الزواج ليس نهاية طريق الأحلام

1121

شهر مر على الزواج. زواجنا كان أشبه بالحلم، ليس فقط لجماله وهدوئه وتأثيره على سلامي النفسي، بل لأننا مررنا بالكثير من المعاناة حتى نصل هنا، لهذه اللحظة من الزمن، حيث أقف في مطبخي الصغير الممتلئ بالألوان، والشرفة المتصلة به المطلة على الباحة الخلفية لمنزلنا، حيث إذا دققت النظر للأسفل، ترى زهرة ريحان صغيرة.

أتأملها كل يوم بإعجاب لهذا الصمود، في ظروف لا تواتي حتى الصبار لينمو، لكنها تفاجئني، وتظل هناك، وتذكرني بأيام بعيدة رغم قربها وثقلها على كاهلي، حيث كان الجميع يرى زواجنا محتوم الفشل، وسعينا لإنجاحه درب من الخيال، الجميع بمعنى الجميع، كلتا العائلتين والأصدقاء وحتى الزملاء، الذين رأوا فينا رجلاً مريبًا وفتاة لا تعرف مصلحتها جيدًا، ومع ذلك، كنا كتلك الريحانة، تكافح لتشق طريقها في الأسمنت الصلب، ولتظل محتفظة برونقها في الإضاءة الضئيلة ومياه الغسيل أو الأمطار الخفيفة كمصدر للماء.

الزواج ليس كل القصة

انقسموا كثيرًا في آرائهم حول أسباب فشل هذا الزواج، لكن اتفقوا جميعًا أنه لن ينجح، خصوصًا من ناحيتي، الفتاة ذات اللغة العربية المقعرة في أغلب مقالاتها التي تكتبها في صفحتها على فيسبوك أو مواقع أخرى، تتشدق دائمًا بحرية المرأة وبمصطلحات يرون أنني لا أفهمها، الأبوية، الهيمنة الذكورية، القيود، ها هي تسير في نفس المصير، تتزوج، بعد كل الحديث عن تحقيق الذات والبحث عن الكيان وعن ترتيب الاحتياجات الإنسانية في هرم ماسلو، وكيف أن للإنسان الحاجة في الشعور بالتقدير وبالرغبة في تحقيق النفس، ها هي تتخلي عن كل هذا من أجل “عريس الغفلة”، فجعلوني عبرة، وأصبحت مثلاّ يُحتذى به في التجمعات العائلية التى لطالما كرهتها، وتوالت المباركات المحفوفة بأعين الشماتة لأمي، قائلين “ألم نقل لك هتكبر وتعقل؟! ستتزوج، وستنسي كل هذا الحديث الأبله الذي خربت به على بناتنا، ألم نقل لك الفتاة مصيرها -مهما فعلت- لبيتها وزوجها؟”.

حقيقةً لم أفهم متى أخبرتهم أنني عازفة عن منظومة الزواج، أو متى عبرت لهم عن استيائي منه، كل ما كنت أقوله لهم إن الزواج ليس نهاية الحياة، ليس الهدف الأسمى الذي يجب أن نبذل أنفسنا بالكامل من أجل تحقيقه، أو “نشد حيلنا” كما تخبرنا فئة “الطنطات”، هو ليس كل القصة، بل مجرد جزء منها، وباقيها يكمن سره في أن نختار كيف نحكيها.

الست لبيتها وجوزها

نعم.. لقد تزوجت، لكني لا أرى في هذا انتهاء لأي شيء بدأته، أو أي حلم سعيت لتحقيقه، بل أرى أنه خطوة على الطريق، أمدتني برفيق قادر على أن يريني الأشياء بمناظير مختلفة، وقادر على تشجيعي حين تهبط عزيمتي، بدون نقد غير بنّاء، وبدون تعليق كل المسؤوليات على كتفي بما يرهق ساعدي. رفيق يشاطرني الأشياء كلها، لأنه يدرك أن كلينا صنع هذا البيت. ومن ثم فإن متطلباته تقع علينا معًا. وضع الغسيل في الغسالة، نشره وتطبيقه، غسل المواعين التي أكرهها بشدة، التنظيف الذي لا ينتهي أبدًا والذي أظن أن أغلب النساء يفنين أعمراهن فيه.

مع الأسف، في مجتمعنا ترتبط مسؤوليات المنزل بالمرأة وحدها، حتى أن أغلب الإعلانات التليفزيونية تخاطب المرأة وحدها حين يتعلق الأمر بأدوات الطهو والمنظفات بأنواعها، والمنتجات الخاصة بالأطفال، دائمًا ينحصر الخطاب ليكون موجهًا للمرأة فقط، باعتباره الدور الاجتماعي الذى خُلِقت من أجله، في حين أن نفس هذه الإعلانات في البلاد الأجنبية تخاطب أفراد الأسرة جميعهم، باعتبارهم مسؤولين كلهم عن الأعباء المنزلية، حيث يتشارك كل من الرجل والمرأة في الاهتمام بالأطفال، أو تنظيف المنزل، وحتى إعداد الطعام، كل هذه واجبات يتشاركها من صنعوا هذا البيت معًا، ليستطيع كل طرف أن يأخذ قسطه من الراحة، أن يقف في سباق الدنيا اللاهث ولا يضطر للجري خلفه، باحثًا عن أولوياته.

هكذا يتسني لي الوقت للمطالعة والقراءة، وكتابة المقالات أو الانهماك في التحضير لرسالة الماجستير، التي أظن أنها لا تنتهي أبدًا، هكذا تلوح لي فرص التعلم، لأعرف عن نفسي الكثير، ولأضيف الجديد لرصيدي في الحياة، غير عابئة بتابوهات الزواج التقليدية، التي تحبسنا كسيدات في عالم لا نهائي من شغل البيت، وتجعلنا نسعى للكمال في تلبية احتياجات الآخرين، دون أن ننتبه لاحتياجاتنا، لإشباع أرواحنا بالرغبة في المواصلة لاستكمال روتين الحياة، الذي يأخذ منها يوميًا قطعة جديدة.

اللي اتعلموا عملوا إيه؟!

لم تكتفِ هذه القوالب والتابوهات -الخاصة بوضع المرأة بعد الزواج في كونها غير قادرة على مواصلة التعلُم- بتحديد دورها فحسب، بل خلقت نماذج من النساء ممن تزايدن على غيرهن من راغبات التعلُم والتجديد والسعي خلف الأحلام، فنرى الأم والخالة وشلة الطنطات، بل وأحيانًا الصديقات المتزوجات من “السوبر ماميز”، تدفعن الراغبات في البحث عن ذواتهن بالتعلُم إلى الإحباط، بالكلام السلبي عن إهمال الأطفال، وأن من الأولى تلبية رغبات الزوج والأولاد، والتضحية بالذات في سبيل البيت، فكل هذا أهم كثيرًا من رغبتها في حضور محاضرة عن المسرح أو الرياضيات أو حتى الكروشيه، لأن “اللي اتعلموا عملوا إيه؟!”.

فنحن تربينا على نموذج أمينة رزق أمًا، حيث الأم التي تضحي بكل شيء حتى نفسها، من أجل الأطفال والزوج، وتفني حياتها في سبيلهم، حتى إذا كبروا لم يعد لها شيئًا، لم تحقق شيئًا لذاتها، وكأن هذا هو هدف ورسالة الزوجة والأم الأسمى.

كوني ذاتك

كوني ربة منزل رائعة إن كان هذا اختيارك، تعلمي طريقة صنع أوزة من الفوط، اجعليهم يتحاكون بالمسقعة التى تعدينها، تذكرى جيدًا اسم مدرسة الإنجليزية وميعاد كورس الرياضيات وتدريب السباحة، كوني أمًا وزوجة رائعة، لكن لا تبخسي نفسك قدرها، وإذا اخترتِ أن تتعلمي شيئًا جديدًا لا تخجلي من طلب وقت خاص بك، اطلبي مساعدة شريكك في المسؤوليات لأن هذا واجبه، ولا تجعلي الكلام السلبي عن مدى تأخرك في تعلم لغة أو مهارة أو حتى الالتحاق بورشة كتابة سيناريو أو تصميم الملابس محط اهتمامك.

أما إن كنتِ مثلي، ممن لا يرون في ربة المنزل مبتغاهن، فلا تشعري بالذنب، حبك لأفراد أسرتك سيُرى في اهتمامك بالتفاصيل البسيطة، ليس عليكِ أن تطهي ما لذ وطاب وأن تنظفي البيت ثلاث مرات يوميًا، فنحن نعيش في بيوتنا، لا لها. وسواء كنتِ هذه أو تلك، كوني ذاتك، واعلمي أن ليس عليكِ أن تكوني امرأة خارقة أو كاملة.

في الأساس لا شيء يصل إلى الكمال، عليكِ فقط أن تحبينهم حقًا، وأن تعلميهم أن يحبونك بطريقتك وليس بطريقتهم، فيفسحون لكِ المجال ويساعدونك على معرفة ذاتك، لا أن يلومونك على اتباع شغفك لآخر العالم. وإن لم تنجحي في هذا فلا تكُفي عن محبتهم بصدق، وستشعين بهجة وطاقة إيجابية لنفسك ولكل من حولك.

نهايةً: كل شيء سيتحدد وفقًا لهذا الحب، حتى وإن كان أشهى ما تطهينه هو المكرونة والبانية، خصوصًا إن كانت إكسترا محروقة!

اقرأ أيضًا: خدعوك فقالوا: الجواز مشاركة

المقالة السابقةكيف تحصل على الأسرة السعيدة وما هي أسباب سعادتها
المقالة القادمةالعلم والمعرفة في مقابل كليات القمة ومجموع الثانوية
صحفية وكاتبة مصرية.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا