لذة الانتقام بطعم “أم علي”

443

 

 

منذ متى وأنا أحب ذلك الاختراعَ الفاشي، بل وأبحثُ عنه في البوفيهات والعزومات، وأصنعها احتفاءً بزيارةِ عزيزٍ أو بمصالحةِ رفيقٍ أو ببدايةِ طريقٍ وبصيصِ أملٍ؟ لا أعرف تحديدًا، لكني أحبه وأجده التحلية المُثلى بعد كل عَشاء.

“أم علي” اختراعٌ مصري تحكي الأساطير أنه ظَهَر في الأصل احتفاءً بمقتل “شجر الدر”، حيث قتلتها ضُرَّتها ليستحوذ “علي” ابن “أم علي” على الحكم، الذي وطدته في الأساس “شجر الدر”.. الجارية التي وصلت لحكم مصر بالدهاء والعلم.

 

أتصور للحظة طبق “عزة”، أو لأُسمِّها “أم الأنوار”، أكلَة سأخترعها احتفاءً بقتل كل مُدَّعٍ وكاذب، كل مفارق بلا عذر، كل من يُسقِط رفقته غدرًا، كل من يخذل ويقابل العشم بجفاء وبرود، لن تكون حلوى يفرح بها كل من هبّ ودبّ على حساب معاناتنا، ستكون طبق خضراوات مشكّل سبايسي حار ولعة، يُذكّر الألسنة بوخزات القلب التي تُخلِّفها الوعود المُهدرَة.

 

تقول الأسطورة، إن “أم علي” تشفّيًا في مقتل ضُرّتها قطعتْ أجزاءً من جسدها وخلطتها في الحلوى.. إحم.. الحقيقة ليس أجزاء بالضبط.. حسنًا.. لقد قالوا إنها وضعت حلمتي ثدييها وخبأتهما في القدر وأكلها أحدهم وأكمل احتفال تنصيب “علي” حاكمًا لعرش مصر، وهو الطقس الذي استبدلناه الآن بوضع الزبيب والمكسرات في صواني “أم علي”.

 

ربما ذات سهرةٍ، سنَصْحَنُ أيامَ النِّسِي وسهرات الانتظار مع رشّة من غياهب القلق، نتبّلها بالملح والفلفل والشطة، ونَدُكُّ الرؤوس التي طالما استسهلتْ كَسرَنا ودَعَسَتْنا ببساطةِ استبدالِ حلةٍ ألومنيوم بواحدةٍ سيراميك لا تحضن ما داخلها حضنًا حقيقيًا ولا تصطبغ بلونه مع الوقت.

 

يقال إن حلوى “أم علي” كانت معروفة وقتها باسم آخر، ولكن الاحتفال الصاخب وتهويل الأمر وترديد الأساطير ألصقها باسم “أم علي”.

ربما وعكات الخيبة لا تستحق أيام حسرة وضياع أكثر، ربما تستحق احتفالاً أسطوريًا كتوزيع أم الحاكم الجديد للحلوى على الشعب كله في الشوارع، فكما أقيمت الأفراح فوق مقتل الملكة احتفالاً بتولي “علي” زمام أمور البلاد، علينا طبخ طاجن تورللي باللحمة الضاني ترحيبًا بالخلاص، وتوزيعه على الأصدقاء أو مشاركته مع حبيبٍ جديدٍ، وعدم إخباره بوجود عقلات إصبع حاولت دعس عزيمتنا يومًا، وبعضِ قِطَعِ الألسنةِ التي نخرت في سيرتنا سرًا. أخبريه أنها قطع كبد وقوانص أو لحمة مفرومة لتُكسِب الطاجن دسامةً وقوةً، وتصبغه بصبغةٍ أسطورية.

 

لا تُخبري أحدًا بسر الطبخة الانتقامية؛ الجميع يغفل حقيقة الأمر، “شجر الدر” الجارية التي خطفت “أيبك” من زوجته وابنه لتضعه صورة على العرش وتظل هي الحاكمة، ولمّا حاول “أيبك” ممارسة مهامه كحاكم قتلته، الجميع يغفل الزوجة الأولى الملكومة وابنها الذي ظُلِم صغيرًا وسيخرج من المولد بلا حمص كبيرًا. ويتذكرون فقط قاتلة استولت على عرش الحاكمة العظيمة “شجر الدر”.

 

تيمنًا بـ”أم علي” سأصنع طاجنًا باسمي، طاجن “أم الأنوار”، وفي زمن آخر ستطبخ واحدة في مأتم غريمتها طاجن “أم الأنوار” وتوزعه على المُعزين، علَّ في يوم ما تعرف إحداكن ما جرى لغنّوج، وتقلد أباه بطبق مقبلات لا يغادر حفلات الشواء وسهرات الأفراح.

المقالة السابقةالأكل في بيت جدو
المقالة القادمةاليوم عرسي بعد سبع عجاف

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا