خرجت من عام 2014 منهكة، بلا طاقة ولا رغبة في الحياة. كانت روحي مفتتة كبلورة سقطت على الأرض وتهشمت لألف قطعة، وكان قلبي أشبه بخرقة بالية متعددة الثقوب. وبدأ عام 2015 والخيارات أمامي محدودة، إما الجلوس مستسلمة لكل تلك الأوجاع حتى تقضي عليّ نهائيًا، وإما المُضيّ قدمًا في طريق التعافي، والذي أعرف أنه طريق متعب، مليء بالمطبات ومعتم، لكن الوصول لنهايته هو النجاة.
الطريق المعتم لم يكن كذلك، فعلى قدر ما كنت أجاهد، كان الله يبعث لي نقاط النور التي تضيء عتمتي وتساعدني على اجتياز الطريق، نقطة نور تسلمني لأخرى حتى وصلت آخر الطريق.
1- دعم الأصدقاء
أكثر من نصف الطريق قطعته بقوة الدفع التي كنت أكتسبها من دعم أصدقائي. أصدقائي الذين آمنوا بي يوم كفرت أنا بذاتي، ومنحوني أعينهم لأرى بها مكامن قوّتي، وطردوا عني كل أشباح الخوف، وأسكتوا ذلك الصوت المؤذي الذي لطالما كان يخبرني أني لن أنجح.
2- الكتب
زاد الطريق الذي لا غنى عنه. عشرات الكتب رافقتني، بددت وحدتي، آنست وحشتي، وطمأنت خوفي. فمع القراءة مررت بتجارب متعددة وحيوات أخرى ما كنت أستطيع تجربتها لولا الكتب.
3- الكتابة
في مدونة صغيرة لا تراها إلا صديقة واحدة بدأتُ الكتابة لأتعافى، واليوم أكتب لأحيا. كان طريقي وعر والسقطات كُثر، ومع كل سقطة كنت أنزوي قليلاً لأكتب وأتخفف من أحمالي، لأعاود استكمال الطريق من جديد.
4- “إن الأمور تسير بمقادير الله، ولا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا”
في كل مرةٍ اقتربت من الاستسلام للوجع، اليأس، والإحباط كان هذا الاقتباس يأتي أمامي ليمنعني عن ذلك.
تلك الكلمات البسيطة لفظًا والعميقة معنى هي أكثر نقاط النور قوة، لأنها دومًا ما كانت تأتي كرسالة من الله يبشرني بها بالخلاص والنجاة.
5- القاعدة الحادية عشر من “قواعد العشق الأربعون”
كنت موجوعة حد الموت، ولا أعرف متى سينتهي ذلك الوجع. كرهت كل من نصحني بالصبر لحين معرفة الحكمة من الوجع. كنت أتساءل دومًا عن تلك الحكمة، وجاءتني الإجابة في القاعدة الحادية عشر من “قواعد العشق الأربعون” للكاتبة التركية إليف شافاق.
“عندما تجد القابلة أن الحبلى لا تتألم أثناء المخاض، فإنها تعرف أن الطريق ليس سالكًا بعد لوليدها، فلن تضع وليدها إذًا، ولكي تولد نفس جديدة، يجب أن يكون ألم، وكما يحتاج الصلصال إلى حرارة عالية ليشتد، فالحب لا يكتمل إلا بالألم”.
6- رقص هيام “فتاة المصنع”
المشهد الأخير من فيلم “فتاة المصنع”، رقص هيام البطلة، في حفل زفاف الحبيب الذي تنكر لها وخذلها.
الرقص الذي شعرت أنه انتصار لكل النساء المخذولات الموجعات، ورسالة لهن أن انفضن الوجع عنكن بالرقص.
7- مقاومة مريم
مريم بطلة مسلسل “تحت السيطرة” التي قاومت إدمانها للمخدرات، ساعدتني لأقاوم إدماني الخاص أنا أيضًا. وكونها استطاعت اجتياز طريق التعافي وحدها بعد أن خذلها زوجها، جعلني أؤمن أني قادرة أن أفعل المثل وحدي.
8- رحلة شيريل سترايد
إذا كنت أتحدث عن طريقٍ مجازي سلكته حتى أتعافى، فهناك نساء كُثر سلكن طرقًا حقيقية ومشين آلاف الكيلومترات في سبيل التعافي. من هؤلاء النساء “شيريل سترايد” التي سارت على قدميها ما يقارب 1100 ميل في صحراء موهافي غرب الولايات المتحدة الأمريكية. سترايد التي فقدت والدتها لإصابتها بالسرطان دخلت في حالة نفسية سيئة وصلت حد إدمان المخدرات والجنس. فكانت رحلتها البرية وسيلة للتعافي من كل ذلك.
كتبت سترايد عن رحلتها كتابًا حمل عنوان “Wild: From Lost to Found on the Pacific Crest Trail”، وتم تحويله لفيلم عام 2014 بعنوان “Wild”.
9- فيلم Chef.. العودة للشغف
الشغف الكلمة التي تم استهلاكها في عالم السوشيال ميديا حتى فقدت معناها -على الأقل بالنسبةِ لي- عاد لها المعنى والقوة بعد فيلم في غاية البساطة والجمال يحمل اسم “Chef”. شغف الطباخ كارل كاسبر بالطبخ، أعاد لي شغفي بالكثير من الأشياء، فمع النهاية الجميلة للفيلم تأكدتُ أن من يتبع شغفه للنهاية لن يخسر أبدًا.
10- “ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك”
هذه العبارة الرائعة لابن عطاء السكندري كانت نقطة النور التي أعود إليها دومًا، حتى أتذكر حكمة الله من الفقد والعطاء. عن تجربة: ليس كل العطاء خير، فأحيانًا يكون العطاء مقدمة لخسارةٍ قاسمة أو سلسلة من الخسارات، وليس كل الفقد شر، فبعد المِحَن دائمًا.. دائمًا تأتي المنح والعطايا.
11- سيرة حياة الملاكمة الهندية “ماري كوم”
الملاكمة التي عرفتها من خلال الفيلم الهندي “ماري كوم” نموذج للمرأة المكافحة التي لا يعوقها شيء لتحقيق أحلامها، لتصبح ملاكمة عالمية تحصد بطولة العالم في الملاكمة خمس مرات، تحدت البيئة الفقيرة النائية غير المستقرة بفعل المتمردين، الأب الذي رفض أن تكون ابنته ملاكمة لصالح أن تكون مزارعة. إهمال وفساد الاتحاد الرياضي التابعة له، وتحدت شعورها بأن مسيرتها كملاكمة انتهت بعد أن أصبحت زوجة وأمًا لطفلين.
ماري كوم التي خاضت كل هذه التحديات ونجحت، أعطتني دفعة لمواجهة تحدياتي الخاصة فنجحت.
12- مسلسل جرايز أناتومي
عندما تأخذ الحياة شكل مسلسل تليفزيوني فحتمًا سيكون جرايز أناتومي، هذا المسلسل الرائع الملهم هو أجمل ما حدث لي هذا العام، فمع كل حلقة هناك شيء جديد يضاف لي ومنطقة معتمة تضيء بداخلي.
أحداث المسلسل تعود بي إلى أحداثٍ من الماضي، تسلط الضوء عليها، تريني مكمن الأخطاء، وكيف كان عليّ أن أتصرف حينها، وفي ذلك تحصين لما سيحدث مستقبلاً، ما يجعل جرايز أناتومي ليس مسلسل العام، ولكن مسلسل العمر كله.
13- الرحلة إلى نابروجادا
كيف لي أن أطير من غزة المحاصَرة إلى كوبنهاجن في الدنمارك لو لم أقرأ رواية نابروجادا؟! كيف كنت سأحيا كل تلك الحكايا الملهمة لو لم تصنع لي سلمى أنور جناحين أكسر بهما العزلة.. الملل.. الكآبة.
رواية نابروجادا رواية بسيطة جميلة كانت نقطة نور أضاءت لي عتمة غزة، وأخذتني في رحلةٍ كنت أحتاجها وبشدة.
14- أغنية أشجع واحدة
لا يمكن تخيل شعور امرأة يُقال لها: “كل الدنيا ضلمت يوم ما بكيتي، كل حق ضاع منك هييجي، نور جمالك غطى على الشمس، إنتي وردة، إنتي أقوى وأشجع واحدة”.
مي عبد العزيز بصوتها الساحر وكلماتها الجميلة قامت باحتضان كل امرأة استمعت لأغنيتها، ما يجعل هذه الأغنية قبسٌ من نور لا مجرد نقطة.
15- لقاء
في صباح السادس والعشرين من نوفمبر اختبرت شعورًا افتقدته لسنواتٍ، كنت أردد بصوت مسموع “أنا فخورة بنفسي”، وحقًا كنت كذلك، ما جعل دموعي تنساب فرحًا وأملاً في القادم.
مع نهاية اليوم شعرت أن طريق التعافي الوعر انتهى، وتراءت لي عندها طرقٌ أخرى عليّ السير فيها.
طرق مستعدة لها بشدة، مستعدة بكل ما أحمله بداخلي من نورٍ وقوة.
لقاء مرت بالكثير ونجت، وتلك النجاة تؤهلها لتكون نقطة نور لنفسها، لذا فبكل ما في داخلي من إيمان أقول “أنا نقطة نور”.
كانت هذه نقاط النور التي ساعدتني على تجاوز عتمة عام 2015، أتمنى أن تجد فيها ما يلهمك للبحث عن نقاطك. البحث متعب لكن الأمر يستحق، لأن الوجع سيمر، والفقد سيعوض، والعتمة ستبدد، لأنك تحمل بداخلك النور والقوة، كل ما تحتاجه أن تؤمن بذلك فقط.