تاريخ حمالة الصدر واختلاف أهميتها بين الشعوب

3340

من المشاهد المعتادة خلع حمالة الصدر حين العودة للمنزل والتنفّس بعمق، بعد ساعات طويلة من ارتدائها وتقييدها للأنفاس. لكن هل فكرتِ في الحمّالات وتاريخها أو تطوّرها؟ هل حمّالات الصدر مهمة؟ صاحبات المقاسات الصغيرة لن يستطعن العثور بسهولة على ثياب تلائمهن ما لم يرتدين حمّالات مناسبة، وصاحبات المقاسات الكبيرة يحتجن لدعم الصدر كي لا يشعرن بالألم وعدم الراحة في حياتهن اليومية. وبناءً على هذا، لو فهمت السيدات، خصوصًا البنات في مرحلة المراهقة، كيفية عمل حمّالات الصدر أو البرا، بشكل صحيح، ستشعر برضا أكبر عن شكلها، وبقدرتها على اختيار الملابس الملائمة لها. حيث يمكنكِ حلّ العديد من المشكلات المتعلقة بالثياب باختيار حمّالة الصدر المناسبة.

تاريخ البرا عبر العصور

القرن الرابع الميلادي: أول حمالة صدر

مثل العديد من الأمور المرتبطة بالنساء، فقد تطوّرت حمّالات الصدر بتطوّر أدوارهن وتقدّم حركة التاريخ. لا يُعرف على وجه التحديد متى نشأت أول حمّالة صدرية. لكن أول ظهور لحمّالة الصدر كان في القرن الرابع الميلادي، في جدارية تعود للحضارة المينوية في جزيرة كريت. كانت تُدعى “أبوديسموس”، وهي عبارة عن شريط من الصوف يحيط بالصدر ويغلق من الظهر بدبابيس.

الكورسيه من عصر النهضة لأوائل القرن العشرين

حمالة الصدر

مشد الصدرظهر الكورسيه الذي كان أساسيًا لدى سيدات البيوت الراقية، وعَمِل على تشكيل كل النساء بصورة واحدة. فمثلًا على مدار القرن الثامن عشر، صُنعت الكورسيهات من عظام الحيتان أو غيرها من موادّ صلبة، لتتخذ أجسام السيدات شكل القمع المقلوب لتدفع الصدر لأعلى وتُبرز مدى صغر الخصر. كانت تلك الكورسيهات قاسية على النساء، تمنعهن من الحركة وتدفعهن للجلوس باستقامة في كل الأوقات بلا استناد إلى ظهر كرسي، بل وتمنعهن من التنفس بشكل طبيعي في بعض الأحيان. ومع ذلك، كان عليهن الانتظار لمطلع القرن العشرين حتى يستطعن التخلّص منه.

أول براءة اختراع في 1914

حصلت ماري فيلبس جاكوب (أو كاريس كروزبي) على براءة اختراع حمّالة الصدر المعروفة حاليًا، بعدما صنعت واحدة بحياكة منديلي جيب وعدة شرائط معًا، لترتديها أسفل فستان سهرة. ودخلت بعدها كلمة Brassiere أو اختصارًا Bra للقواميس الإنجليزية. لكن ذلك التصميم لم يحظ بنجاح تجاري فوري للأسف.

تأثر البرا بالحرب العالمية الأولى

أجبرت الحرب العالمية الأولى صُنّاع الملابس على التوقف عن تزويد الكورسيهات بأشرطة المعدن، حيث أصبحت المعادن شحيحة لحاجتهم إليها في المجهود الحربي.

موضة إخفاء الصدر في العشرينيات والثلاثينات

حمالة الصدر
موضة إخفاء الصدر

كان الشكل الجمالي المُحتفى به للصدر هو الذي يُخفي تكوّراته، بحيث إن موضة الثياب السائدة وقتها كانت الفساتين المنسدلة بحرية، بلا خياطة مُعيّنة أو حَردة عند الصدر، ما جعل الحمّالات المنتشرة تضغط على الثديين لتخفيهما لتتماشى مع تلك الموضة.

صدرية مارلين مونرو

انتشرت الصدريات التي تتخذ الشكل الهرمي أو “Bullet Bra”، وساهم في ذلك ارتداء الممثلات لها، ليس فقط في هوليود (أشهرهن مارلين مونرو)، بل أيضًا في السينما العربية.

