أستيقظ كل صباح على أمل أن ينتهي هذا الكابوس الذي يطوّق أعناقنا ويسمى كوفيد 19 ، أن تعود الأمور كما كانت قبل الرابع عشر من مارس 2020، مع مرور الوقت واستجلاب القدرة على التأقلم، كان عليَّ أن أواجه مهامي العادية كأم في توقيت ليس عاديًا على الإطلاق، لست وحدي، ولن أكون اليوم بطلة سطوري التالية، سألعب دور الراوي لحكايات أمهات كان عليهن مواجهة مخاوف الأمومة ومتطلباتها يوميًا، وهن يحملن بداخل أجسامهن عدوًا خفيًا يسمى فيروس كورونا ، كيف احتضنّ صغارهن أحضانًا افتراضية وتلون عليهم حكايات قبل النوم دون قبلة الجبين المقدسة، كيف أرسلن لمسات حانية تطمئن الصغار في عز احتياجهن للأمان وشبح الخوف يجلس على أكتافهن بثقل، كيف واجهن أمومتهن ومرضهن في آن واحد، وتغلبن على الأخير بشجاعة.
أمهات في زمن كورونا
لسنا الآن بصدد عرض كيف تغلبت الأمهات على ملل الصغار من الحظر المنزلي، ولا حتى تحوُّل الأم للمعلمة المنزلية أو لأم عاملة من المنزل، تعتني بالجميع في نفس اللحظة وإن كان بهم مرضى أو أطفال، ولكن، أن تكون هي نفسها مصابة بكوفيد 19، لأن الأمهات لا يملكن رفاهية المرض أو اليأس أو الانهيار، كُتب عليهن المقاومة دائمًا لأجل الصغار، فيما يلي حكايات 3 أمهات، استطعن أن يجعلن من الأمومة لقاحًا أو ربما علاجًا فعالاً لكوفيد 19.
“أمنية” وحدوتة قبل النوم
كان ياما كان.. كان فيه ولد وبنت إخوات من الشجعان، بيناموا في أوضتهم لوحدهم، وكأن حضن ماما بيضمهم
أحيانًا أشعر أنهم مرّوا كـ14 عامًا وليس 14 يومًا، هكذا قالت “أمينة”. أم لطفلين في سنوات الدراسة الأولى والحضانة، تخبرني كيف انعزلت عن الصغار 14 يومًا دون وجود الزوج، لأول مرّة في حياتهما منذ الولادة، بحكم عمل الزوج وسفره، بينما كانت وسيلة التواصل الوحيدة لتحفز الصغار على النوم بمفردهم مساءً هي حكايات قبل النوم من خلف باب الغرفة، خوفًا أن يؤذيهم حضنها وأنفاسها وينتقل إليهم المرض.
أضافت “أمنية”: أكبر تحدٍ يواجه أي أم وأسوأ شعور على الإطلاق هو أن تخاف على أطفالها من نفسها، أن تكون هي الخطر الذي يترصدهم رغمًا عنها، ولكن كان لُطف الله وكرمه أكبر من مخاوفي، حين بكيت في الليلة السابعة، وقت اشتدت الأعراض ونفدت حيلي في الصمود، كنت وحدي تمامًا أواجه مخاوفي وتعبي، وصغيراي لا يكفان عن سؤالي “إمتى الكورونا تمشي؟”، وكانت استجابة الله أن مرّت علينا بردًا وسلامًا.
حالت ظروفي دون طلبي للمساعدة، لم أعرف كيف وممن المفترض أن أتلقى الدعم، كيف أعدّ الطعام لصغيرَي دون لمسه، وكيف يجب أن أنتفض لألبي احتياجاتهما اليومية من خلف قناع ودرع واقٍ، ولكن إن سمحت للمرض أن يهزمني فمعناه أنه سيهزم طفلي أيضًا، وهو ما لن أسمح به أبدًا، “ما دام فيّ نفس”. كنت أوهم نفسي أنني بخير، أتناول أدويتي، وأنظر في المرآة قائلة “ها.. ماذا بعد؟”، لن أنهزم اليوم على أي حال، هذا ما تحكيه “أمينة”، حتى مرت الأيام التي كانت أمنيتها اليومية فيها هي أن تستيقظ أفضل من اليوم السابق لأجل صغيريها اللذين يقفان خلف الباب يرسلان الحب والدعم والاشتياق في جوابات صغيرة ملونة، تحمل الضحكات التي تؤنس ليالي العزل الموحشة.
“سلمى” والأحضان الافتراضية
ربما فقدت حاستي الشم والتذوق، لكنني لم أفقد حدسي كأم، ولم أخطئ رائحة الخوف التي تنبعث من صوت بكاء رضيعتي
أصعب ما في الأمر هو العزلة. لم أتألم من المرض وأعراض كورونا قدر ألمي من انفصالي عن رضيعتي، التي أكملت عامها الأول للتو، وتحول أحضاننا اليومية خلال الرضاعة الطبيعية إلى أحضان افتراضية عن بُعد، وزجاجات رضاعة برعاية مضخات حليب الثدي، وكمامة تخفي ملامحي وتخيف الصغيرة.. هكذا تحكي “سلمى” أم “ليلى” الرضيعة.
وتكمل: أصبت أنا وزوجي بفيروس كورونا، كانت أعراضي أقل وطأة ولكنها ما زالت معدية، وكان أكبر تحدٍ واجهني كيف سأكمل رضاعة طفلتي الصغيرة وأنا مريضة؟ كيف أرعاها وأعتني بها وألمسها عشرات اللمسات عن قرب دون أن أكون سببًا في مرضها؟ كان عليّ أن أسير وراء حدسي كأم، وتفسيري لنبرة صوت بكائها وماذا تعني به، هل تريد تغيير الحفاض؟ هل ترغب في النوم؟ هل مذاق الطعام الذي أقدمه لها عادم أكثر من اللازم؟ يشبه الأمر أن تكون كفيفًا ومسؤولاً عن توصيل قافلة من البشر إلى بر الأمان، وحدك من يعرف قراءة الخريطة وعثرات الطريق، تخيلي!
كانت تكفيني ابتسامة “ليلى” في الصباح بعد أن اعتادت على مظهري بالكمامة، تدفعني لأقاوم، وترفع معنوياتي ومناعتي، حتى ذلك الشعور بالعجز تلاشى عندما اكتشفت بنفسي قدرات خارقة لم أكن لأعلمها لولا كوفيد ١٩، أهمها أنني يمكن أن أُطمئن صغيرتي في عز هلعي وقلقي.
“سارة” والدعم عنوان الشفاء
ربما لا تمطر السماء وجبات طعام ساخنة.. لكنه حدث! حين تعطينا المحبة ما هو أفضل، الدعم والمعونة والأمان
لم أكن لأتحمل كل ما مرّ بي دون دعم زوجي وأمي وحماتي. هكذا قالت “سارة”، أم “سيلا” الطفلة الصغيرة، التي كانت دافعها اليومي لتقاوم وتقاوم حتى تنهض بصحتها مرة أخرى.
في حالتي لم تكن أعراضي قوية، من رحمة الله، لكن تعلق طفلتي بي هو ما زاد الأمر صعوبة، ومع ذلك كان زوجي هو داعمي الأول، ثم انهال الدعم من العائلة وزملاء العمل ومديريني، ورغم فقداني لحاستي الشم والتذوق فإنني أتذوق كيف أن وجبات أمي وحماتي كانت مطهوة بحب، وكأنهما تمطراني من السماء بأطباق دافئة وشهية تحمل في تفاصيلها المحبة والاطمئنان.
أن تعلم جيدًا أن هناك من تستند عليه حين تقع، هو كل ما في الأمر، رغم أنني لم أطلب الدعم والمساعدة بصورة مباشرة، لكنني واجهت الكورونا وألمها النفسي بهدوء من أجل “سيلا”، كانت دعواتي من خلالها تعرف الطريق لله جيدًا، وكانت عزلتي فرصة لأقترب من كل شيء فقدته في زحمة أيامي، انقطعت عن العالم لأيام، لكن ليعود الوصل من جديد أكثر قوة وأملاً، في أن رحمة الله تحاوطنا مهما حدث، ومهما بدا كل شيء صعبًا ومستحيلاً.
“كأم مريضة كوفيد 19، أحتاج إلى أن أبدأ يومي برأس مستوٍ رغم الصداع وأن أشعر بقدمي على الأرض فقط، وأن أعلم أنني لست بحاجة إلى الاهتمام بكل شيء”.
كيف تتعاملين كأم مريضة كورونا مع أطفالك؟
والآن عزيزتي.. إذا كنتِ مصابة بكوفيد 19، وتعتنين بنفسك وأطفالك ذاتيًا في المنزل، فأظن أننا جميعًا نتشارك كأمهات حيرة كيفية التصرف لمنع انتشار العدوى لأطفالنا وبقية الأسرة، في حال لم يكن العزل الذاتي الكامل متاحًا، تحديدًا مع الأطفال الصغار والرضع، لذا، إليكِ تلك النصائح وفقًا لتوصيات منظمة الصحة العالمية:
1. ابقي قدر الإمكان منعزلة في غرفة واحدة بعيدة عن عائلتك، ويشمل ذلك تناول الطعام في غرفتك، وفتح النوافذ للحفاظ على تجديد الهواء، واستخدمي حمامًا منفصلاً إن أمكن.
2. عند استخدام المساحات المشترَكة في المنزل كالمطبخ أو الحمام، قللي من تحركاتك، وليكن ذهابك مرات مجمعة ومحدودة لقضاء احتياجاتك مرّة واحدة. حافظي على التهوية الجيدة في مطبخك، ابقي على بُعد 2 متر على الأقل عن أطفالك، عند تقديم الطعام أو أي شيء إليهم.
3. لا تخلعي الكمامة أبدًا خلال الحديث أو الوجود في المساحات المشتركة أو في أثناء الرضاعة الطبيعية، وتحميم الصغار، مساعدتهم على ارتداء ملابسهم، مع ضرورة التعقيم المستمر بالكحول والمطهرات لكل ما تلمسه يداكِ قبل وبعد التعامل. كما يجب تغيير الكمامة يوميًا.
4. نظفي يوميًا الأسطح التي تلمسينها كثيرًا في الغرفة والحمام المستخدمين، مثل الأجهزة الإلكترونية ومقابض الأبواب والطاولات ومفاتيح الكهرباء.
5. تجنبي مشاركة الأغراض المنزلية الشخصية، مثل الأطباق والمناشف والفراش والأجهزة الإلكترونية مع أطفالك أو أحد أفراد المنزل.
6. اغسلي يديكِ كثيرًا بالماء والصابون لمدة 20 ثانية على الأقل، بالتبادل مع استخدام الكحول والمطهرات اليدوية.
7. إذا كان أطفالك كبارًا يمكنكِ أن تطلبي منهم ارتداء الكمامة عند التعامل معكِ عن قرب، لا يقل عن 2 متر.
كيف تطلبين المساعدة عند إصابتك بفيروس كورونا؟
المرض لا يجب أن يكون مخجلاً، خصوصًا في ظل جائحة عالمية. من يعتني بكِ اليوم، تعتنين به غدًا. طلب الدعم والمساعدة والقدرة على التواصل مع الآخرين، يعتبر 50% من العلاج لمريض فيروس كورونا المستجد، لكننا كأمهات نخجل أن نظهر ضعيفات، نخشى أن نثقل على الآخرين، ونرغب أن يكون كل شيء تحت السيطرة بطريقتنا الخاصة، ولكن في هذه الحالة عليكِ معرفة كيف تطلبين الدعم والمساعدة وممن دون قلق أو خجل:
- أسرتك الداعمة: الزوج والأم والأخوات وأهل الزوج، هم أول من يجب أن تفكرين به لدعمك ومساعدتك، ليس لأنهم الأقرب فقط، ولكن لأنهم على الأغلب ينتظرون الفرصة لفعل ذلك بحب.
- أصدقاؤك المقربون: الصديق وقت الضيق، اختاري أصدقائك من دائرة الأمان الخاصة بك، ولا تترددي في طلب مساعدتهم في أي شيء تعلمين أنهم يقدرون على فعله.
- زملاء العمل: فيما يتعلق بمهام عملك التي يجب إنجازها، عليكِ أن تطلبي دون خجل من زملاء العمل والمديرين بطريقة مناسبة ومباشرة نظرًا لمرضك.
- طلبك للمساعدة يجب أن يأتي دون شعور بالذنب أو التبرير، بل بطريقة لطيفة وتلقائية، حتى لا تحملين نفسك مشاعر التوتر والخوف من الرفض دون داعٍ.
- أحيطي نفسك بأصدقائك الذين لديهم حس عالٍ من المرح، هذا وقتهم، انعزلي ليس فقط عن الأشخاص ولكن عن الأخبار السلبية المتعلقة بالكورونا، وأحيطي نفسك بكل ما يمدك بمشاعر التفاؤل ورفع المعنويات.
- وجبة طعام ساخنة، مشروب دافئ، وكلمات محبة ودعم، طلب رعاية الأطفال في حال عدم مخالطتك لهم، إحضار متطلبات المنزل، المساعدة في الحصول على الدعم الطبي والأدوية، إمدادك بما تحتاجينه من مستلزمات، والأهم الحصول على الونس في ليالي العزل حتى لا تشعرين بالوحدة. جميعها طلبات مشروعة من حقك على أحبائك.
يومًا ما سينتهي كل هذا، سنستيقظ لنرى العالم دون كمامات زرقاء، دون كوفيد 19، حتى آلام المرض لن نتذكرها مرة أخرى، سنتذكر فقط كيف كنا كأمهات نواجه المجهول بشجاعة، نحارب كل يوم على جبهة داخلية لا يراها أحد، نصارع مخاوف الأمومة التي لا تنتهي، وفيروسًا دقيقًا لا يُرى بالعين المجردة، نرتدي وشاح الأمومة وننقذ العالم على طريقتنا الخاصة، بالحب والخبز والحواديت.