وحدي لكن ونسان وماشي كده خواطري

3381

إيديا في جيوبي وقلبي طِرب

أول يوم رمضان وأنا وحدي، وحدي تمامًا بكل ما في الكلمة من وقع وصمت وشجن. أنا من امتلأ رمضانها دائمًا بالناس والزيارات والعزومات.

اعتدت أن أسلك الحياة كإنسانة لا تعبأ بشيء، فجأة وجدت نفسي مسؤولة عن كل شيء. المسؤولية لا تشبه الاهتمام كما يختلط على البعض.

هي أقوى وأشد، هي ما يقلق نومك ويشدك في الصباح من ثيابك لتبدأ اليوم. هي ببساطة من القوة أن تقصم الظهر. كان من حولي يعلقون على روقاني الصباحي، ولم يكن روقانًا، كنت أشعر فقط أنني خفيفة.. خفيفة جدًا لدرجة الطيران.

لا أذكر منذ متى توقفت عن دندنة الأغاني في الصباح، والكتابة في الصباح، والتقاط الصور للسماء والورود والشوارع، لكنني أذكر جيدًا أنني أصبحت أغفل الأشياء الصغيرة التي تسعدني.

منذ بدأ الحجر ونفسي بدأت تعود لي تدريجيًا، وعادت شهوة الصباح لكل تفصيلة جميلة، حتى لو كانت من نافذة البيت.

عدت لموعدي المفضل للكتابة، عدت لسماع أبنائي ومشاركتهم في شؤونهم الصغيرة، عدت لالتقاط الصور لإبداعاتهم الفنّية وللانتصارات الصغيرة في المطبخ، عدت للقراءة المتنوعة على مهل،

فتحت القوائم التي طالما حفظتها على فيسبوك وشاهدت الأفلام التي أجلت رؤيتها مرارًا، وقفت أشرب القهوة في الشرفة أخيرًا، عُدت للدندنة الصباحية. كل شيء يمكن مقاومته لو أنك فقط مرتاح. حتى الخوف.

اقرأ أيضًا: عن فيلم فوتوكوبي والحظر والوحدة

سارح في غربة بس مش مغترب

في رمضانات بعيدة كنا نجتمع بأعداد كبيرة كل عدة أيام في بيت أحد الأقارب، كنا نغرق في اللعب والضحك والأكل، وكنت أنزوي بين الحين والآخر وحدي في غرفة فارغة، كنت أشعر بهذا الاحتياج الغريب على طفلة، أريد أن أكون وحدي ولو لبعض الوقت.

أتذكر نفسي الآن وأقول لها “كم كنتِ غبية!” ومع ذلك حتى وأنا كبيرة ومدركة، أنسحب من بين الناس بأي حجة لأصبح وحدي قليلاً ثم أعود بروح أفضل.

أظن أن الغباء هو ألا أتبع قلبي الذي يحرّضني على الوحدة. الغريب أنني اكتشفت مؤخرًا أنني أحببت الوحدة، فقط لأنني أعرف أنها مؤقتة.

تزامن الحجر والحظر مع رمضان يجعلني أفكّر في من مفترض ألا أفكر به، كيف يقضي الوقت وحده، كيف يواجه المخاوف والأسئلة، كيف تسبب في هذا؟، أتذكر الرمضانات التي جمعتنا بحلوها القليل ومرها الكثير.

الأيام التي فطرت فيها وحدي في المطبخ، أسمع الضحك من غرفة مجاورة ولا أشارك به.

محاولاتي البائسة لخلق جو رماضاني، مفرش الخيامية والفوانيس والمظاهر التي لا تعني شيئًا بدون جوهر المحبة. تقول صديقاتي: لا يفترض أن تفكري في الماضي.

لكن أنا أؤمن بأن أي جزء من حياتنا لا يجب أن ننساه، بل ويجب أن نتذكر أجمل وأسوأ ما فيه، لأن السوء هو ما يمنحنا القوة، والجمال هو ما يمنحنا الذكريات.

تستغرب عائلتي من شكواي من شعوري بالوحدة بعد أن استقللت عنهم، يقولون: “كنتِ معنا وتتركينا وتجلسي وحدك.. فلماذا تشعرين بالوحدة الآن؟!”، لا أحد يفهم أنني أحب شعوري بالوحدة فقط عندما أكون بين من أحبهم ويفهمونني.

أطمئن أنهم يقفون على باب وحدتي. أنا بالداخل لأنكم بالخارج. يزعجني ضجيج الأولاد لكنه يبث فيَّ الأمان، أكره التليفزيون لكني أبقيه مفتوحًا، يبدو أنني أحيانًا أحب الأشياء التي أتذمر منها، يكفي أنها تشعرني بالونس.

اقرئي أيضًا: التغلب على الشعور بالوحدة والتخلص من الشعور بالوحدة العاطفية

وحدي لكن ونسان وماشي كده

أعد نفسي لأكون وحدي في مطلع رمضان، في البداية فكرت في تحضير موعد للقاء عبر تطبيق زووم لكل من يفطر وحده في رمضان.

لكن ما لبثت أن تراجعت، لأنني أردت مواجهة الشيء لا التحايل عليه. إن أجمل الأوقات هي تلك التي أقضيها أدلل وحدتي، أحتفي بوجودي وأغدق على روحي المحبة.

قررت صناعة كل الطعام الذي لا يحبه أولادي، نزلت لشراء طلبات كيكة جزر وبطاطس بيوريه، لكني فضَّلت شراء كيكة جزر جاهزة. بعض الدلال في الراحة من المطبخ.

اشتريت إسدالاً جديدًا للصلاة، مصحف “بينك” ووسادة جيدة لظهري، جهّزت رواية جديدة جوار سريري، قررت الانتهاء من روايتي، سجّلت مواعيد المسلسلات التي أود متابعتها، وفّرت عدة أنواع من القهوة والعصائر. الآن.. الفرعون المصري جاهز للاحتفال.

صحيح أنني سأفتقد وجودي مع أهلي في رمضان، سأفتقد جلبة العائلة والأطفال، سأفتقد رائحة طعام أمي المعد بالمحبة، إصرار أبي على الصلاة قبل الإفطار، سأفتقد إفطار رمضان مع من أحبهم حتى لو اندسسنا بين مجموعة، واللقاءات الخاطفة مع الأصدقاء في وقت متأخر من ليالي رمضان، لكن حتى هذا الافتقاد يجعل في قلبي الشوق أكبر للقاء.

أحب الناس والحياة لكن لا أنتظرهم، آخذ حقي من الحياة عنوة. لا تضجرني الوحدة. أذكر أنني كنت دائمًا هنا لنفسي. أدافع عنها وأحميها وأدفعها للأمام.

تذكرت كل حادثة سيارة حدثت معي وكنت أمشي بالسيارة مكسورة للميكانيكي دون أن أتصل بأحد. كل مرة كنت أواجه فيها مشكلة وألم يقصم الظهر كنت أكتب “بوست” لطيفًا على فيسبوك وأغنية.

كل صراع كنت أخوضه وحدي وكل شيء حققته بتعبي، حتى الكتابة لم أطلب رأيًا أو مساعدة أصدقاء فيها إلا نادرًا، لأنني أخشى أن أزعج أحدًا. أنا ممتنة كوني أنا هي أنا، الطبعة الأصلية الأصيلة من كل ما أفعله. وأنني دائمًا هنا لنفسي.

ببتعد معرفش أو بقترب

ببتعد معرفش أو بقترب

 

المقالة السابقةحديث الصباح والمساء: عصر تدور أحداثه كلها في البيت
المقالة القادمةمن قلب الأزمة: مع محاولات التكيف كله بيعدي

2 تعليقات

  1. أستوقفتني بعض العبارات رغم بساطتها أحسستها مميزة – سأقتباسها مع الأحتفاظ بأسم الكاتب 🌷 أشكر نون الذي جمع لنا من يسطرون كلمات تحاكي نفوس البشر .

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا