نعيش نحن -معشر النساء- في عالم يخاف من أجسادنا. يشعره جسد المرأة الذي حباه الله بتفاصيل الحياة والتكوين بالتهديد. فجسد المرأة للمجتمع هو تابوه، يُحرم حبه والاحتفاء بأنوثته إلا في أطر، تم تحديدها بعناية منذ ولادة تلك الطفلة الصغيرة، حتى يشتد عودها وينمو متفرعًا بالاختباء والمداراة، والوعي لكل حركة حتى لا يتم وصمها بتشوه الأخلاق.
شببنا على مطالعة صور نساء الفراعنة في كتب التاريخ، منطلقات بأجسادهن على جدران المعابد القديمة. حتى النقوش تكاد تنطق من حيوية حركاتهن. جسد المرأة كان يعني الخصوبة وسر الحياة. رأينا جميلات الأغريق يتموضعن بحرية محبة الجسد والشعور بخصوصية تفاصيله التى منحها الخالق لكل أنثى. كانت الأنثى لهن هى أصل الخلق وعلامة الجمال.
ونشأنا نحن في عالم مخالف لهن، لا يعترف بالجمال، ويرى في جسد المرأة عارًا يجب تهذيبه حتى لا تتوالى على أهلها المصائب. يقال لنا منذ النشء لا تتحركن، لا تقفزن، لا تجلسن كالرجال، لا تتمايلن بغنج، لا ترقصن، لا ترتدين هذا ولا ذاك. لا تأكلن ذلك خشية الوزن الزائد. فالجسد الممتلئ لا يمت للجمال بصلة.
الكثير من الـ”لا” حامت حول جسد الطفلة والمراهقة والمرأة. ندرك بأن ذلك الجسد حتمًا قيد، خلقنا فيه لنتعذب لا لنعيش. ننظر إلى صورنا الخاصة فنجدنا محدبات الظهر، عاقدات الأذرع حول الصدر، نقف بمظهر الشاعرات بالخزي والخجل من أن تظهر تفاصيلنا الأنثوية وتخلد كذكرى في صورة فوتوغرافية. التصقت بأجسادنا الجميلة صفات بذيئة ولمسات مسيئة، نحتت كالوشوم لا تنمحي إلا بالألم. في كل مرة نخرج إلى الشارع لا نعود إلا بالمزيد من الوشوم علقت بأرواحنا إلى الأبد. تختن الفتيات خوفًا من أن تستلذ أجسادهن رغبة شهوانية منحها الله لها كما منحها للرجال. متعة خالصة حٌرمت علينا باسم الفضيلة.
باتت علاقة المرأة بجسدها علاقة مليئة بالخلل. لا تدري هل جسدها هذا نعمة إلهية أم نقمة مجتمعية. لا توجد امرأة تصدق حقًا أنها جميلة. هناك الكثير من التشوه يشوب ذاكرة جسدها. في كل مرحلة من حياتها هناك وجع ما انحفر بعمق وبُني فوقه وجع آخر أشد عمقًا وقسوة.
تحمل النساء أجسادهن كالعبء.
***
نعلم الآن أن الروح هى الجسد، وأن الجسد هو الروح. يقولون لنا إنهما مختلفان ليقنعونا أن بإمكاننا الاحتفاظ بأرواحنا إذا ما تركناهم يستعبدون أجسادنا – برنارد شو
الروح هى الجسد والجسد هو الروح.. لا انفصال. فحين يتأذّى الجسد تموت الروح وتذبل الحياة. كيف يمكن لروح أن تزهر بداخل جسد مشوه يسير حاملاً الخزي والكره لذاته. كيف لروح أن تزهر بداخل امرأة خَجلت من أن تلقي نظرة على نفسها في المرآة بحب، أو امرأة أصرت على إقامة العلاقة الحميمة مع شريكها في الظلام حتى لا تواجه تفاصيل جسدها التي لا تحبها ولا ترغب في رؤيتها.
الروح هى الجسد، والجسد هو الروح.. ولحب الجسد يجب علاج الروح والتئام جروحها العميقة. وفك كل عقدة تراكمت على مدار عمر المرأة ببطء، بفهم ودراية، للتصالح مع الجسد من جديد، لمنحه الرعاية والحب الذي يستحقه.
في ورش العلاج بالحركة والرقص للتصالح مع الجسد، في نهاية كل جلسة تجلس النساء في حلقة وتطلب منهن المدربة أن يربتن على أي جزء من أجسامهن بحنان وحب وعطف، ويهتفن بصوت عالٍ كم هن فخورات بأجسامهن لقطع رحلة المحبة والقبول، أن يحتضن أجسامهن ويحاوطنها بالأمان.
واليوم يبدأ موقع “نون” حملة جديدة عن حب الجسد والاحتفاء بالأنوثة، سنتعلم خلالها كيف نحتضن أجسادنا ونحاوطها بالأمان.
تهدف حملة “ده جسمي” إلى إنارة الطريق لكل امرأة لتعرف جذور مشكلتها الحقيقية مع مشاعرها تجاه جسدها. لتتعرف أكثر على تأثير كل كلمة مسيئة اختُزنت في ذاكرة جسدها، وكيف شكلت علاقتها الحالية معه. ولتتعرف على طريق التعافي والقبول. كيف يمكن أن تخبر نفسها بفخر “أنا جميلة”، وهى تدرك قوة الكلمة في تغيير مسار نظرتها لذاتها ولجسدها. ستتعلم كيف تشفى الروح ليشفى الجسد. لتدرك أن الروح هي الجسد، والجسد هو الروح.. لا انفصال بينهما.
دينا فرج
مدير موقع نون