يبدو هذا كمقال من مقالات التنمية البشرية التي تُخبرك عن أشياء تجعلك سعيدًا كمن عثر على راوتر بدون كلمة سر، وتُشعِرُك بالحسرة إذا ما عجزت عن السعادة بعد تطبيق ما فيه، وتحصرك في خانة المُقصّر لأنك لم تتبع ما فيه بدقة حرفية، وبالطبع ترفض أن تعيد لك أموالك.. فالمقالات المباعة لا ترد ولا تستبدل.
وأنا لن أخبرك عن 15 شيئًا نجحت فيها، أنا سأخبرك عن خمسة عشر شيئًا عجزت عنها في العام المنصرم، كان بمقدورها أن تجعلني أفضل حالاً.. وأتمني أن لا تكونوا مثلي.
1- غسيل الأسنان
إذا لم تكن قد أغلقت المقال بالفعل فأشكرك عزيزي القارئ لعدم اتّهامي بالتفاهة ومتابعتي لهذا الحد، الموضوع ليس بهذه التفاهة بالفعل، ولكن عدم استقطاع ثلاث دقائق يوميًا لغسيل الأسنان كلّفني عناء المواظبة على زيارة طبيب الأسنان لمدة شهرين، لينخر ويحفر ويلصق في أسناني، ويأخذ من نقودي ما يتعدى ثلاثة آلاف جنيه.
2- الجلوس بشكل صحيح
البعض ما زال يتابع؟! حسنًا.. الجلوس للعمل لساعات طويلة يوميًا على مقعد بطريقة غير صحيحة كلّفني ثماني عشرة جلسة علاج طبيعي وما يزيد على ألفين وخمسمائة جنيه، ولم أُشفَ بالكامل وما أزال أُعاني آلامًا مُبرحة في الظهر والرقبة رغم أني في الثامنة والعشرين.. يومًا ما كنت أستهتر بكل هذا لكني أدركت بعد فوات الأوان.
3- تقليل عدد ملاعق السكر
والنتيجة كرش متضخم يجعلني أشبَه بخلة أسنان في وسطها زيتونة.
4- القراءة يوميًا
لم تعوضني عنها الأفلام ولا المقالات الخفيفة، وأقصد بالقراءة أن تستغرق في كتاب ليأخذ منك وتأخذ منه، تتبادل السلام والمعانقة مع شخصياته وأفكاره، تشعر بالوَحشة بدونِهم وتعود ليُرحبوا بك ويأخذوا بيدك من حيثما تركتهم.. هذا كلفني عناء اعتصار فكري وعقلي بأضعاف المعدّل الطبيعي كلما حاولت الكتابة أو التفكير، كما أن الكتب عالم جميل تهرب إليه من الواقع.
5- التأمل
الصمت وتأمل الطبيعة يا سادة.. الأكواب، أرفف النيش العامرة بأشياء لا معنى لها، البحر، الزرع، السحب، الوزراء، السيارات، المارة… فقط التأمل والتعلم، فالأشياء الجديدة موجودة حولنا بالفعل ليست خافية، هي فقط تحتاج للنظر إليها لفترة أطول من المعتاد.
6- الصمت
هناك رغبة مُلحة ولدت معي كتوأم ملتصق -كما ولدت مع كثيرين- وهي الرغبة في الكلام، أو الرغبة في الفعل، وأنا حاولت مرارًا أن أكتم هذه الرغبة، أَبتُر تلك الغدة، وبالطبع لا أقصد السلبية بالمقابل، لكن أحيانًا كثيرة كان يجدر بي أن لا يتعدى ردي إيماءة بسيطة وابتسامة لا معنى لها، لكني أصررت أن أتحدث وأقول وأفعل وأفعل وأقول مجددًا.
7- الصلاة.. يوميًا
العلاقة المستمرة مع الخالق، مجرد التواصل بشكل مستمر كان سيصبح كفيلاً بتصحيح الكثير من الأمور.
8- الرياضة المستمرة
كانت كفيلة بإزالة رقم 2 و3، بالإضافة للعديد من الفوائد الأخرى.
9- الـFacebook
باستثناء آخر شهر ونصف لم أستطع أن أغلق حسابي، وحتى خلال الشهر ونصف الماضيين اضطررت لإعادة فتح الحساب لإنجاز بعض المهام. أنا لن أخبرك ما الذي ستجده إذا ما أغلقت الحساب، أخبرني أنت بعد أن تجرب، لكن صدقني الأمر جدير بالمحاولة.
10- الأهل
لم أستطع أن أخصص وقتًا لأهلي، أسرتي الصغيرة. استطعت أن أخصص أيامًا وأوقاتًا للعمل والعديد من الالتزامات، ولكن يبدو أن اليوم حتى لو امتد ليصبح أكثر من أربعة وعشرين ساعة سأظل عاجزًا عن إيجاد ثلاثين دقيقة أمضيها مع أبي وأمي.
11- الإجازة
بالطبع لا أتحدث عن يوم الإجازة الأسبوعية الذي تستيقظ فيه مبكرًا لتقوم بإنجاز كل ما فاتك وكل ما كان يجب أن تفعله في الأسبوع المنصرم، أنا أتحدث عن إجازة تغلق فيها هاتفك، تقطع علاقتك بكل ما هو معتاد، تذهب إلى أي مكان لا يعلمه أحد حتى لا يستطيع الوصول إليك ليقطع خلوتك، يومًا أو أسبوعًا أو أي فترة زمنية تفعل فيها “لا شيء”، وأنا لم أستطع أن أفعل “لا شيء” في الـ365 يومًا التي مضت.
12- شيء جديد
أخبرني صديق عزيز أن المهارات أبقى وأفضل شيء تستثمر فيه، وأنا فشلت في أن أتعلم أي مهارة جديدة هذ العام، حاولت أن ألتزم بدورة تدريبية لتعلم العزف على البيانو وكانت المحصلة هي محاولات لتدبير موعد لبدء التدريبات، حسنًا، لن أفعل هذا العام القادم.. أو سأحاول على الأقل.
13– الحزن
من يتابع المقال إلى هذا الحد إما يعجبه شيء ما في كلامي لا أدريه بالضبط، وإما شخص لديه متسع من الوقت يجعله يتابع أشياء لا نفع منها، وأنا أتمنى أن تكون عزيزي القارئ من المجموعة الأولى، إن هذا لمن شأنه أن يجلب السرور لقلبي بالطبع.. ولأنك عزيز على قلبي سأخبرك بسر، أنا لم أحزن العام الماضي، بكيت مرّتين فقط لكن لم أختبر شعور الحزن. لعلك تفهم أن الاكتئاب ليس حزنًا، ولعلك تدرك أن عدم القدرة على الحزن شيء مؤسف، وكم هو مهم وحتمي أن تختبر مشاعر غير الملل! الحزن جميل، فهو كفيل بأن يُذَكّرك بكونك كائنًا حيًا.
14- السفر
العام الماضي حاولت مرارًا أن أسافر للخارج في زيارة قصيرة، يقولون إن في السفر 7 فوائد، لكني أبحث عن فائدة واحدة، أن تجبرني الظروف التي لا أستطيع تطويعها بنفسي أن أتخلّي عن هاتفي وأقابل كائنات بشر وحيوانات وحشرات جديدة.
15- الوقاحة المهذبة
عجزت عن ترديد كلمات مثل “هذا ليس من شأنك – هذا لا يعجبني – لن أفعل هذا – هذا خطأ” في أوقاتها الصحيحة، أو استعضت عنها بعبارات ألطف وأخف وقعًا جعلتني كمن رقصوا على السلم، فلا أنا حصلت على ما أريد من الشخص أو من الموقف، ولا أنا ارتحت نفسيًا لتفريغ طاقة غضبي وسخطي، وظللت ألوم نفسي بعدها على عدم ردي بشكل كافٍ. فلا ضير من أن تكون وقحًا أحيانًا كرد على بجاحة البعض وتخطيهم بعض الحدود.