بقلم:آن سامي
يقولون: للحبِّ خمسُ لُغات، تختلف أذواقنا العاطفية في تفضيل لغة عن الأخرى. شخصيًّا أُحبُّ أن أُحبَّ بلُغة الوقت الخاص؛ أفضِّل الدقائق المحشوَّة بالتواصل الدافئ على مستوى الوجد، تتخلَّلُه حُبيبات من الصمت والضحك ذات المذاق المركَّز، يُقرأ الحب فيها من خلال نظرات الأعين، ونبرة الكلام وتفاصيله. أما عن أقلها تفضيلًا لي؛ فهي لغة الهدايا. في الحقيقة أنا لا أفضلها بالمرَّة، وعندما فتشت داخلي عن سبب نُفوري هذا منها؛ وجدت أنه ربما لارتباطها عندي بوُجُوبية رد هذا الدَّيْن. نعم، أراها كدين واجب السداد، وأشعر بالذنب كلما انتابني التقصير، وربما لعدم تصديقي أن الحب هو الدافع الأكبر وراء الهدية، والعلم عند الله!
الدافع عندي أهم من العطيَّة؛ إنْ كانت وقتًا أو خدمة، كلمات تشجيع حُلوة أم حضنًا أو حتى هدية! وكلما زادت ثقتي في محبة المُعطي؛ أمِنْتُ تناول الحب من يده. فالحب فعلٌ نواتُهُ الدافعُ؛ وهو ما يؤثر حتمًا على مذاقه وتأثيره.
وإنْ كنت أنا الانسان محدود القدرات تعاف نفسي حُبًّا مغشوش الدافع؛ فكيف ينظر الله لعبادتي وحبي له، هل يرى فيها صدقًا أم ذنبًا أم رشوة لاتقاء شره؟ وما خفي كان أعظم! فهو يعلم ما بداخلي حتى وإن كنت لا أدريه.
كثيرًا ما دفعني الذنب -دون أن أدري- في عبادتي لله. فعلى الرغم من محاولاتي المستميتة لفحص دوافعي؛ إلا أنني لم أكتشف ذلك إلا عندما تصاعد دخان احتراقي الداخلي، فلم يعد قلبي يتحمل أثقال الذنب! الذنب الذي لطالما لاحقني منذ نعومة أظافري، في دراساتي وعلاقاتي، الشعور بالتقصير الدائم الذي جعلني آسَفُ وجودي في حياة من يعرفونني!
اختبأ الذنب على هيئة تقوى كاذبة في خشوع مزيف. أريد أن أرتقي بعبادتي يالله، أنت تستحق أكثر مما أقدم، أنا لا أستحق حبك وحنانك، ساعدني. وأتتْ المساعدة بشكل غير متوقع؛ فقد أتتْ على هيئة شعاع من النور كشف الدافع الحقيقي المختبئ خلف كل هذه الصلوات “الذنب”.
فكلما شرعتُ أصلي تتجلى أمامي عيوبي ونقائصي، ضعفي وجمود قلبي. وبدلًا من أن تكون الصلاة تأملًا خاشعًا في حضرة الإله؛ حالت إلى تفنن في جلد الذات، تتردد حينها صرخات داخلية صاخبة “مرفوضة مرفوضة، عباداتك مرفوضة”!
لا أعلم مَن الذي علَّمني تلك القاعدة -فليسامحه الله- “كلما قسوت على ذاتك حصلت على أفضل النتائج”! تريدين عبادة أفضل؟ فلتطلقي العنان لضميرك الحي كي يؤنب ويؤنب حتى يستقيم حالك!! وعلى الرغم من فشلها إلا أنني كنت أُعزِيْ ذلك الفشل لقُصُور بي بالطبع! وإلا فهل الاستباحة هي الحل؟! حاشا، فلأدع ضميري يجلدني بسَوْطِهِ علَّنِيْ أستفيق في تلك المرة!
أفقدني الذنب كل متعة يمكن الشعور بها في الاقتراب من الله، أحال ذنبي العبادة لحجر ثقيل على صدري. لم أستشعر فيها سوى الثقل والألم والندم على العُمر الذي يضيع هباء دون أن يصطلح الحال!
هل يخفى عن المولى كلُّ هذا؟ كل هذا الضعف البشري، كل هذا الألم الناجم عن الذنب، كل هذه الاشتياقات للاقتراب منه؟ تلك الأسئلة كانت بمثابة الضربة التي فتحت المنفذ لدخول أشعة النور لقلب جريح متعب.
قال أحدهم -فليباركه الله-: “الفضيلة هي ما بين الرذيلتين”. ورحلتي الرُّوحانيَّة اشتملت على التأرجح بين رذيلتَيْ الذنب والاستباحة، ولم يكن الحل في عذاب الضمير، ولا في رسم إله مريح من نسج خيالي أعبده دون أدنى تضحية؛ بل كان في تلاقي النعمة مع قلبي الحائر. فما أجمله حبًّا! تغنى به داخلي، حين تلامس مع محبة الله ورحمته الواسعة؛ فأصبحت عبادته وقتًا مستقطعًا للراحة والارتماء على الإله اللامحدود. بالطبع لم يخلُ هذا الوقت من مواجهتي بذنوبي وسهواتي، ولكن شتان الفارق بين استجاباتي لتلك المكاشافات حينما قادتني إليه محبته!
مبارك شعور الذنب، ولكن حينما يأتي في محله ويقوم فقط بدوره؛ حين ينخس ضميري على خطأ ارتكبته، فأتنبَّه وأعود لمحاولة إصلاح ما فعلت. مبارك حين يهمس بنقصي ويمسك بيدي كي أنتهز الفرصة الثانية. ملعون إذا أتى كيفما شاء بداعٍ ودون داعٍ، كضيف ثقيل لا أدري من أين أتى بكل تلك الاستحقاقية؟! ملعون حينما لا ينخس ضميري فقط؛ بل يجرحه جرحًا غائرًا يطرحني أرضًا بوصم عنيف ويكبِّلني بقيوده في سجنه المظلم!
ما أجملها حياة في رحاب الرحمة، يضبطها اجتهاد بدوافع الحب لا الذنب، تشملنا فيها رأفة وحنان مَن يدري بضعفنا وهشاشة كياننا؛ فتهنأ نفوسنا في حضرته بوقت خاص يمنُّ فيه علينا من نعمته، وتهدأ قلوبنا وتستكين حين يغدق من سكيب محبته، فلا نملك سوى السجود له بكل تقوى وخشوع.
المراجعة اللغوية: عبد المنعم أديب.
I went over this internet site and I believe you have a lot of great information, bookmarked (:.
F*ckin’ tremendous things here. I am very satisfied to peer your article. Thank you a lot and i am having a look ahead to touch you. Will you please drop me a mail?