لِمَاذَا عَشِقنَا حسين؟

510

 

بقلم/ غادة أشرف

عَدَدٌ كبيرٌ منَّا شاهَد فيلمًا يُعتَبَر من أهم أفلام السنيما المصريَّة البارِزَة وهو “الباب المفتوح”، وكُل شخص مِنَّا قد لَمَسته بعض مشاهِد من الفيلم، لأنَّها تعكس واقِعًا يعيش فيه أو شاهد أحدًا يعيشُ فيه.

 

أخافتنا صورة الشاب المُتلاعِب بالفتيات، وأرعبتنا صورةَ الأب الذي يُضيِّق الحياة على كلٍ من “محمود” و”ليلى”، وخنقتنا الأم التي تَرغَب في أن تجعل حياة الجَميع تسير على أصوُلِ وضعها أنَاس مِثلها، حتَّى وإن كانت هذه الأصول ضد رغباتهِم وأحلامهِم ومُستقبلهِم الذي تخيَّلـوه. أحببنا الصديقة التي تدفع بصديقتها لتخوض التجربـة، وكرهِنا تلك التي كانت تُقيم الحواجِـز حتَّى لا تختلـف عمّنْ حولها، وأُعجبنا بالأخ الذي يُحاوِل أن يكون جانِب أُخته يقِفا معًا في وَجه القيـود. رُبَّمـا يختلف البعض حول هذه المواقف ولكِن ما يتَّفِق عليهِ الجميع، أنَّنا بالطبع عَشِقنـا “حسيـــن”.

 

“حُسين” هو صورة للرَجُل الذي يتشارَك الحياة مع المرأة، لا الذي يختار المرأة بعد احتساب درجة ضعفها ومَدَى قُدرَتِه على إخضاعها لَهُ، الذي لا يُحاسِب المرأة على أخطاء ارتكبتها في الماضي. هو رَجُلٌ يتعامَل مع امرأة تستوي معهُ في العَقل وفي المَكانة وفي الحق في الحياة.

 

رُبَّما يكون قد أُعجَبَ بـ”ليلى” من حِكاياتِ “محمود” عنها، وقد يكون أحبَّها رُغم أنَّهُ لم يرها، ومِن المُمكِن أنَّهُ كان يستمع لـ”محمود” حينما يتكلَّم عنها كأصدقاء دون وجودِ أي مشاعِر، ولكن الأمر المؤكَّد أنُّه لم يتردَّد لحظة في مشاعِرَه حينما رآها لأوَّل مرَّة.

 

لِماذا “حُسين”؟ لأنَّهُ لم يُهمِل دراسته ليكتفي ببعض الشُهرَة حينما تطوَّع ليكون واحدًا من الفدائيين،  لأنَّه آمن بالمرأة وتمنَّى أن تُشارِكَه كُل لحظة وأن يُشاركها هو الآخر، لأنَّهُ لم ييأس، بل حاولَ مرَّة واثنتين وأكثر، لأنَّهُ كان واضِحًا وصريحًا في أحاديثه، في صِدق مشاعِرَه، لأنَّه مَسَك بيدِ فتاة راغبًا في أن يجعلها تصعد وتحيا حياة حقيقيَّة، لا ليُميتها.

 

أخبرها ببعثَتِه وبمُدَّتِها، ولكنَّه انتظَر قليلًا ليُخبرها مشاعَرَه نحوها، ويُحاوِل مُساعدتها في تجاوُز أي صدمات واجهتها من قبله، لم يُحاسبها لأنَّها ارتبَطت من قبل، ولكِّنَّه حينما وجدها خائفة أرجع أن ذلِك بسبب خطئها في الاختيار، وليس لأنَّها امتلَكَت مشاعر نحو شخصٍ ما.

 

لم يذهَب دون أن يودِّع الفتاة التي وَقَع في حُبِّها، بل أعطى لنفسِه فُرصَة مُجدَّدًا، لم يسافر ويختار الهروب، ورفع شَعار “إنَّها مُعقَّدة” هي لم تَكُن مُعقَّدة لكنَّها كانت تحتاج إلى ما يثبُت أن ليس الجميع سواء. حَلِما معًا، وجعلها تعيشُ لحظة لقائهما حينما تُسافِر لَهُ، وأقرَّ لها أنَّه لا بُد من مُواجهة تخوضها هي بمُفرَدِها لتجد ما تبحث عنه. لم يُصوِّر لها أن ما تبحث عنه هو مُجرَّد رَجل، ولكنَّه أراد وبشدَّة أن تَجِدُ هي نفسها.

 

لأنُّه ليس كالرجُل الذي يُداري حُبَّهُ خوفًا من نظرات الرجال وكلام النَّاس، لأنُّه افتخر بحُبِّها، وافتخر بوجودها جواره، لأنُّه ببساطة وَجَدَ أن الحُب هو الشيء الأكثر صِحَّة والجدير بالإيمان في الحياة.

 

لِماذا “حُسين”؟ لأنَّهُ حينما تهرَّبت منه الفتاة غير مُعتَرِفَه له بمشاعرها نحوه رُغم الدلائل، فَرِح لها حينما عَلِم خطبتها، أرجع أنَّه قد لا يكون الشخص المُناسب لها، وفَرِحَ لأنَّها كسرت ما تخاف منِه، ولكِنَّه حينما عَلِمَ أنَّها فتحت الباب مُجدَّدًا ولكن مع الشخص الخطأ، لم يترُكها وعاد من جديد، مُقرِّرًا أن يَقِف جانبها هَذِه المرَّة ما دامت تخافُ، ولكنَّه سرعان ما أبعد هذه الفِكرَة دافعًا إياها نحو الحُريَّة من خلال مُساعدتها لمن يحتاج إليها، لم يربط حُصولها على الحُريَّة بِه. لأنَّ “حُسين” علِمَ أنَّها تؤمِن بالحُريَّة والحُب والحياة وشجَّعها على ذلِك.

 

لأنَّه أحبَّ وصدق في حُبِّه، وعرض المُساعدَة وظل صامِدًا رغم رفضها، لأنَّهُ آمن بها في وقت كَفر بها المُقرَّبون، لأنَّهُ جاء وظل، لأنَّه لم يُخلِفُ وعودِه، لأنَّه لم ينظُر إلى العلاقة العاطفيَّة بأنَّها شيء يقوم على السيِّد والعَبد، على الآمر والمُنفِّذ، بأن طرفيها قوي وضعيف، كَسر مُعادلة خاطئة ونظر على أنَّها مُعادلة من طرفين علاقتهما قائمة على الإضافة، علاقة حينما تعلو قيمة كُل طرف فيها فإن الناتِج أيضًا تعلو قيمتُه.

 

لذلِك يا عزيزي لا تسألنا “لِماذا عشقتن حسين؟”.

 

 

 

 

المقالة السابقةمخازن النفس السرية
المقالة القادمةخمستاشر حاجة عشان الدايت ينجح
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا