من “سي السيد” لـ”السُبكي”.. الرجل في السينما المصرية

573

عزة

تم نشرة في 02/25/2017

وقت القراءة : 4 دقيقة

لما رسم نجيب محفوظ شخصية “السيد أحمد عبد الجواد”، لم يعلق في بال العامة سوى صورة يحيى شاهين بالقفطان، وشخطه ونطره في أهل بيته، وانحرافه في بيوت البغاء.

من خلال تجسيد الثلاثية تأثرت أجيال وتعلمت أن صورة “سي السيد” إنما هي صورة زائفة للرجل الحقيقي، وتعلم رجال الجيل التالي أن إطلاق لقب “سي السيد” على أحدهم إنما هو مسبة، فسعى الوعي الجمعي لرفض تلك الصورة للرجل، وربما مال لصورة “كمال” ابنه المهذب، ورأى أنه أكثر رجولة من “السيد أحمد عبد الجواد”. كان إنتاج فيلم بين القصرين في الستينيات.. وما أدراك ما الستينيات!

 

للمجتمعات توجهات عامة وسياق يحدد الإطار المثالي للأدوار، فكما تتحدد صورة الجمال ونمط الأخلاق، تتحدد ملامح الشخصية المثالية. تُرسم تلك الأطر بأكثر من أداة، منها الموروثات والحالة الاقتصادية والشخصيات العامة ومناهج المدارس، فكما ربَّانا آباؤنا، لا يُساغ لأحد إنكار أن نوادي الفيديو والمدرسة وماتشات الشارع وبيوت زملائنا، كل ذلك شارك في تكوين قيمنا، وربما نكون أقرب للإنصاف إن قلنا إن للسينما الباع الأكبر في تشكيل الوعي الجمعي للمجتمعات وأطرها المثالية، فمنها تعلمنا الحب والانتقام والنجاح، وعرفنا اليأس والرغبة وحتى الكلام والموضة وبعض فنون الإتيكيت. وفي مقام حديثنا هذا نقول إن السينما على مدار تاريخها علمتنا أيضًا ملامح الرجولة.

 

عودة لصورة الرجل في أفلام الخمسينيات.. “سيدة القصر” نموذجًا

سبق إنتاج الثلاثية فيلم “سيدة القصر” 1958، والذي يُعد من علامات السينما الكلاسيكية، وفيه يُظهِر الزوج عمر الشريف إهماله وتعنيفه لزوجته فاتن حمامة، التي تظل طوال الفيلم تلعب دور الزوجة المخلصة التي تسعى لحماية ممتلكاته من أصدقائه المستغلين، الذين بدورهم يقنعونه بخيانتها. تتصاعد الأحداث حتى نصل لمشهد ضربه لزوجته وطردها من البيت، لكن مع تصدير صورة مغلوطة للمرأة الجدعة والزوجة الوفية، تجري عليه فور إصابته وتعود المياه لمجاريها ويعيشان في تبات ونبات، كبرواز لصورة المرأة النموذجية المطالَبة باحتمال الإهانات والضرب والشك والحياة مع ذكر لا يعرف الرجولة، على أمل صلاح الأحوال.

 

الرجل في سينما الثمانينيات.. جيل الشقا

وعن أهم أفلام عيد الحب، والعلامة الفارقة في تاريخ الأفلام الرومانسية، الفيلم الذي نشأ عليه جيلنا، جيل الثمانينيات، وتعلمنا منه الحب، “حبيبي دائمًا” 1980، البطل المحب المؤمن بالحب المستحيل، نور الشريف الذي ظل وفيًا لحبه الأول بوسي رغم زواجها، ليس هو الفارس المحب كما صوّره الفيلم، إنما هو تخلّى عنها لما تحدت العالم وهربت من بيت أهلها وذهبت إليه، فما كان منه إلا أن ضربها.. ضربها لتنازلها عن كل الضمانات وكل وسائل الأمان وتحديها! هذا بعد أن أقنعته أصلاً جدتها ليتقدم لخطبتها، فحتى خطوته الإيجابية الوحيدة تجاه حبهما كان مدفوعًا إليها دفعًا.

لم يكتف الفارس المحب بذلك، لكن بعد يأسه من إكمال قصة حبه انتبه لزميلته سوسن بدر التي طال توددها وتقربها منه، فنفخ الروح أكثر في أملها وحبها له، وفتح الباب لاستقبال عطاياها، استغل حبها بكل أنانية ممكنة للرجل المصري الأصيل، وهو مدرك تمامًا أنه لن يكمل مشواره معها، فقلبه مع غيرها. حتى ظهرت حبيبته مرة أخرى في الأفق، فبكل عنف طردها من حياته ليعود لحبيبته التي طردها قبلها.

رجل بهذا القلب، لو لم تكن بوسي على وشك الموت كيف ستكون بقية قصة حبه؟!

 

الرجل الصعيدي الجدع في السينما

أما في التسعينيات وتحديدًا 1991 أنتج مدحت الشريف فيلم “الهروب” للرائع أحمد زكي، الرجل الصعيدي صاحب السمعة الطيبة الذي رسم ملحمة بقصة هروبه وتضليل الداخلية. “منتصر” الرجل الجدع الذي لا يعابه شيء، البار بأمه، الساعي لإعادة الحقوق، لا يخاف بطش السلطات الغاشمة، هرب بصورة أصبحت حديث الشارع، بغرض قتل زوجته الخائنة، وفي لقاء حميمي مع الراقصة التي سقطت في عشقه (هالة صدقي)، ضربها لأنها رفضت أخذ مال مقابل المتعة. لم يفهم حبها له فضربها، هكذا بتلك البساطة. ثم اكتملت قصة الحب الأسطورية حتى انتهت برصاصة طائشة أنهت عشقها الملحمي لبطل أسطوري ضرب حبيبته لأنها رفضت المال مقابل المتعة.

 

الرجل في أفلام الألفية الجديدة

انتقلنا إلى ألفية جديدة بأفكار تقدمية وحرية فكرية وصوت مسموع للنساء ضد الاستغلال والعنف والأفكار المغلوطة، فهل تغيرت صورة الرجل في السينما المصرية؟ لنرى..

 

من أكثر الأفلام التي علّمت الجيل الجديد الحب -بغض النظر عن المستوى الفني- كان فيلم “عمر وسلمى”، إنتاج 2007. لا داعٍ لدفن رؤوسنا في التراب ولنعترف أن معظم طلبة الجامعات حاليًا نشؤوا على قصة حب “عمر” لـ”سلمى”. “عمر” الذي خان “سلمى” أكثر مما أحبها، ولما ضبطته مع صديقته في بيتها انتهى الأمر وصالحها ببوكيه ورد، أما لما شك فيها خطأً لطمها، فانتهى الموقف أيضًا بقوله “أنا حمار.. أنا كلب”، فتصالحت “سلمى” بكل بساطة وأكملت مسارها في قصة الحب تلك لثلاثة أجزاء متتالية.

 

وعلى ذكر خيانات “عمر” المتعددة، فالسينما التي ما زالت حتى الألفية الجديدة تظهر خيانات الرجال كنزوات عابرة، هي نفسها السينما التي لوت عنق رواية عالمية مثل “آنا كارنينا” وشوَّهتها، لتبرر حب البطلة لرجل غير زوجها في “نهر الحب”، فالرواية الأصلية تدور أحداثها في زمن ومجتمع لا يتيحان الطلاق، لكن في النسخة المصرية ظهر الزوج (زكي رستم) في صورة أقرب إلى الشيطان، رغم أن “عمر” لما خان “سلمى” لم يكن المؤلف في حاجة لإظهار شخصية “سلمى” في صورة شيطانية، إنما خيانته عادية ومقبولة ويمكن قبول الاعتذار عنها، فهو رجل، أما بطلة “آنا كارنينا” امرأة، فوجب تحوير شخصيتها لنتقبل الأحداث. وبذلك تغذي السينما منذ الستينيات وحتى الآن، نظرة المجتمع في رفض خيانة الزوجة وقبول خيانات الزوج كنزوات عابرة.

 

صورة الرجل مع أخواته

ومؤخرًا تصدر العنف ليس فقط من حبيب لحبيته، وإنما من “سالم أبو أخته” لأخته، التي صارحته أنه باستسلامه للضغط الواقع عليه من عشيقته السابقة سيصبح “دلدول”، فبردة فعل منطقية جدًا بمقاييس “الراجل الجدع”، لطشها ألم، وعاد واحضتنها، فهي أخته التي رباها، وهو الرجل الشهم الجدع الذي لا تفوته الحنية، فحضنته بل واعتذرت وبررت كلامها.

“سالم” الشاب المكافح الجدع الذي ربّى أختيه وأظهره الفيلم كرجل “مجابتوش ولاّدة”، برشامجي سكّير يرافق العاهرات رغم ارتباطه بحورية فرغلي. فيلم “سالم أبو أخته” إنتاج 2014.

 

عودة للتراث

وبعودة للتراث الفلكرولي لنطلع على صورة الرجل الشهم قديمًا، فيباغتنا موال “شفيقة ومتولي”، “متولي” الذي حق له إراقة دم أخته كوصيّ عليها، إقرارًا لصورة أن شرف الرجال -حتمًا- لصيق الصلة بنساء عائلته، وكأن الرجل مستقلاً بلا شرف، واكتملت صورة الحق المغلوط بالقاضي “حسن” الذي حكم على “متولي” بستة أشهر حبس، فهي قضية شرف، مهللاً عازف الربابة في نهاية الموال بقوله “صراحة شرّف بلده”.

 

 

المقالة السابقةليست للكسر
المقالة القادمةكيف اشتري بنطلون جينز؟ 7 نصائح لكل بنت لاختيار الجينز مناسب

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا