رحلتي من السفرة إلى المطبخ

404

بسنت

هل ممكن صينية مكرونة بشاميل بالجبنة السايحة وقطع اللحمة المفرومة الغرقانة في صوص الطماطم، تعدل مزاجك وتفك عقدة الإبداع
وتطلق لخيالك ولحروفك العنان؟

ده اللي حصل بالفعل أعزائي قراء هذا المقال، في البداية أعرفكم بنفسي.. كائن يتغذي على النسكافيه والشوكولاتة ولا يتخن أبدًا.. أبدًا
رغم كل المحاولات المستميتة تجاه زيادة بعض الكيلوجرامات، في نفس الوقت اللي علاقتي بالأكل كانت متوترة ومضطربة طوال سنين
عمري وحتي بداية زواجي، ثم بدأتْ تتحسن بالتدريج بعدما تطورت من علاقة سطحية لعلاقة عميقة من وراء الكواليس، من داخل
المطبخ نفسه.

وللسبب السابق، كان تأثير المكرونة البشاميل بالنسبة ليّ سحري وغريب، خصوصًا إني قبل يومين كنت طلبت من أصدقائي حلول
عملية للحالة اللي بمرّ بها من عدم الكتابة وتوقف الأفكار، كانت كل اقتراحاتهم عظيمة جدًا، لكن طبعًا محدش قالي "قومي اطبخي"،
حاولت أجرب بعضها ودخلت المطبخ في رحلة البحث عن شوكولاتاية هنا ولا هناك، عشان أعمل فنجان قهوة وأحاول أرجع لنفس
طقوس كتابتي القديمة.. وطلعت بعد 45 دقيقة بصينية مكرونة بشاميل وأفكار متدفقة وسيل من الحروف بيجري على الكيبورد.

فلاش باك
من سنين كتير كان معاد الغداء أو العشاء، معاد الهروب بالنسبة ليّ، لا كنت بحب الأكل رغم طعامة طبخ والدتي ولا كان الأكل بيحبني
رغم شعوري بالجوع يعني، بس يمكن لأني كنت بشوف النتيجة النهائية فقط.. أطباق مرصوصة على السفرة بها كل ما لذ وطاب، إزاي
وإمتي اتعملت؟ الله أعلم! المطبخ كان ملك خاص ومنظقة محظورة لوالدتي فقط.. حتي لحظة المواجهة في مطبخي الشخصي في بيتي.

كواليس الطبخ
أول مرة أنزل أشتري خضار ومستلزمات الطبخ، وقعت في غرام المشتروات، دخلت المطبخ متحمسة جدًا وعملت بيتزا.. فكرة تحويل
الخضار والبيض والدقيق لشيء اسمه فطيرة أو بيتزا مذاقها شهي، كانت فكرة مبهرة جدًا بالنسبة ليّ.. فيلم خلطبيطة بالصلصة أو الفأر
الطباخ، هيفضل ملهمي الأول في عشق الأكل والطهي، رائحة الخبز وتسوية الكيك والبسكويت، هتفضل من أجمل وأدفأ الروائح اللي
بتملا البيت وتنشر سعادة وفرحة غير مفهومة. وتوالت الطبخات للمرحلة اللي خلتني أقوم بعزومات كاملة، أقع في غرام تقلية الملوخية
وضبط درجة لونها بالمللي، أعشق ريحة البصل وهو بيدبل في الزبدة وبياخد الرز بالأحضان وعليهم رشة قرفة وملح، كنت بطير من
السعادة وأنا بسمع صوت العيش بيتحمص عشان الفتة ويستقبل الصلصة الحمرا استقبال العاشقين، أول لمّا جرس الفرن يعلن عن خروج
طاجن البطاطس باللحمة العايمة على وش المرقة، من الأخر الأكل بالنسبة لي والطبخ بوجه خاص، تحول لوقت جميل وممتع من تحويل
الحاجات لحاجات أخري لذيذة جدًا.

من السفرة للمطبخ
بدأت رحلتي تتحول من مجرد جلوس على السفرة في انتظار الأكل، للوقوف في المطبخ لتحضيره، حتى أزمة المواعين كانت بتهون وأنا
بشوف في عيون أسرتي استمتاعهم بطعم الأكل، وقتها بس فهمت معنى جملة إن "الأكل سعادة والطبخ نفَس".
وأصبحت الناس اللي بحبها وعزيزة على قلبي لازم أطبخلهم أكلة بيحبوها في أي زيارة لهم عندي، زوجي بيقولي دايمًا، إن نفَسي في
الأكل وطبخي بحب فعلاً هو اللي بيحلي الأكلة، مش الخطوات والمكونات، يمكن لأني طبعًا مش أحسن طباخة في العالم، بس أي حاجة
معمولة بحب..هتوصل بحب.

والدتي من قريب كانت بتقولي، إنها متفاجئتش بإني بعرف أطبخ، كل البنات بتتعلم في بيوتها -حسب كلامها- لكنها اتفاجئت بإني ورثت
عن جدتي لأمي، نفَسها في الطبخ.

ممكن أقولكم حالاً سرّ، إني عمري ما دخلت أطبخ وأنا معايا وصفة مكتوبة أو فيديو تعليمي، الحقيقة إني كل مرة كنت بدخل المطبخ
وأبدأ في صنع أكلتي على طريقتي، طريقتي الخاصة جدًا، ومقاديري المضبوطة بإحساسي مش بالمكيال، في كل مرة كنت برتب الأطباق
على السفرة، كنت بصنع ذكري حلوة جديدة مع الأكل، ذكري دافية ومرسومة بالزبدة والصوص الأحمر والفلفل الملون، مرشوش عليها
بهارات ومتزينة بشرائح الليمون والبصل بالكراميل.

المقالة السابقةوكأني نبت الأرض
المقالة القادمةوغد ولكنه صريح
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا