مقاييس الجمال عبر العصور والثقافات المختلفة

3078

سعي دائم وحثيث، وسباق لا ينتهي خلف الجمال، تخوضه النساء منذ القدم. على الرغم من أن القليل من التأمل في مقاييس الجمال عبر العصور وفي الثقافات المختلفة. تكشف لنا عن عبثية السعي خلف مقاييس وهمية، تختلف من زمن لآخر ومن مكان آخر. فقد حملت معايير الجمال للنساء أعباء ثقافية واجتماعية واقتصادية، تسببت في تغيرها وتباينها. ليصبح جسد المرأة مضمارًا لمعارك لا تخصها.. لم يكن جمال المرأة مفهومًا مجردًا، وفي مختلف الثقافات وعلى مدار العصور المختلفة سعت النساء وراء مختلف أنماط الجمال والتي كان بعضها شديد التطرف.

في إثيوبيا: الشفاه المشوهة من معايير الجمال

File:Etiopia - omo river valley DSC 2835 (15).jpg
الشفاه المشوهة عند نساء إثيوبيا

إذا توغلنا في القارة الإفريقية وتحديدًا على ضفاف نهر الأومو، حيث تعيش قبائل مورسي وسورما، سوف نجد النساء تثبِّت أقراصًا دائرية مصنوعة من الخشب أو الطين منذ الطفولة، لتتمدد عليها الشفاة متخذة شكل القرص، ويتم استبدال القرص كل فترة بقرص أكبر، قد يصل قطره حتى 20 سم. قد تضطر المرأة للتخلي عن أسنانها من أجل تثبيت القرص، وفي النهاية تتحدد مكانتها المجتمعية، وقيمة المهر الذي تحصل عليه بحسب حجم شفاهها. يفترض بعض الباحثين أن هذا التقليد بدأ بغرض تشويه النساء للهروب من العبودية، لكن بمرور الزمن أصبح ضمن علامات الجمال التي تضطر النساء للسعي لها.

في تايلاند: الرقبة الطويلة.. الطويلة جدًا!

Asian women with long necks in Thailand
الرقبة الطويلة في قبائل تايلاند

تغازل الكثير من الثقافات الرقبة الطويلة لدى النساء، معتبرة إياها من علامات الجمال.. لكن قبيلة الكايان في تايلاند تبالغ بعض الشيء، حيث تضع الفتيات لفائف من النحاس حول العنق منذ عمر خمس سنوات، بهدف تطرية العظام في سبيل الحصول على رقبة طويلة. ولا تخلع سوى كل 10 سنوات.

لبشرة أكثر بياضًا: من الممكن أن تفقدي حياتك!

تحاصرنا إعلانات كريمات تفتيح البشرة، ارتبط الأمر في البداية بدلالته الاقتصادية والاجتماعية، فالفتاة فاتحة البشرة هي التي تبقى في المنزل ولا تضطر للخروج والتعرض للشمس. لكن يبدو أن البقاء في المنزل لم يكن كافيًا للنساء أيضًا في أوروبا حتى أوائل القرن العشرين.. لجأت النساء لوضع دود العلق لكي تمتص الدماء من وجوههن، وتمنح بشرتهن هذا المظهر الشاحب. أصابهن هذا الإجراء بالوهن والدوار، فلجأت النساء لاستخدام مسحوق من الرصاص المطحون المخلوط بالخل، والذي ثبتت سميته، حيث أدى لحدوث حالات وفاة لعل أشهرها كونتيسة “كوفنتري” في إنجلترا “ماريا جونينغ” التي توفيت عن عمر يناهز 27 عامًا.

يا للرموش يا سهام  قوية

سهام، وسيوف وأسلحة فتاكة، هكذا وصفت القصائد والأغاني الرموش الطويلة. حكت لي صديقة عن موقف محرج تعرضت له، حينما كانت تتناول الغداء مع خطيبها، وأذابت الحرارة صمغ الرموش الصناعية، لتسقط رموشها أمامه في طبق الحساء. يرسل لي الكوافير  بشكل أسبوعي عرض تركيب الرموش “واحدة بواحدة”، ويعدني العرض ألا تسقط رموشي في طبق الحساء الساخن. أما إعلانات الماسكارا فتعدني برموش أكثف وأطول من طبقة واحدة.

في عام 1882 حاولت بعض النساء في باريس خياطة شعر بشري في جفونهن، بواسطة إبرة للحصول على مظهر رموش كثيفة، وذلك على الرغم من الخطورة والألم الذي تعرضن له. وذلك حتى اخترعت الرموش الصناعية في أواخر عام 1902 والتي ابتكرها مصفف شعر ألماني. لكن الصمغ المستخدم في لصقها لم يكن آمنًا تمامًا. حيث استخدمتها الممثلة “سينا أوين” خلال تمثيل فيلم “إنتوليرنس”، وقد أدى اللاصق المستخدم للصق الرموش إلى تضخم عينيها بشدة وتورمهما.

في الصين: من علامات الجمال كعب الغزال.. حرفيًا

ربط القدم

حتى كعب القدم لم يسلم من القولبة. وبينما في أغنية محمد رشدي هو كعب الغزال المتحني بدم الغزال، ظهرت في الصين ممارسات تقليدية لربط أقدام الفتيات بهدف قولبتها وتقليص حجمها، بحيث لم يكن متوسط حجم القدم يزيد عن 13 إلى 14 سم. بالإضافة للتشوهات الحادة. أدت هذه الممارسة لصعوبة الحركة والمشي، وهو ما يبدو أنه كان هدفًا خفيًا لهذه الممارسة، في بعض الحالات حدثت تشوهات حادة في الأقدام، وصلت إلى بتر الأصابع، وكذلك في الوركين والعمود الفقري. ورغم ذلك استمرت هذه الممارسة  حتى عام 1928 حيث أعلنت حكومة الصين الوطنية أن ربط القدم  ضار بصحة الأنثى، ولم يتم حظر هذه الممارسة حتى عام 1949.

ابتسامة هوليوود: الأسنان البيضاء والسوداء

أشاهد النجوم في الأفلام وألاحظ بياض الأسنان البراقة التي تكاد تعمي الناظر إليها. أسنان متناسقة تمامًا بلا أي نتوء، مرسومة بالمللي. هذه هي هوليوود سمايل أحدث صيحات الجمال فيما يخصص الأسنان. الرومان أيضًا أحبوا الأسنان البيضاء حتى أنهم استخدموا الأمونيا الموجودة في البول لتبييضها.

لكن الأمر لم يكن هكذا دائمًا فقد شاعت موضة الأسنان السوداء في اليابان حتى القرن التاسع عشر، واعتادت النساء على طلاء أسنانهن بصبغة سوداء تصنع عن طريق خلط جوز الأرض وحمض الخليك والحديد. إلى أن تم حظر هذه الممارسة من قبل الحكومة اليابانية في سبعينيات القرن التاسع عشر.

كما لاقت الأسنان السوداء رواجًا في إنجلترا، لكن لأسباب أخرى، حيث زادت نسبة تسوس الأسنان لدى الأثرياء بعد إدخال تجارة السكر، والذي كان الأثرياء وحدهم القادرين على دفع ثمنه لتصبح الأسنان السوداء المسوسة دليلاً على الثراء. حتى أن البعض قاموا بطلاء أسنانهم باللون الأسود لجعلها تبدو مسوسة.

عود البطل: ما هو الوزن المثالي وشكل الجسم

تحملت صورة جسد المرأة أحمالاً اقتصادية واجتماعية أيضًا، ربما يمكننا تتبعها عبر تتبع مقاييس جمال نجمات السينما وعارضات الأزياء.

في العشرينيات: إخفاء بروزات الصدر

في عام 1920 حصلت النساء على الحق في التصويت في الولايات المتحدة الأمريكية. واقتحمت النساء سوق العمل خلال الحرب العالمية الأولى. ارتدت النساء حمالات صدر تسطح أثدائهن، وقل التركيز على إبراز الخصر والمنحنيات الجسدية.

من الثلاثينيات وحتى الخمسينيات: جسد شكل الساعة الرملية

أصبح شكل الساعة الرملية معيارًا مثاليًا للجمال. وهو ما اتضح في موديلات الملابس، التي عززت هذا المظهر. فظهرت الأكتاف المبطنة، والخصر المشدود باستخدام المشد، مع التنانير الواسعة لتعزيز شكل الساعة الرملية. ولعل النموذج الأبرز هو نموذج مارلين مونرو.

الستينيات: الجسد الطويل والنحيل هو الأفضل

في الستينيات اقتحمت النساء أسواق العمل بشكل أكبر، وازدادت الأصوات المنادية بالمساوة، أثر ذلك على الموضة بشكل كبير، وظهرت التنانير القصيرة من الشكل A. والتي تأتي بقصة مستقيمة. فتغير نوعَ الجسم المثالي من مليء بالمنحنيات الأنثوية إلى طويل القامة ونحيل.

الثمانينيات: القوام الرياضي

مع تركيز العديد من النجمات مثل جين فوندا على التمارين الرياضية، والرغبة في التمتع بجسد رشيق، أصبح الجسد المثالي في هذا العصر، وهو القوام الطويل النحيل والرياضي.ومن أبرز النماذج العارضة سيندي كراوفورد.

الألفية الثانية: الجمال أكثر تعقيدًا

منذ بداية القرن الحادي والعشرين، يبدو وكأن معايير الجمال تزداد تعقيدًا، فهناك رسائل تحيط بنا من كل اتجاه، علينا أن نكون نحيفات، لكن بصحة ولياقية جيدة نثبتها عبر “سيلفي الجيم” بشكل شبه يومي. نحتاج إلى بعض الاستدارات التي تضمن لنا لقب كيرفي، لكن مع بطن مشدود ومسطح تمامًا ووسط صغير. ولتحقيق هذا هناك العديد من الوسائل، بداية من فلاتر سناب شات، وليس نهاية بعمليات التجميل المعقدة والتي يشكل بعضها خطورة حقيقية على حياة النساء، وتتركهن في حلقة مفرغة لا تنتهي من الشعور بعدم الرضا، عن جمال يشبه السراب لا يمكنهن الوصول له.

مصدر: historycollection.com

المقالة السابقةتأثير التحرش الجنسي على علاقتنا بأجسامنا
المقالة القادمةرحلة التحرر من خزي التحرش: جسدي ليس خطيئة

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا