مخازن النفس السرية

384

اكتبي.. اكتبي.. أخرجي كل الحزن.. الشجن.. الألم، كل ما يضايقك اكتبيه، اكتبي عن أحلامك، أحلام الطفولة، مشاعر
المراهقة، جروح الماضي، خيانة الصديق، هجر الحبيب، هروب الآمال، وتحطمها، اكتبي عن الدموع، اللحظات التي  كنت
فيها بمفردك تئنين ولا يدري أحدٌ بك، أحضان الأم التي  حرمت منها، ورعاية الأب التي لم تعد موجودة الآن، أخرجي كل ما
بداخلك ولا تكتميه.
لا تخافي لن تشتكي الأوراق، والحبر لن ينفد من القلم، اكتبي على الحاسوب.. اكتبي على الورق.. اكتبي أيضا عن لحظات
السعادة والإنجاز، يوم أن نجحتِ رغم كل المعوقات، عن الرحلة الجميلة، المغامرة التي لم  يعرفها أحد غيرك، اكتبي عن
الأمنيات والأحلام.
اكتبي عن اللمسة الرقيقة التي لمست  قلبك، عن أول كلمة حب سمعتيها، المفاجأة التي لم تتوقعيها.. اكتبي عن العناية الإلهية،
ورعاية الله سبحانه وتعالى، اكتبي عن التوبة والاعتراف! المواقف  الصعبة  واللحظات التي  كان لا بد أن تأخدي فيها
قرارات مصيرية، اكتبي عن الفشل واكتبي أيضا عن النجاح.
إذا كنتِ لا تجدي من يسمعك.. يمكنك من خلال الورق أن تسمعي نفسك وتكلميها، يمكنك أيضا أن تتكلمي مع الله، وتشكي له
همك، وتعبري بصدق عن مشاعرك، وتكتبي له رسائل، رسائل إلى لله "ماذا تريد مني يا الله؟"، ورسائل "اسمعني يا الله"،
ورسائل "أريد يا الله"، ورسائل "أشكرك يا الله".
ستشعرين بالراحة والهدوء، فالتوجه إلى الله مصدر للراحة الحقيقية، ومن اقترب إليه سبحانه لا يندم.. بالفعل عزيزتي هذه
تجربتي مع الكتابة، كتابة مذكراتي، وبالنسبة لي هي تجربة ناجحة، وفي كل يوم تريحني أكثر.
في عالم نفتقد فيه للأصدقاء الحقيقيين، وفي وقت الجميع فيه مشغولون، ولا يوجد أحد  لديه وقت للآخر، في عالم يمتاز
بالسرعة والكل يعاني، ونحن أيضا نعاني.
مذكراتي اليومية كانت صديقا وفيا، لا يتأخر فقط أجلس وأفتح الحاسوب (الكمبيوتر)، لأخرج ملف الخواطر، وأبدأ في كتابة
ما يأتي بعقلي و ما أشعر به.
هذا أمر قد يبدو بسيطا، لكن بالنسبة لي كان  جزءً من الاسترخاء والراحة، عملية تنظيف يومي  لمخازن نفسي الداخلية، التي
لا يعلم عنها أحد، إلا الله وأنا، أنظفها  حتى تبقى دائما في حالة تهوية، فالكتابة اليومية ترتب  مخزن نفسي الداخلي وتنقيه، إنه
أمر ضروري.
نهتم كثيرا بأجسامنا وأشكالنا وأكلنا وشربنا، ونحتاج أيضا أن نهتم بنفسنا، بداخلنا، أصارحكم… إني عندما كنت أراجع و
أتصفح  مذكراتي أتعجب!
هناك مشاكل اكتشفت أنها لم تكن مشاكل، أمور حزنت جدا لفقدانها.. أجد بعد فترة أن فقدانها كان أفضل شيئا حدث في
حياتي، وظيفة بكيت يوم تركتها، تعجبت كيف بكيت، وقد أعطاني الله أفضل منها أضعاف المرات، أشخاص كانوا لا يقبلونني
والآن هم من أجمل الأصدقاء.
في الحقيقة بعد كل فترة أسترجع مذكراتي.. أشكر الله على الحاضر، وأتعلم من الماضي، وأعتبر للمستقبل، أدعوكم أن تكتبوا
مذكراتكم، لن تندموا أبدا.. اكتبوا لتنظفوا خزانة نفسكم الداخلية.. اكتبوا حتى لا تنسوا كم يحبنا الله وكم يحفظنا، اكتبوا لتتعلموا
أن معظم مشاكلنا هي ليست مشاكل حقيقية.
اكتبوا لتعلموا كم نحن أقوياء.. اكتبوا لتعلموا أنه لا يوجد ما يستحق أن تحزنوا من أجله.

اكتبوا لتعلموا أن الحياة تستحق أن تعاش..
اكتبوا تصحوا.

المقالة السابقةنون: كسر الوصمة المحيطة بالمرأة العربية
المقالة القادمةلِمَاذَا عَشِقنَا حسين؟

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا