مش موضوع إنشا

573

“مما لا شك فيه، إن الربيع من أجمل فصول العام، حيث تتفتح الأزهار وتلون الطبيعة كل شيء من حولك، فتكون سيمفونية رائعة الجمال تشعرك بالسعادة”.

دي كانت مقدمة موضوع التعبير اللي كتبته في امتحان الشهادة الابتدائية، أنا حاولت أجيب الكلام بالتقريب لأني مش فاكراه أوي، بس طبعًا افتتاحية “مما لا شك فيه” اللي المدرسين كانوا بيحفظوهولنا في المدرسة متأكدة منه، وكمان موضوع “سيمفونية رائعة الجمال” ده. أنا فاكرة كويس أوي إني كتبته وإنه عجبني أوي ساعتها، وقلت على نفسي بنت محصلتش.

هو إحنا ليه لازم نتكلم كل سنة في التوقيت ده عن الربيع؟ والزهور والألوان والأمل والشمس؟ إحنا أصلًا في بلد جوها حار جدًا صيفًا، ممطر مطين شتاءً، ومعندناش ربيع ولا خريف، بنشتغل نفسنا يعني ولا بنشتغل علماء الجغرافيا ولا إيه بالظبط؟

ليه منتكلمش عن الرمد الربيعي مثلًا؟ أو حساسية الأنف الربيعية؟ أو حساسية الجلد كمان؟ ما هي دي مواضيع أكثر واقعية وبتحصل فعلًا، ومش هتحسسنا بأي تأنيب ضمير ولا هنشعر إننا بنكدب لما نقولها.

ليه طول الوقت بنحفّظ العيال في المدارس إن الربيع شيء جميل ولازم نكتب عنه موضوعات تعبير ونحفّظهم إن جملة “مما لا شك فيه” لازم تيجي في أول الكلام؟

طب أنا كمان هتكلم عن الربيع، الربيع اللي بجد، مش اللي في موضوعات الإنشا بتاعة ابتدائي.

مما لا شك فيه إن الربيع موجود، يعني فيه دول كتير بييجي عندها ربيع، بيكون من حق الناس فيه إنهم يشتروا ورد ويروحوا جناين، والستات يلبسوا فساتين ويستمتعوا بالشمس الحنينة قبل ما الصيف يدخل وكده.

ومما لا شك فيه كمان إن في توقيت الربيع في بلدنا في كل سنة أنا بيجيلي حرقان شديد في الأنف، وعيني أوقات مبكونش شايفة بيها، والدنيا بتبقى حر لإني مش بكون لسه طلعت الهدوم الصيفي، وبضطر ألبس اللبس الشتوي التقيل وأتخنق.

بس كمان في كل سنة في الربيع، الهوا بيزغزغني في قلبي، بشم ريحة حلوة أوي، أنا بعرف أشم روايح الفصول كويس، وسهل جدًا تسمع مني جملة “شامم ريحة الجو؟”، وتلاقيني مبتسمة ببلاهة من غير سبب منطقي.

تغيير الفصول مش بيعدي بالساهل، حتى لو إحنا في بلد جوها وحش وكلها كتل أسمنتية، ومفيش جناين زي اللي في نيويورك واللي توم هانكس كان مصمم إن ميج رايان تخف بسرعة عشان متفوتش الربيع في فيلم You’ve got mail.

تغيير الفصول بيأثر علينا نفسيًا جدًا، أنا مثلًا اكتشافي لقدرتي على إني قادرة أشم ريحة الصيف اللي بتهل عليّ في الشوارع بيسعدني، بيحسسني إني لسه إنسانة ولسه فيّ جزء مباظش تمامًا من الحياة الصعبة.

الشمس الحنينة بتخليني مبسوطة، مبسوطة إن الجو مبقاش هوا بيجيب برد، ولسه الشمس الحارقة اللي بتزعّل بشرتي مجاتش، بحس إني قادرة أتنفس من قلبي، حتى لو حساسية الأنف مش مخلياني أتنفس كويس.

الربيع بيخليني أشكر ربنا كتير أوي –آخرهم كان النهارده الصبح– لما أحس إن خلاص البرد خلص والشتا ولّى والناس اللي ملهومش مأوى موسم عذابهم انتهى.

تغيير الجو كل سنة بيجيبلي أفكار غريبة أوي إن حياتي هتتغير، مجرد إني أطلّع اللبس الصيفي بألوانه وأشتري كام جزمة جديدة وسكارفات ملونة بيخليني أحس إن دنيتي الصغيرة اتغيرت، ألوان الهدوم بتكون أحلى، أفتح، أروق، وبتديني إحساس أقوى بالحرية.

آه أنا عايشة في بلد كل فكرتها عن الربيع تتلخص في أغنية فريد الأطرش، وأكلة فسيخ ف آخر يوم إثنين من شهر أبريل، بس كمان أنا ما زلت إنسانة بتقدر تشوف حاجة حلوة في وسط التراب بعينيها اللي وجعاها من الرمد الربيعي.

أنا بس عايزة أقول حاجة أخيرة، “مما لا شك فيه” إن الربيع حلو.

 

المقالة السابقةإمتى بتحسي إنك جميلة؟
المقالة القادمةالدرس الأول: الجميلة والوحش
إنجي إبراهيم
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا