ذات مرة رأيت بنتين صغيرتين مع والدتهما في المترو تتضاحكان بينما تحاول كل واحدة منهما أن تحمل الأخرى على الرغم من أن طولهما لم يتجاوز ركبتيّ! وفي يوم آخر -في المترو أيضاً- رأيت بنتاً صغيرة تبلغ حوالي ست سنوات تمسك بكيس صغير تنفخه لتصنع منه بالونة صغيرة (أو كما كانت أمي تسميها “زقزوقة”) وتفرقعها، وظلت تكرر هذا الأمر وهي تنظر إليّ وإلى أمها وتبتسم 🙂
ما رأيكم أن نفعل كما تقول المطربة/ عايدة الأيوبي في إعلان كوكاكولا “ما تعيش الدنيا بروح الطفل اللي جواك”..؟
ولكن كيف؟ هذا يدفعنا إلى التساؤل عن سمات الأطفال:
– الطفل تلقائي يعبر عن مشاعره الحقيقية.
– شغوف بتجربة الجديد.
– مبدع لا يقبل الأشياء كما هي.
– يهوى الاستمتاع والمرح.
– لا ينافق.
– يثق في الله بسهولة.
المشكلة أننا كثيراً ما نشعر أن هذه الروح قد ضاعت منا، فأين ذهبت؟ وهل يمكن استعادتها؟
قبل أن نجيب على هذه التساؤلات، تعالوا نفرق بين روح الطفولة وروح المعيلة! أما روح الطفولة فقد وصفناها أعلاه، وأما روح المعيلة فتشير إلى الجانب غير الناضج من الطفل والذي يشمل اهتمام الفرد بنفسه على حساب الآخرين، صعوبة وصف مشاعره بطرق صحية، عدم القدرة على تحمل الإحباطات، الحساسية الزائدة، عدم القدرة على التعامل مع الاختلاف…الخ.
والآن نعود إلى التساؤل:
أين ذهبت روح الطفولة بداخلنا؟
منذ الطفولة وعلى مدار حياتنا ونحن نتعرض لإساءات متعددة كالإهانات اللفظية، والضرب، والنقد الدائم، وإهمال الوالدين،…الخ. وعندما يتعرض الطفل لإساءة فإنه يعجز عن التصرف، مما يسبب له مشاكل نفسية مكوناً لديه ما يسمى بالذات المزيفة، والتي هي ضد الذات الحقيقية. وهذا الجدول يبين الفرق بين الاثنين:
ولأن هذه الذات المزيفة تكونت منذ الطفولة وقويت مع الزمن فإننا نعتقد أن هذه حقيقتنا، في حين أن ذاتنا الحقيقية (أو روح الطفولة بداخلنا) محبوسة تحت هذه القشرة المزيفة بانتظار أن نحررها.
رحلة تحرير الطفل الداخلي
لتحرير روح الطفولة بداخلنا والتعافي من إساءات الماضي، نحتاج إلى أن نسير رحلة لها بعض الخطوات:
- التذكر: الإنكار لن يفيد، لأن الإساءات وما تركته من آثار علينا قد صارت أمرًا واقعًا.
- النوح: وهو التعبير عن مشاعري السلبية الناتجة عن التذكر، فأقول مثلاً “لما أمي كانت بتهزأني قصاد قرايبنا كنت باحس بالحزن والغضب” هذه المشاعر هي ذاتي الحقيقية. والنوح هو محاولة التكسير في هذه القشرة لأبلغ ذاتي الحقيقية المخفية تحتها.
- صنع المستقبل: وهو اتخاذ خطوات نحو تغيير نفسي للأفضل، وتكوين علاقات صحية مع الناس، وتحسين علاقتي بالله.
وخلال هذه الرحلة فإننا نحتاج بشكل أساسي إلى أناس يتسمون بالأمانة، والحكمة، والأهم إلى أناس يقبلوننا كما نحن ويستمعون إلينا ويتفهمون ما نمر به من مشاعر حادة ومتناقضة، دون أن يلومونا على ما كان وما لم يكن. وفي بعض الأحوال، قد نحتاج إلى مساعدة متخصصة من مشير نفسي.
وقد يفيدك الرجوع إلى مقال “السلم والتعبان” لتتعرفي على حقائق هامة عن التعافي.
وأخيراً، استمتعي بالأغنية 🙂
http://www.youtube.com/watch?v=G3Lk7t1TvYE