يغلبُ في البداياتِ على كلِّ العلاقاتِ طابَعٌ ورديٌّ وسِماتٌ ملائكيةٌ.. ولكن…
هل كل ما يأتي من الحبيبِ حبيبٌ، كما يقولُ الشعراء؟
للأسف.. لا يتسمُ كلُّ قاطِني الكوكبِ بالخيرِ فقط، ولا يأتون الشرَّ دومًا عن سوءِ نية.
لذا يحدثُ أحيانًا أن نستسلمَ بإرادةٍ كاملةٍ “لا واعيةٍ” لمن يؤذينا.. عندما أقولُ هذا سيتصورُ البعضُ أنني أتحدثُ عن أذىً يكمنُ في العنفِ، الغضبِ، العدوانِ الجسديِّ أو اللفظيِّ. لكنَّ علمَ النفسِ الاجتماعي يقرُّ بأنَّ أخطرَ أنواعِ العُدوانِ وأكثرَها احتياجًا للوقتِ لنُشْفَى منه هو “العدوانُش النفسي”.
في هذا المقالِ لن أطيلَ الحديثَ عن النظرياتِ النفسيةِ للعُدوانِ، ولا عن أنماطِ الشخصياتِ المؤذيةِ، لكنْ سنرى كيف يستطيعُ كلٌ منا أن يعرفَ إن كانَ بالفعلِ متورطًا في إحدى العلاقاتِ المؤذيةِ أو المُدمِّرةِ
“abusive relationships”.
هذا النوعُ من العداونِ يصْعُبُ الإمساكُ به أو الوقوفُ عليهِ بوضوحٍ، كما يصْعبُ أيضًا رفضُه بشكلٍ جادٍّ وواضحٍ، فهو ليس مجردَ سُبةٍ سترْفُضينَ أن تُوَجَّهَ إليكِ، أو لكمةٍ في الوجهِ تستطيعين ردَّها أو على الأقل تفاديها. ففي هذا النوعِ من العلاقاتِ المؤذيةِ يمتازُ الشريكُ المؤذي بتلاعبِهِ الدائمِ بالأفكارِ، حتى تظنَّ الضحيةُ أنَّ كلَّ سوءٍ بهذه العلاقةِ هي السببُ فيه، وعليه فإنها تستحق ما يحلُّ بها من عقابٍ، وتحتَ تأثيرِ غسيلِ الدماغِ المستمرِّ تبدأُ الضحيةُ في التعايشِ معَ هذهِ الفكرةِ بأريحية تامة وقبولٍ مُذْعِن.
هذا النوعُ قد تشعرينَ أنكِ تعرضتِ لهُ إذا كانَ من سماتِ علاقتِك أيٌّ من الآتي:
– لا يفي شريكُكِ بوعودِهِ بشكلٍ ملحوظٍ ومستمر.
– يحاولُ دومًا التشكيكَ في الآخرينَ والتعبيرَ عن عدمِ ارتياحِهِ لهم، وبالأخصِّ الأصدقاء وأفراد العائلة، أو من يهتم بكِ.
– التهديدُ الذي يبدأ بـ”سأغضبُ إنْ فعلتِ كذا”، والذي في مرحلة متقدمة سيتطورُ ليصبحَ “إن تركتِني فلن تنعمي برؤيةِ طفلكِ مرةً أخرى”.
– لدى شريكِكِ أسئلةٌ تحَكُّمِيةٌ ليستْ لغرضِ المعرفةِ أو الاطمئنان، أسئلةٌ تشبهُ “منْ تُكلمين؟ من تقابلين؟ ماذا كتبتِ على مواقع التواصل الاجتماعي؟ ولماذا؟”. وقد يُرْغِمُكِ على مسحِ منشورٍ يُظهِرُ قوتَكِ أو يُبدِي ضعفَهُ.
– بالطبع، هو دائمًا على حق، وفي مرحلةٍ متقدمةٍ قد تتلاشى قدرتُكِ على إخباره بأنه ليس على صواب.
– يحاولُ تغييرَ مفاهيمكِ عن نفسكِ، وعن رؤيتِكِ للمواقفِ، وهذا أيضا يُعَدُّ أذىً نفسيًا. حينها ستشعرينَ بالعارِ من أفعالٍ طبيعيةٍ يفعلُها الآخرون، لكنكِ تخافينَ من إطلاعِ شريككِ عليها، كالخروج مع أفراد أسرتك أو أحدِ معارفك.
– تجاهلُ مشاعرَكِ خصوصًا في أوقاتِ الضغطِ والقلقِ، وربما هو نفسه سيمثلُ مزيدًا من التوترِ في هذه الفترات.
– إذا لم يكنْ لكِ مصدر دخلٍ فستكونين فريسةً أسهلَ، حيث بالضغطِ وضيقِ ذاتِ اليد تكونينَ دومًا تحت السيطرة.
– في الأذى النفسي والعاطفي، تكونينَ معظمَ الوقتِ محلاً للهجومِ والتعدِّي بالتعليقاتِ السلبيةِ، خصوصًا في مواضعِ ضعفِكِ، (مستواكِ المادي أو التعليمي، التعليقاتُ على مظهركِ)، وسيجدُ الطرفُ المؤذِي لسلوكهِ هذا مبرراتٍ عديدةً إذا ما وُوجِهَ به، من ضمنها: أنه يصارحُكِ بعيوبِكِ ولا يريدُ أن يكذبَ عليكِ أو يخدعكِ.
– حلالٌ لهُ حرامٌ عليكِ بعضُ التصرفات، مثلَ: أن يكونَ لكِ أصدقاءٌ ذكور، في حين ما أكثرَ صديقاته هو.
– الخيانةُ وإنكارُها مع محاولةِ قلبِ الحقيقةِ حتى يوهِمَكِ بأن خيانته تلكَ لمْ تكن خطأَه وحدَه، وإنما لأنكِ لم تكوني كافيةً له كما يجب.
إذا كنتِ واقعةً تحتَ وطأةِ واحدٍ أو أكثرَ من هذه التصرفاتِ والسلوكياتِ فاعلمي أن الاستسلامَ لها يخلُقُ منكِ ضحيةً عالقةً في بحرٍ من رمالٍ، كلما حاولتِ منه خروجًا ازددتِ فيه غرقًا.
الشخصية المُوحشة التي تُضفي على علاقاتها هذه السُمية، تظهر في البداية بصورة جميلة مخادعة، إلى أن تأسر ضحيتها في ارتباط ذي ميثاق، كالصداقة، العشرة، الارتباط أو الزواج، وبشكل غير متوقع تظهر علامات الأذى العاطفي واحدة تلو الأخرى، حينها سيكون دومًا شخصًا حزينًا، متألمًا ومنعدم القوة، ويبدأ هذا المحبط عدوانه النفسي كأسلوب ليحافظ بداخله على تقديره لذاته.
صحيح أن هناك عوامل نفسية ليتكون بهذه الشخصية، كالتنشئة الاجتماعية والعوامل الوراثية أو النماذج التي تمثل قدوة ونجاحًا في حياته، وأسباب أُخرى، ولكن الشخص المؤذي في النهاية يختار العدوان النفسي ليعبر عن غضبه وإحباطاته، وهو مسؤول بالكلية عن اختياره.
في الختام..
إدراكنا للوضع المختل يُبدي قدرتنا على تغييره، فنحن لم نخلق للكسر.
*هذا المقال خطوة على الطريق لتسليط الضوء على أنواع الأذى التي قد لا نعيرها اهتمامًا وتصيبنا في العمق.