. في المرة التالية التي كان يلمسني فيها، كنت أحاول أن أشعر بالسعادة، وألا أدفع يده أو أغضب. ربما كنت أنجح في ذلك مرة أو اثنتين، ثم أشعر وكأن جسدي ينتهك، فأشعر بالإهانة وأثور من جديد.
يبدو أنني عندما دفنت حادثة التحرش، دفنت معها جزءًا من مشاعري واحتياجاتي، وكأنني وأدت جزءًا مني. لم أكن أعبر عن رغباتي الجنسية أو أشعر بوجودها من الأساس، وكأنني خدرت جزءًا مني وصرت عاجزة عن الشعور به. بدأ زوجي يشعر أنني أرفضه ولا أبادله نفس المشاعر. حاولت كثيرًا إصلاح الأمر ولكنني فشلت. عندما طفت ذكرياتي عن حادثة التحرش إلى السطح بقوة، بدأت أفهم سبب مشاعري وسبب المشكلات مع زوجي. وتلك المرة، وعدته بأنني سأتخذ خطوات جدية لحل المشكلة.
رحلة التحرر من الخزي
حجزت موعدًا مع الطبيب النفسي، وبدأت العلاج. بدأت ألاحظ أعراض اضطراب كرب ما بعد الصدمة: الذكريات الاقتحامية للواقعة Flashbacks، هذا الضيف الثقيل الذي كان يزورني دون سابق إنذار في أي وقت وأي مكان، وأثناء العلاقة الحميمة مع زوجي. كنت سريعة الانفعال والاستثارة ومتوترة باستمرار، وكأنني أعيش على حافة جبل أخشى السقوط من فوقه. أخيرًا فهمت لماذا كنت أشعر بالغضب والإهانة والانتهاك والقرف. فهمت لماذا كنت أشعر وكأنني أرتكب خطيئة عندما أمارس علاقة طبيعية وطاهرة وممتعة مع زوجي.
كنت عاجزة عن تصديق أن والدي تحرش بي. وفي نفس الوقت كنت في حيرة لماذا أتخيل أشياء لم تحدث؟ وما تلك الصور التي أذكرها: الملابس، المكان، اللمسات؟ واصلت العلاج وأنا أتأرجح بين الشك واليقين بشأن ما حدث. لم تطش كفة الشك إلا عندما فوجئت أن أمي كانت تعرف بالأمر من مذكرات لي وقعت تحت يديها بالمصادفة وهي ترتب المنزل.
العلاقات الشافية
العلاج النفسي ساعدني على تفريغ المشاعر التي كنت وأدتها منذ تعرضت للتحرش، وعلى التخفف من مشاعر الخزي والذنب، والاعتقاد بأنني آثمة لأنني شعرت بمتعة أو لأنني لم أمنع ما حدث. ساعدني على رد تلك المشاعر لمصدرها الأصلي وفك الاشتباك بينها وبين علاقتي بزوجي.
زوجي أيضًا كان أكبر داعم لي. عندما أخبرته بالأمر، ظل على حبه واحترامه لي، وأكثر. تحمل تقلباتي المزاجية وسوء حالتي النفسية، وأحسن احتوائي. أمي أيضًا كانت خير داعم لي، عن طريق مساعدتي في أعمال المنزل والعناية بأبنائي، دون أن تضغط عليّ لتعرف ما بي. وقبل الجميع، فالله هو خير معين، فقد أنعم عليّ بأن هيأ لي ظروف التعافي، وسخر لي من يساندني في تلك الرحلة الشاقة. مرت الأيام ثقيلة حتى ظننت أن الحياة ستتوقف، أو تمنيت ذلك. ومع الوقت، بدأت أشعر بالتحسن حتى استعدت عافيتي النفسية. وانعكس ذلك ليس على علاقتي بزوجي فقط، بل أيضًا علاقتي بنفسي وأبنائي ونجاحي في العمل.
حاولت التواصل مع والدي بعد شهور من القطيعة، ولكنه لم يجب اتصالاتي. أرسلت له رسالة أخبره فيها عن مشاعري نحوه ونحو ما ارتكبه في حقي. لم أتلقَّ ردًا، ولم أتوقعه، ولكني بمجرد التعبيرر شعرت وكأن جبلاً زال عن صدري. لقد رددت إليه حمولته، ليبوء هو بإثمه الذي لا صلة لي به.
الله اللطيف شاهد على رحلتي
تعرضت وما زلت أتعرض للضغوط من الأهل والأقارب حتى أعاود الاتصال بوالدي. لا يعرفون سبب مقاطعتي له، ولا أشعر أنني بحاجة إلى إخبارهم. لا أنكر أنني أتأثر أحيانًا بحديثهم، ولكنني لا أريد أن أقوم بأي فعل بدافع الاضطرار والشعور بالذنب وإرضاء الآخرين. هل عليّ أن أعفو عمن أساء إلي؟ كيف يكون عفوًا إذًا إذا كان بالإجبار؟ الله حكيم، لا يطبق قوانين عمياء دون مراعاة لظروف البشر. يكفيني أن الله مطلع على قلبي وشاهد على رحلتي. رحلتي لم ولن تنتهي. وحتى وإن تعثرت أو توقفت أحيانًا، فإنني أستمر ولو بخطى بطيئة. وأشعر بالرضا نحو خطواتي وعن نفسي.