ظهور الصدريات الخفيفة والرياضية

حمالة الصدر

الصدرية الخفية، “no bra”اختُرعت الحمّالات التكميلية التي ترتديها المتعافيات من عمليات استئصال الثدي، وبعد نزول المرأة للعمل في أثناء الحرب العالمية الثانية، ذاع ارتداء حمّالات الصدر بأنواع مختلفة، وصولًا للستينيات حيث حركة الهيبيز التي لم يهتم أفرادها كثيرًا بالصدريات، إلى أن توصّل المصمم رودي جيرنرايش لصنع الصدرية الخفية، “no bra” والتي كانت إنجازًا في وقتها، لأنها مصنوعة من النايلون وبلا أي هيكل محدد أو أشرطة من المعدن، ولا تحتاج إلى مجهود كبير في الغسيل، في زمن لم تُخترع فيه بعد الغسّالات الكهربية. وفي 1977 جاءت الصدرية الرياضية التي نعرفها اليوم، والتي توّفر دعمًا كبيرًا للثديين في أثناء ممارسة الرياضة.

• وصولًا لعصرنا الحالي، حيث توجد أنواع كثيرة من حمّالات الصدر، بدلًا من نوع واحد مفروض مُسبقًا على النساء. والكثير من تلك التصميمات تضع الراحة والاتسام بالعملية في الاعتبار.


حمّالة الصدر لأول مرة: ما شعورك وقتها؟

البرا لأول مرة حَدَثًا كبيرًا بالنسبة للبنات والمُراهقات، قد يكون مدعاة للفخر أو الابتهاج لأنها قد أصبحت آنسة كبيرة، أو للخجل والرغبة في التخفّي، خصوصًا لو أحاطت الأم أو الأسرة تلك المناسبة بمظاهر احتفال أأو ضغط، مما قد يحرج الفتاة. فقط ضعي في اعتبارك أن ارتداء الصدريات محطة ضرورية في حياة كل سيدة، فلا داعي للقلق بشأنه أو المبالغة فيه.

احترام خصوصية البنات في هذه المسألة أمر ضروري، فلا يُفضّل اصطحاب الأخوات أو الأقارب عند شراء حمّالات الصدر لأول مرة، ولو شعرت بالإحراج من تجربتها أو قياسها في المحل من الأفضل شرائها دون اصطحاب ابنتكِ. ولا تنسي شراء حمّالة رياضية لارتدائها في حصص التربية الرياضية أو وقت التمرين.

في أي سن يجب ارتداء حمالة الصدر؟

من الشائع السؤال حول السن التي ترتدي فيها البنات البرا لأول مرة.. لا يوجد عُمر معيّن يجب عنده إضافة قطعة الملابس تلك لدولاب ابنتك، حيث إن عُمر البلوغ يختلف من فتاة لأخرى. المهم فقط احترام رغبة الفتاة إذا أرادت ارتداءها وعدم معارضتها، وتهيئتها نفسيًا لسن البلوغ وما يترتّب عليه من تغييرات.

هل من الضروري ارتداء حمّالات الصدر؟

1- أضرار ارتداء حمالة الصدر

من أكثر الشكاوى شيوعًا لدى السيدات التذمّر من ارتداء حمّالات الصدر، سواء كُنّ مُراهقات يرتدينها لأول مرة أو صار لهن سنين معها، لا فارق. فماذا عن ارتدائه طيلة الوقت؟ أشارت بعض الدراسات إلى أنه من الضار ارتداء حمّالة الصدر في أثناء النوم، لأن هذا يمنع تدفق الدم للعُقد الليمفاوية الموجودة في الثديين، مسببًا المشكلات الصحية فيما بعد. هناك اعتقاد شائع بأن النوم بالحمّالات مفيد لأنه يمنع ترهّل الثديين، لكن هذا الاعتقاد خاطئ، إذ يتغيّر شكلهما تبعًا للعُمر والهرمونات وغير ذلك من العوامل. كما يمكن منع الترهّل بطرق أخرى مثل ممارسة الرياضة.

2- أضرار عدم ارتداء السوتيان

على الرغم من وجود الحركة العالمية لعدم ارتداء الصدريات Bralessness، فقد انتشرت في الفترة الأخيرة التي تميّزت بملازمة المنزل الإجبارية بسبب فيروس كورونا، التساؤلات حول ما إذا كان من الخطأ قضاء كل تلك الأشهر بلا حمّالات صدر، خصوصًًا لمن اعتدن ارتداءها حال الخروج فقط. وعلى الرغم من الإحساس بالراحة الملازم لتلك الحُريّة، فإن عدم ارتداء الحمّالات لفترات طويلة، خصوصًا لصاحبات المقاسات الأكبر، آثارًا غير سارة. فنتيجة لطبيعة تركيبة الجسم والعضلات، فإن عدم وجود دعم للصدر يسبب تدوير الكتفين وإمالتهما لأسفل، مسببًا آلامًا في الرقبة وأعلى الظهر. لذلك من الضروري الاعتدال في كل شيء، حتى في ارتداء البرا. كما يُنصح دائمًا بممارسة التمارين الرياضية التي تعمل على تقوية عضلات الجسم المختلفة.

3- هل البرا ضرورية داخل المنزل؟

لا يوجد قاعدة محددة في هذا الشأن، فلو أن ارتداءه مريح لكِ ويجعل حركتكِ في المنزل أكثر سهولة فإنه يصبح عمليًا، أما لو أعاق حركتكِ أو سبب لكِ آلامًا أو التهابات خصوصًا في الصيف، واستطعتِ تأدية مهامك من غيره، فيمكنكِ الاستغناء عنه. القرار في النهاية يعود لكِ.

حمّالة الصدر: كيف تكوّنت صورتي عن جسمي؟

تظل علاقة الإنسان بالأمور حيادية إلى أن يأتي مَن يخبره بأن هذا خطأ أو ذاك مدعاة للخجل. لذلك، من الضروري أن تخبري ابنتكِ بأن ارتداء حمّالات الصدر ليس أمرًا مُخجلًا، بل هو مرحلة ضرورية وعادية في حياة المرأة. علميها أيضًا أساسيات التعامل مع الحمّالات مثل كيفية غسلها والاعتناء بها، والأنواع الملائمة للمناسبات المختلفة، وهكذا. لا تدعيها تأخذ صورتها عن جسمها وشكلها وهي ترتديها لأول مرة من معلومات مغلوطة، أو تتعرَض لتنمّر الأقران في المدرسة أو خلافه، بل اجعليها تشعر بالثقة في نفسها وشكلها كي تتخطّى المراهقة بأكبر قدر ممكن من الدعم والحب.

اختلاف نظرة المجتمعات لحمّالة الصدر

تتسم نظرة بعض المجتمعات للصدريات بالعملية والصرامة، مثلما في اليابان حيث يوجد قانون يفرض على السيدات ارتداءها في المباني التي يوجد بها مكيّفات للهواء. وقد تتسم بمحاولة فرض السُلطة والقمع، مثلما حدث في إيران منذ عامين حيث اعتقلت شرطة الأخلاق سيدة لعدم ارتدائها مشدًا للصدر بزعم أنها تنشر الفساد بين الناس. أو في الصومال، حينما عاقب “تنظيم الشباب الجهادي” السيدات اللاتي ارتدين البرا بالضرب، لأنهن من وجهة نظرهم يتشبّهن بالغرب.

هل لكل السيدات نفس النظرة نحو حمّالات الصدر؟

كانت الفتاة 1، ولنقل إن اسمها “سناء”، ترفض تمامًا كونها أنثى، لأنها لم تكن تريد الدخول في قالب المرأة التقليدي بكل ما يتضمنه. وتمثّل ذلك الرفض في معارضة ارتداء حمّالات الصدر والثياب الأنثوية، على الرغم من ضغط أهلها المستمر عليها. ظلت تُعارض إلى أن مُنعت من الخروج من المنزل، فاضطرت في النهاية لارتدائه. واتّسمت الفتاة 2، “حسناء”، منذ الصغر بالطول والنحافة، تعرّضت للتنمّر من قريباتها لتحشو مقدّمة ثيابها بالقطن أو ترتدي طبقات ملابس أكثر، وبعد سن البلوغ زاد الأمر للدفع في سبيل العلاج الهرموني أو عمليات التجميل أو النفخ المختلفة.

الفتاة 3، “جميلة”، جاءت من عائلة اتسم أفرادها بامتلاء الجسد، ففرضت عليها والدتها منذ الطفولة ارتداء كورسيه يضم الجذع كله، خوفًا من امتلاء جسمها وألا تجد عريسًا ملائمًا لها حينما تكبر. ولذلك كانت ممنوعة من ركوب الدراجات أو الركض أو حتى اللعب في الشارع، لأنها لا تستطيع التنفس ولا الحركة، ولا حتى النوم بشكل جيّد. ماذا يمكن أن تكون صورة كل من هذه الفتيات عن جسمها وشكلها، نتيجة لهذا؟ هل ترين جسمكِ جميلًا أم معيوبًا؟ ومَن حولك، هل لهم الرأي نفسه؟

هل شكل الصدر أهم من الشعور بالراحة؟

يبدو أن الإجابة نعم، حيث ينتشر التنمّر على الصدور ذات الأحجام الصغيرة والكبيرة معًا، وكثير من السيدات صاحبات المقاسات الكبيرة يسعين لشراء حمّالات لتصغير حجم الصدر كي يجعلن مَن يتحدث إليهن ينظر لأعينهن وليس لصدورهن، مهما سبّب لهن ذلك من آلام أو ضيق في التنفس أو غيره من الأمور. وعلى العكس من ذلك لدى بعض العائلات، حيث يكون حجم الثديين الكبير دليلًا على الأنوثة والخصوبة، فيرفضن أن ترتدي بناتهن حمّالات للصدر رغم وصولهن لسن البلوغ وحاجتهن الواضحة لذلك.

عائلات أخرى تُرغم بناتها على ارتداء المشدّات منذ سنّ صغيرة، كي لا تظهر أجسامهن وتُصبح مجلبة للفضائح. وعامة في المجتمعات المحافظة يُصبح المشدّ شرًا لا بدّ منه، ضروري للاحتشام لكن ليس من الأدب أن تشعر مَن ترتديه بالرضا عن نفسها أو شكلها، بالتالي من غير المسموح لها أن تشتري أنواعًا معيّنة أو من أماكن معيّنة أو بسعر عالٍ. إن له وظيفة محددة ومن الأفضل التظاهر بأنه غير موجود أصلًا.

أيًا كان الأمر، عليكِ أنتِ أن تختاري كيف تنظرين للمسألة كلها: هل حمّالة الصدر مجرّد قطعة ملابس بلا أهمية، لذلك لن يهم المقاس أو الخامة؟ هل هي مهمّة لضبط شكل الثياب الخارجية وجعلها تبدو أكثر أناقة؟ هل هي مهمة لراحتك؟ للتمارين الرياضية؟ هل تعطيكِ ثقة بنفسك وتجعلك تشعرين بأن ما دام صدركِ يحظى بالدعم الكافي، فيمكنكِ أن تؤدي كل أعمالك ومهامك؟

وخِتامًا..

عبر العصور المختلفة، تطوّرت حمّالات الصدر من أداة تُعيق التنفس وتجعل المرأة تجلس في وضع ثابت طيلة اليوم، إلى قطعة ملابس أكثر عملية تتيح لها حرية الحركة والانتقال والترّيض والعمل وأداء مختلف المهام كيفما تحب. وأيضًا أتاحت لها الشعور بالرضا حيال نفسها وشكلها لدى حضور مناسبة مهمة أو الذهاب للعمل، أو بعد التعافي من معركة صعبة مع سرطان الثدي. واعلمي أخيرًا أنه من المهم في هذا الموضوع شكلكِ وإحساسكِ أنتِ بالراحة، وليس أي حسابات أخرى.


مصادر

artsandculture

theexploresspodcast

refinery29

www.vam.ac.uk

artsandculture

المقالة السابقةنحيفة وبشعر لا يطول وأحب نفسي وابنتي
المقالة القادمةالتصالح مع الجسد: أهم صعوباته وخطوات تحقيقه

1 تعليق

  1. You actually make it seem so easy with your presentation but I find this topic to be actually something which I think I would never understand. It seems too complex and very broad for me. I’m looking forward for your next post, I’ll try to get the hang of it!

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا