وغد ولكنه صريح

643

كنت أجلس مع صديقاتي في مقهى قريب من العمل صادف أنه للمثقفين، في الطاولة المجاورة يقبع توأم رسامين مشهورين، وعلى يميننا فتى بجيتار، يأتينا من بعيد صوت مطربة لا نعرفها تغني بالفصحى في سماعات المقهى، بينما تتجمع حولنا على كل الجدران مشغولات يدوية للبيع ولوحات لا نفهم منها شيئًا، كل هذا العمق يحدث بينما أنا وصديقاتي نناقش إمكانية تصنيف الرجال في كتيب بالأرقام، على طريقة محمد هنيدي في فيلم عسكر في المعسكر “صفحة 12 باب القيصيرين”.

 

رنّ هاتفي وكان صديقًا من العمل أيضًا، لكنه اختيار غريب للصداقة، شخص لن تجرؤ فتاة على مصادقته، سألني عن مكاني، وما إن أخبرته حتى عزم نفسه أن ينضم لجلستنا، قبلت وأنا لا أعرف كيف سأخبر الفتيات أن جلستنا التافهة قد تم اقتحامها.

 

فجرت الخبر، واعتذرت على إفساد الليلة، وبدأت في تقديم الصديق الذي كان على بُعد دقائق من اقتحام الجلسة، قابلن اسمه بعلامات تعجب كبيرة؛ حاولت أن أختصر شخصيته في أقل عدد من الكلمات، فهو قد يظهر في أي ثانية، فوجدتني بالصدفة أضع أول صفحة في كتيب الرجال، صفحة 7 “وغد ولكنه صريح”.

***

في فيلم “السلم والثعبان” وجدت ضالتي، حيث تجمع أكثر من نوع للأوغاد، إلا أن نوعي المفضل لم يحظَ باهتمام، لأنه كان الدور الثاني في الفيلم، “أحمد” الوغد الصريح.. خير مثال يعينني على شرح لماذا قد أعرف صديقي القادم خلال دقائق.

 

يُفتتح الفيلم بفتاة توبخ “حازم” البطل أمام أخرى كان على وشك إغوائها، وفي محاولة لـ”أحمد” لتخفيف وطأة الموقف على صديقه، أسدى إليه النصيحة الذهبية التي تمنيت لو سمعها:

 

“ما هو إنت اللي تستاهل، ما إنت بتقعد تعشم البنات بكلام فاضي وكاني وماني وحب وحاجات ملهاش لازمة، يا ابني اسمع كلامي وخليك زيي، ما عندك عاليا أهي.. عارفة من الأول خااااالص إن أنا لا بتاع حب ولا جواز ولا كسرولا”.

***

دخل صديقي الجلسة وسحب كرسيًا وترأس الطاولة الطويلة، وجدت نفسي مُلزمة بفتح الحديث، ليس من باب تعريفهم ببعض بقدر ما كانت نيتي هي التحكم قدر الإمكان في مسار الحوار، وبالتالي ألفاظ الصديق الوغد التي قد ترعب صديقاتي لو انطلق متحدثًا على سجيته.

 

كنت أعرف كيقيني بعدد أصابعي أنه قد مسح أجسادهن واحدة تلو الأخرى في الثواني القليلة التي استغرقها ليصل من باب المقهى إلى حيث نجلس، كنت أحمل همّ تعليقاته عنهن التي سأسمعها بألفاظها الصريحة حد الصدمة بمجرد أن أغادر به من المكان بسرعة كما كنت أنوي، لكنني لم أحمل لجزء من الثانية همّ أن يحاول إغواء إحداهن فأكون أنا السبب في أذيتها، ولهذا أحبه.

***

– اتبليتي يا سوسن؟

= آه اتبليت، وإنتَ يا حازم؟

– أنا من ساعة ما شوفتِك وأنا مبلول.

 

من اللحظة الأولى في علاقة “حازم” بالفتاة التي التقاها في الحفل، وصديقه “أحمد” معترض، يعبر بالسخرية تارة، وبتصعيب المهمة على صديقه تارة أخرى، ليس لأنه نبيل وشهم ويرفض أن يلعب صديقه ببنات الناس، فهو وغد كما اتفقنا، ولكن ليقينه أن هذه فتاة لا تصلح لنوع العبث الذي يريده صاحبه، وستسحبه إما لزيجة فاشلة أخرى أو لطريحة توبيخ جديدة كالتي لم يتعلم منها شيئًا.

 

ميزة الوغد الصريح أنه يعرف أنه وغد، وعلى عكس بقية الأوغاد لا يحاول إظهار عكس ذلك، يحتفل بقبحه ويعلنه، ويحذرك كما تحذر علبة السجائر من أمراض السرطان، تحذير واضح لم يمنع يومًا مدخنًا من التدخين.

 

لا يحب الوغد الصريح الوعود، في الجلسة الأولى مع وغد صريح، قد لا تعرفي اسمه الثاني، أو عمره بالتحديد، ولكنك تعرفين بدقة أن هذا البيت لا يصلح للسكن، ستستمعين للكثير من الأكاذيب، لكنها أكاذيب صريحة خيالية ولا تهدف إلا لتحلية القعدة، فالوغد الصريح لا يهتم بترك انطباع جيد عندك.. فلمَ الكذب؟

***

“بص يا حازم.. أي واحدة في العالم ليها مدخل، إن شالله حتى تكون ملكة إنجلترا، بس بقى إيه؟ ليه وجع القلب والدماغ؟”.

 

قد يظن الكثيرون -وكنت من بينهم- أن فتاة لا تعرف اللهو وتضييع الوقت، لن تقع أبدًا في شباك فتى كهذا، واضح كالشمس، وغد ولا يخفي هذا، إلا أن بطلة الفيلم والسبب الأساسي في شهرته الواسعة، أثبتت عكس هذا، فالفتيات يعشقن دور المُخلّصة، شعور النصر، أنها فعلت ما لم تستطع فتاة أخرى أن تفعل، أنها وكما قالت جنات “ده مكانش كده بس أنا غيرت كل حياته”، تلك العاقدة خلفت وراءها مئات الجريحات.

***

لا أتذكر كيف سارت الجلسة التي تعمدت جعلها قصيرة، وسحبت صديقي لنتمشى حتى موقف الميكروباصات، ولكنني أتذكر بشدة أنه يومها قال لي: “بفكر أتجوز، أجرب الجواز سنة، نوع من المغامرة يعني”.

 

ضحكت وقتها ولكنني في أقل من عام كنت أبارك خطبته، لفتاة ظننتها في البداية من نوع “عاليا”، ولكنني صدمت.. هي ذلك الملاك المُخلّص بشحمه ولحمه وبراءته، عاصرت معه فترة الـ”دلوقتي عايشها جد وعيونه مش شايفة حد”، ولم أنتظر كثيرًا حتى جاءني يعلن عن رغبته في الانفصال وإحساسه بالورطة.. قد يكون فستان البطلة الأبيض ختم الفيلم، ولكنه لم يكن ختام القصة، لأنه في النسخة الحقيقية للرواية، غالبًا ما يعود كل “أحمد” لعادته القديمة.

 

المقالة السابقةرحلتي من السفرة إلى المطبخ
المقالة القادمةتليفزيون رمضان 2016.. إنت أرقامك زادت
ندى محسن
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا