والطريق مايل بحِمله

280

ياسمي

 

ما أجمل البدايات! أقبح النهايات! وأحزن ما بينهما!

 

(ف)

في بداية كل زواج يولد الشوق واللهفة، يصحبهما سجل حافل من الأحلام التي تنتظر أن ترى النور، بينما يشعر أبطال الحكاية بالاطمئنان والقوة لأن بحوذة كل منهما شريكه المثالي، حيث السَنَد ومركز الدوران.

فيسعيان معًا للوصول للبر الآمن، والمضي قدمًا بالحياة، سلاحهما الحُب، الجُهد المبذول باستمرار، والمميزات التي يراها كلٌ منهما في الآخر، فتُعينه على تحمل سوءات المشوار أو سخافاته.

 

(ت)

تمُر الأيام بين الهدوء والعواصف، فتسقط الأقنعة أثناء الرحلة واحدةً تلو الأخرى، قبل أن تتعرَّى الأوجه الحقيقية للأشياء/ الأشخاص ويصبح على أصحابها أن يُعيدوا تأقلمهم مع المُعطيات الجديدة في الحياة.

المحظوظون فقط (أو في سياقٍ آخر من أحسنوا الاختيار) هُم من سيجدون ما ينتظرهم يُشبه توقعاتهم المُسبقة، أو على أقل تقدير الاختلاف بين البداية والوصول لم يكن جذريًا، فلا تصبح معه العِشرة مُستحيلة، ليبدءا عهدًا جديدًا شعاره الاستقرار.

 

 (و)

وحدهم قليلو الحظ مَن سيُصدمون بتحولات جوهرية بدفة الأمور، فيكون عليهم إما إعادة المُحاولة، وإما إعلان الهزيمة والعودة مرة أخرى وحيدين لنقطة الصفر. وبفرض أننا كُنا من هؤلاء المحظوظين، وأننا صرنا مُستقرين وسُعداء.. هل ستقف الحياة عند تلك النقطة، فنعيش كما أخبرونا بالحكايات في تبات ونبات حتى النهاية؟

 

(ر)

رُبما نعم، وإن كان المنطق والتجارب الواقعية من حولنا يقولان لا، إذ عادةً مع الوقت، الاعتياد، وأخذ مَن/ما حولنا كأمر مفروغ منه، مضمون، ولا جديد فيه، يبدأ كل طرف في رؤية شريكه بطريقة تفتقر للشغف والانبهار. 

ثم تبدأ المُميزات في فَقد تفرُّدها وقُدرتها على إصابتنا بالسِحر والانجذاب، فنرى الملامح التي أسَرَتنا يومًا عادية، والمواصفات التي كانت تُرَجِّح ميزان صاحبها صارت صفات طبيعية لا إعجاز فيها.

 

تفاصيل كثيرة كتلك، مع كثرة الضغوط النفسية والاجتماعية وقطعًا المادية التي تعتصرنا طوال الوقت، وقِلة الجهد المبذول من الطرفين أحدهما أو كليهما لشعورهـ/ـما المُسبق بالاطمئنان لبقاء الآخر بعد أن ثبتت العلاقة لفترة طويلة على وتيرة واحدة، بالإضافة لعدم القُدرة على أخذ المُستجدات في حياة كل طرف، أو العلاقة نفسها بعين الاعتبار.. كل ذلك يؤدي إلى البدء بعدم الاكتراث، والتوقف عن رؤية الإيجابيات أو مُحاولة تحسين العلاقة والعمل على جَذب الآخر، ما يؤدي إلى دخول مرحلة قاتلة ينهش أساسها سرطان اسمه الفتور.

 

(فتـــور)

في المٌعجم هو سكون الشيء وضعفه، بل ورُبما وصل الأمر لانكساره بعد حدة ونشاط سابقين، لذا حين نقول إن زواجًا ما أصابه الفتور فإن خطبًا ما ليس على ما يُرام، المسألة ليست تافهة أو عادية، وبالتالي علينا ألا ندعها تمُر مرور الكِرام.

 

فالفتور ما هو إلا أول خطوة في طريق الموت الإكلينيكي لأي علاقة، والمُقلق أنه يتسلل للقلوب في خِفَّة وخفاء، فلا نننتبه إلا وقد احتلّ المشهد، فارضًا سيطرته على الموقف. وعلى تَنَوع أسباب ووسائل الإصابه به، إلا أنه ما أن يتملَّك من أحدهم إلا ويجعله يُفضِّل الانطواء، مُهملاً الآخر ومُتجاهلاً صحبته، ما يصبغ العلاقة بمخالب الكآبة والصمت.

 

وكُلما كانت العلاقة أقوى، كان وجع الفتور إذا ما أصابها أشد فَتكًا وإيلامًا. ذلك لأن أصحاب العلاقات القوية والمُترابطة، أو ما كانت كذلك، يعِز عليهم أن تضل سفينتهم مرساها، لذا حين ينساقون نحو الهاوية، يأتي ارتطامهم مدويًا وعنيفًا.

 

وبالتالي..

إذا أردتم تدعيم علاقاتكم والهروب من شبح الهزيمة، عليكم بالتجديد دومًا بالحياة من أجل كَسر الروتين، ارفعوا معنويات بعضكم بعض، وكونوا لشُركائكم خير عون في وجه جبل الثلج كي لا ينهار فوق رؤوسكم معًا.

 

وإياكم أن تتوقفوا يومًا عن إغداق الآخر بالإطراءات ومنحه التقدير المُناسب، ليُدرك جيدًا كيف أن وجوده هام ومؤثر وما زال يُحدث فارقًا لديكم، استمروا في البحث عن طُرق جديدة لاكتشاف وتعزيز جوهر شُركائكم، والأهم حافظوا على أعينكم قادرة على رؤية الجمال حتى لا يتحول عالمكم من الألوان للأبيض والأسود، فتندمون.

المقالة السابقةجيمي أوليفر.. الساحر الذي غيّر بعصا إبداعه حياة الآخرين
المقالة القادمةالحقيقة الوحيدة في الجواز.. “كدبة كل يوم”
امرأة ثلاثينية متقلبة المزاج، أعشق الرقص على السطور كتابةً، أُحب الفن بمختلف أنواعه وأعيش عليه. والآن كبرت وصار عليّ أن ألعب في الحياة عشرات الأدوار طوال الوقت، لأستيقظ كل صباح أُعافر حتى أستطيع أن أُحاكي بهلوانات السيرك فأرمي الكُرات المُلونة بالهواء ثم ألتقطها كلها في آنٍ واحد.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا